رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«نعمة المياه مقوّم أساس للحياة».. موضوع خطبة الجمعة

1-8-2025 | 10:05

مسجد

طباعة

تأتي خطبة صلاة الجمعة، اليوم، تحت عنوان: "نعمة المياه مقوّم أساس للحياة"، حيث تستهدف توعية المصلين بعِظَم نعمة المياه، وأنها المقوّم الأساس للحياة، وأنها أرخص موجود وأغلى مفقود، وأن الحفاظ على كل قطرة ماء واجب على كل إنسان.

نعمة المياه مقوّم أساس للحياة

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أنزلَ منَ السماء ماءً بِقَدَر، فعمَّ به جميع خلقه في البوادي والحضر، وسلكه في ينابيع وعيونٍ، وجعله مباركًا وطهورًا، أقامَ الكونَ بعظمةِ تجلِّيهِ، وأنزلَ الهدى على أنبيائهِ ومرسليهِ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أحيا به القلوبَ والأرواح، وبعثه للعالمين رحمةً ونورًا، وبهجةً وسرورًا، شرحَ صدرَه، ورفعَ قدرَه، وشرفنا به، وجعلنا أمتَه، صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد:

فإنَّ نعمَ اللهِ تعالى لا تُعدُّ ولا تُحصى، فمنها ما ظهر، ومنها ما بطن، وقد استأثر اللهُ بعدِّها وعلمِها، فقال جل جلاله: "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا"، ومن أعظم هذه النعم نعمةُ الماءِ التي هي أساسُ الحياةِ وسرُّ الوجودِ في هذا الكون، فلولا الماءُ ما كانَ إنسان، وما عاش حيوان، ولا أزهرت أرض ولا ربت، فالماءُ غذاءُ الكائناتِ وحياتُها، وبفقدهِ تُفقدُ الحياة، ألا ترى الأرضَ هامدةً يابسةً، فإذا نزلَ عليها الماءُ تحرّكت فيها الحياة، وتلألأت بالخُضرة والنضارة، قال تعالى:
{فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

أيها المكرّمون، انتبهوا، فإن بعض الناس قد يرى الماء أرخص موجود، لكنهم لو تأملوا في حالِ مَنْ حُرِمُوا منهُ، كيفَ يعيشونَ في فقرٍ وفاقةٍ ومرضٍ وموتٍ، لعرفوا سموَّ قدره، وأدركوا شرفه وأهميته، لذلك ذكّرنا الله جل جلاله بهذهِ النعمة في حال الإيجادِ وحال الفقدِ، لنذكر عظيمَ نعمهِ علينا، ولنحذر من تضييعها والتفريط فيها، فقال سبحانه:
{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}،
وقال عز وجل:
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ}.

عباد الله، حافظوا على قطرة الماء حفاظكم على الحياة! وإياكم والإسراف والتبذير والإهدار. أتُطيقون أن لا تكونوا من أهل محبة الله الرحمن الرحيم؟! تأمّلوا هذه الآية:
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، أتتحمّلون أن توصفوا بهذا الوصف؟!{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}؟!.

 

ألا تعلمون أيها النبلاء أنَّ الاقتصادَ في استخدامِ الماء شأنُ الأولياء الصالحين والعلماء الربانيين؟! قال الإمام أحمد رحمه الله: "مِن فقهِ الرجلِ قلّة ولوعِه بالماء"، وقال المروزي رحمه الله: "وضّأتُ أبا عبد الله الإمام أحمد، فسترتُه مِن الناس، لئلا يقولوا: إنه لا يُحسنُ الوضوءَ؛ لقلة صبّه الماء"، وكان أحمد يتوضأ فلا يكاد يبلُّ الثرى!

أرأيتم أيها السادة؟! إن هذا شأنُ الأكابر في حرصهم على الماء، يحرصون عليه جدًا، وكلما زاد قربهم من الله؛ نوّر الله بصائرهم، فعظّموا نعم الله وصانوها، هكذا كانوا يصونون الماء تعبدًا للهِ جل جلاله.

وهذه رسالة إلى كل من يستهين بنعمة الماء؛ فيا من يفتحُ الصنبورَ لأقصى درجةٍ عند الوضوء أو غسل الأواني أو غسل الأسنانِ، تاركًا الماءَ ينسابُ بلا حاجةٍ، ويا من يتركُ خراطيمَ المياه تغسل السيارات أو تنظّف الساحات وهو منشغل بحديثٍ مع صديقه ولا يعبأ بالماء المهدر، ويا من تُفرِط في استخدام المياه أثناء ريّ الحدائق فتتسبّب في هدر كمياتٍ كبيرة من الماء الصالح للشرب، أفيقوا واعلموا أنَّ نعمةَ الماءِ هي مِنْ أوّلِ ما تُسألونَ عنه يوم القيامة.

قال رسولُ اللهِ ﷺ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنهُ يَومَ القِيَامَةِ مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحْ لَكَ جِسْمَكَ، وَنُرْوِيكَ مِنَ المَاءِ البَارِدِ؟!"، فأحسنوا جوارَ نِعَمِ اللهِ عليكم، ولا تنسوا قول الله جل جلاله:
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.

الحمدُ لله الذي أمر بالوَحدةِ والتقوى، ونهى عن العداوة والفرقة، وجعل التراحم والتعاون شعارَنَا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإنَّ التكاتفَ الاجتماعي ليس خُلُقًا محمودًا فحسب، بل هو ضرورةٌ إنسانية، وفريضةٌ إسلامية شرعية، وسبيلٌ للإصلاح والاستقرار والقوة للأمة، قال الله جل جلاله:
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، وهذا أمرٌ إلهي لا سبيل إلى تحقيقِهِ إلا بالتعاون والتكاتف، قال سبحانه:

{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

أيها الناس، كونوا يدًا واحدة؛ فإن التكاتف هو أحوج ما تكون إليه الأمة في وقتِ الأزمات التي تنزلُ بساحتها، وتطرأ على واقعها ما بين الحين والآخر، وهذا خُلُقٌ لا بد أن نحقّقه بيننا، ونقتدي فيه بالحبيب الأعظم ﷺ الذي كان عونًا لكل محتاج، سندًا لكل ضعيف، أنسًا لكل وحيد.

وقد وصفتهُ أُمُّنَا خديجةُ رضي الله عنها، فقالت باعثةً في روحه الطمأنينة:
"أبشرْ، فواللهِ لا يُخزيكَ اللهُ أبدًا، إنَّكَ لتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصدُقُ الحديثَ، وتَحمِلُ الكَلَّ، وتُقري الضيفَ، وتُعينُ على نوائبِ الحقِّ".

عباد الله، تراحموا، تكاتفوا، تعاونوا، اصبروا، وصابروا، ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون؛ فإن وطننا الغالي مصر، بتآلفكم، قويٌّ عزيز، غالبٌ منصور، محفوظٌ بأمان الله وحفظه.

اللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيّنه في قلوبنا، وأدم علينا نعمك، وارزقنا شكرها.

الاكثر قراءة