شاب وسيم خطف الأنظار منذ إعلان ترشحه لشغل منصب العمدة فى نيويورك، وبتصريحاته حول السياسة التى سيتبناها والتى أثارت الجدل، واستفزت رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، لدرجة أن هدده بسحب الجنسية الأمريكية عنه، واتهامه بأنه مهاجر غير شرعي.. هو زهران ممداني، صاحب الـ33 عامًا، الذى تحدى الرجل الأكثر قوة ونفوذًا فى أمريكا.
فصل جديد من الصراع بين الرئيس الأمريكى وحكام الولايات، لكن هذه المرة بدأ الصراع باكرًا باعتبار ما سيكون، فـ«ممدانى» حتى الآن مجرد مرشح لمنصب العمدة، لكن ربما آراؤه وخلفيته الديمقراطية هما السبب فى كل هذا السخط من ترامب، إذ يشغل «ممدانى» عضوية الحزب الديمقراطي، ويمثل الدائرة السادسة والثلاثين فى جمعية ولاية نيويورك عن منطقة كوينز منذ عام 2021.
وُلد «ممدانى» فى كمبالا بأوغندا –لذا يتهمه ترامب بأنه مهاجر غير شرعى– ووالده هو محمود ممداني، أستاذ جامعى أوغندى من أصل هندي، ووالدته هى ميرا ناير، مخرجة أفلام أمريكية من أصول هندية. انتقل إلى الولايات المتحدة فى السابعة من عمره، وحصل على الجنسية الأمريكية فى عام 2018.
ويتبنى «ممدانى» سياسات جعلت منه شخصية مختلفة، لكنها أثارت فى الوقت نفسه غضب الكثير، لا سيما بعض الجهات المؤيدة لإسرائيل، حيث أعلن أن معاداة الصهيونية ليست شكلًا من معاداة السامية، كما أعلن أيضًا أنه لن يمتثل لقرارات ترامب إذا فاز، لا سيما تلك المتعلقة بطرد المهاجرين غير الشرعيين أو عدم منح الجنسية بالولادة. فكانت تلك الشرارة التى دفعت ترامب لاتهامه بأنه مهاجر غير شرعى وهدد بسحب الجنسية منه، حتى وصل الأمر إلى تهديد ترامب بأنه فى حال فوز «ممدانى»، سيقطع الإمدادات الفيدرالية عن الولاية.
اشتدت الوتيرة بعد نجاح «ممدانى» فى الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، حيث أصبح هدفًا لترامب والعديد من الجمهوريين، ما دفع «ممدانى» للتنديد بترامب بسبب تهديده باعتقاله، وتكرار الادعاءات التى لا أساس لها من الصحة بأنه هاجر إلى الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية. وردّ هو الآخر باتهام ترامب بأنه يستهدفه كوسيلة لتحويل الانتباه عن خطط الجمهوريين لخفض الضرائب على الأغنياء، وتقليص برامج الأمان الاجتماعى للفئات الأكثر احتياجًا. وأضاف «ممدانى» أنه يقاتل من أجل العمال، بينما يفضل ترامب تأجيج نيران الانقسام بدلًا من الاعتراف بأنه خان هؤلاء الأمريكيين من الطبقة العاملة.
ويرى البعض أن هذه التصريحات –وهى الأولى منذ فوز «ممدانى» بترشيح حزبه رسميًّا– تقدم لمحة مبكرة عن سياسات هذا الرجل الديمقراطى فى صد هجمات ترامب، وربما أيضًا فوزه على الحاكم السابق أندرو كومو ومنافسيه الديمقراطيين الآخرين يُظهر عمق الانقسامات الموجودة الآن فى السياسة الأمريكية الداخلية. بل إن ردود الفعل حول تصريحات ترامب انقسمت هى أيضًا بين مَن طالب ترامب بالاعتذار، وبين مَن أيّده وشارك فى الهجوم على ممداني. لكن ذلك على كل حال لم يمنع «ممدانى» من المضى قدمًا فى برنامجه الانتخابي، والإعلان عن أجندته التي، كما يقول، هى الأقرب للطبقات العاملة.
وتأتى على رأس هذه الأجندة معالجة مشكلة الإسكان، ومحاولة تطوير المساكن بأسعار معقولة، حيث تعانى مدينة نيويورك من أسوأ أزمة فى المساكن والإيجارات منذ خمسين عامًا؛ إذ لا يتجاوز حجم المعروض من الإيجارات 1.4 فى المائة، ويمكن أن يصل ما تدفعه الأسرة للإيجار إلى أكثر من نصف دخلها البالغ 70 ألف دولار، إلا أن جهود ترامب لتقليص حجم المساعدات الفيدرالية للإسكان وغيرها قد تعرقل جهود ممداني، لا سيما إذا نفذ تهديده الأخير بقطع الإمدادات الفيدرالية فى حال فوز ممداني.
لكن، كما يقول السفير رخا حسن، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، فإن «ممدانى» لديه الحق فى الطعن على هذا القرار. لكن ترامب أيضًا قد تكون له الصلاحية فى فعل ذلك، فكما يُقال فى الولايات المتحدة: «الرئيس الأمريكى قادر على فعل كل شيء عدا تحويل الرجل إلى امرأة».
وأضاف «رخا» أن «ممدانى» له أيضًا الحق فى الطعن على قرار سحب الجنسية إذا أقدم ترامب على ذلك، ف»ممدانى» وصل إلى مستوى قيادى فى الحزب الديمقراطي، وهو أمر ليس بالسهل، فهذه الأحزاب لديها معاهد ومراقبون وظيفتهم تمييز الشباب المميز لوضعهم فى صفوف القيادة، وقد نجح «ممدانى» فى الحصول على التأييد من كبار رجال الحزب الديمقراطي.
لكن ربما ما أثار غضب ترامب هو تصريح «ممدانى» بأنه لن يلتزم بجميع القرارات التنفيذية لترامب، لا سيما تلك التى تخص ترحيل المهاجرين غير الشرعيين وعدم منح الجنسية لمَن يولدون على الأرض الأمريكية. هذا ما استفز ترامب وجعله يصدر أفعالًا وأقوالًا لا تليق برئيس دولة ديمقراطية تدافع عن الحقوق والحريات.
أما عن تهديد ترامب الصريح بقطع المعونة الفيدرالية عن نيويورك، فيقول «حسن» إن ترامب يستخدم ذلك للتأثير على الناخبين الذين لم يحسموا رأيهم بعد، والذين يستفيدون بشكل مباشر من المعونات والأموال الفيدرالية، حيث يتبع ترامب أسلوب التخويف والتهديد معهم، علمًا بأن هؤلاء فى الأغلب لهم تأثير كبير فى تحديد الفائز فى الانتخابات فى نوفمبر المقبل. لكن مع ذلك، يقول رخا إن هذه الخطوة، إذا أقدم عليها ترامب، يمكن تعويضها بأموال كبار رجال الأعمال الموجودين فى الولاية، إذا أرادوا دعم هذا المرشح.
ويقول «حسن» إنه رغم أن الوقت ما زال مبكرًا لتحديد الفائز، فإن فوز «ممدانى» قد يعنى استمرار الخلاف، وذلك لأن ترامب الآن أكثر شراسة من فترته الأولى، ويسعى لتعيين الموالين له لتسهيل تنفيذ أجندته.
