رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

د. محمود مسلم: «الجمهورية الجديدة» ليست شعاراً سياسياً لكنها رؤية شاملة لمستقبل مصر ( حوار خاص)


5-7-2025 | 13:23

دكتور محمود مسلم رئيس لجنة الثقافة والسياحة والإعلام بمجلس الشيوخ و المتحدث الإعلامى باسم حزب الجبهة

طباعة
حوار: سناء الطاهر

نعيش يومنا هذا على مناسبة ستظل خالدة فى ذاكرة الأمة، حيث الذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو، التى مثّلت نقطة تحول حاسمة فى التاريخ السياسى الحديث لمصر، عندما خرج ملايين المصريين دفاعًا عن دولتهم وهويتهم، رافضين حكم جماعة الإخوان الإرهابية. لقد كانت الثورة بمثابة لحظة استعادة للوطن من فوضى مؤسسية وتدهور اقتصادى وأخلاقى كاد يعصف بأسس الدولة المصرية العريقة..

ومنذ الثالث من يوليو 2013، بدأت مصر مسيرة جديدة لإعادة بناء مؤسساتها، وترسيخ الأمن الداخلي، وإطلاق مشروعات التنمية الكبرى، وصياغة سياسة خارجية متوازنة تعيد إلى القاهرة مكانتها الإقليمية والدولية المستحقة بعد سنوات من التراجع والتهميش.

فى هذا الإطار، أجرينا حوارًا مطولًا مع د. محمود مسلم، رئيس لجنة الثقافة والسياحة والإعلام بمجلس الشيوخ، المتحدث الإعلامى باسم حزب الجبهة الوطنية، الذى قدّم قراءة سياسية شاملة لما يزيد على عقد كامل من الزمن، يروى لنا تفاصيل شيقة من زاوية التحول الديمقراطي، وتطور الحياة الحزبية، والمشاركة الشعبية، والتحديات الاقتصادية، ومستقبل الجمهورية الجديدة.. وفيما يلى تفاصيل هذا الحوار الذى يرصد بدقة ملامح المرحلة ومحطاتها الفارقة.

 

بداية.. كيف ترى المشهد السياسى المصرى بعد مرور 12 عامًا على بيان 3 يوليو التاريخي؟

المشهد السياسى اليوم يحمل دلالات كثيرة جميعها تؤكد أننا تجاوزنا لحظة الخطر الأكبر فى تاريخنا الحديث، فقد كانت مصر على حافة الانهيار المؤسسي، وعانت من انقسام مجتمعى حاد، وشهدت محاولات ممنهجة لإضعاف مؤسساتها الأساسية من جيش وشرطة وقضاء، إلى جانب تدخلات أجنبية سافرة، ولكن بعد 3 يوليو، بدأت عملية شاملة لاستعادة الدولة المصرية، ليس فقط من الناحية الأمنية، بل أيضًا فى إعادة بناء الثقة المفقودة بين المواطن والدولة، والآن لدينا حالة استقرار واضحة، وإرادة سياسية تمتلك رؤية وقدرة على مواجهة التحديات، واتخاذ قرارات وطنية مستقلة لا تخضع لإملاءات أو ضغوط خارجية.

هذا الاستقرار لم يكن ليحدث لولا تضحيات ضخمة قدمتها مؤسسات الدولة، وعلى رأسها القوات المسلحة، وجهاز الشرطة، ورجال القضاء، مدعومة بوعى شعبى رفض الانجرار وراء الفوضى أو الانقسام، وما نراه اليوم من استثمارات وبنية تحتية وتوسع عمرانى لم يكن ليتحقق دون أرضية سياسية مستقرة.. مصر الآن تتحرك بخطى واثقة نحو تعزيز مكانتها الإقليمية، واستعادة دورها كمركز ثقل فى المنطقة.

هل تعتقد أن أهداف الثورة تحققت بالشكل المطلوب كما ينبغي؟

الثورة نجحت بشكل واضح فى تحقيق جزء كبير من أهدافها الجوهرية، خصوصًا على مستوى حماية الدولة من التفكك، واستعادة الهوية الوطنية التى كادت تضيع، وتثبيت أركان المؤسسات السيادية.. لكن بطبيعة الحال، لا تزال هناك ملفات معقدة قيد المعالجة والتطوير، مثل إصلاح منظومة الإعلام، وتطوير التعليم بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل، وتحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية على الأرض.

ما تحقق خلال 12 سنة لم يكن أمرًا سهلًا على الإطلاق، فقد واجهت الدولة موجات متتالية من الإرهاب المسلح فى سيناء، وفى قلب المدن الكبرى، كما تعرضت لضغوط اقتصادية متراكمة نتيجة تراجع السياحة، وخروج الاستثمارات، والتأثر بالأزمات العالمية.. ومع ذلك، نجحت مصر فى الصمود، واستمرت فى إعادة بناء بنيتها التحتية، وأطلقت مشروعات قومية ضخمة فى مجالات النقل، والطاقة، والإسكان، والتعليم، والرعاية الصحية، مما ساهم فى تحسين جودة الحياة للمواطن المصري، وخلق فرص عمل جديدة، وتحقيق نقلة نوعية فى مستوى الخدمات.

فى رأيك.. إلى أى مدى استطاعت الدولة خلق توازن حقيقى بين الحريات والاستقرار؟

السؤال عن الحريات فى الدول التى تمر بمرحلة إعادة تأسيس دائمًا ما يكون حساسا ومعقدا.. بعد 3 يوليو، كان لا بد من تثبيت الأمن أولًا، وحماية مؤسسات الدولة من السقوط، ثم التوجه بشكل تدريجى ومنضبط نحو توسيع دوائر الحريات السياسية والمدنية.. واليوم لدينا مساحة واضحة للحوار، ووجود ملموس للمعارضة المسؤولة داخل البرلمان، وكذلك منابر إعلامية تعبّر عن تنوع فى الرؤى والاتجاهات.

الدولة لا تُقصى أحدًا، بل تدعو إلى التعددية بشرط أن تكون مسؤولة، وأن تحترم قواعد الدولة الوطنية، وترفض فى المقابل، الفوضى أو الخطابات التحريضية التى تهدد الأمن القومى والاجتماعي.. كما أن المعادلة التى تسعى الدولة لترسيخها تقوم على التوازن بين متطلبات الدولة المستقرة، وحقوق المواطنين فى التعبير والمشاركة، بما يضمن حماية المكتسبات وعدم تكرار سيناريوهات الانهيار كما حدث فى دول أخرى بالمنطقة.

من وجهة نظرك.. كيف ترى تطور الحياة الحزبية فى مصر خلال هذه السنوات؟

تطور الحياة الحزبية فى مصر خلال الـ12 سنة الأخيرة لا يمكن فصله عن المسار العام الذى سلكته الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو، وما تبعها من خطوات لإعادة بناء مؤسسات الدولة واستعادة الاستقرار.

بكل واقعية، لا نستطيع أن نقول إن الأحزاب وصلت إلى مرحلة النضج الكامل، أو إنها تمارس دورها بكفاءة تامة، لكننا بالتأكيد انتقلنا من مرحلة الجمود والمشهد الحزبى الباهت، إلى مشهد أكثر تنوعًا وحركة.. أصبح هناك أحزاب جديدة ذات رؤى واضحة، وأخرى قديمة أعادت ترتيب صفوفها وتفاعلت مع المتغيرات.

خلال السنوات الماضية، نشأت كوادر حزبية جديدة داخل البرلمان – فى مجلسى النواب والشيوخ – وفى الشارع أيضًا.. والأحزاب أصبحت أكثر قربًا من المواطن، تحاول التعبير عن طموحاته، وتنقل مشاكله، وتشارك أحيانًا فى تقديم حلول.. وهذا بحد ذاته تغير جوهرى مقارنة بما كان قائما قبل 2013، حين كانت الحياة السياسية مختطفة من جماعة واحدة لا تؤمن بالتعدد ولا بالدولة الوطنية.

لماذا تأخرت انتخابات المحليات رغم أهميتها؟

قد يكون تأخر هذه الخطوة لظروف موضوعية: تأخر إصدار القانون، أو عدم الجاهزية، أو أولويات الدولة فى ملفات أكثر إلحاحا، لكن المؤكد أن الدورة البرلمانية المقبلة ستشهد خروج قانون المحليات للنور، ومعه ستبدأ الحياة السياسية فى مصر مرحلة أكثر حيوية، فانتخابات المحليات ليست مجرد منافسة على مقاعد، بل هى معمل سياسى لبناء جيل جديد من القيادات المحلية والسياسية.

أما القانون المنتظر سيضع معايير أكثر صرامة لاختيار المترشحين، وربما تفرز هذه الانتخابات نحو 50 إلى 60 ألف شاب وفتاة سيكونون بمثابة وقود جديد للحياة السياسية، وخط دفاع أول عن مطالب الناس فى القرى والمدن، وسند حقيقى للسلطة التنفيذية فى تنفيذ خطط التنمية.

ما التحديات التى تواجه الأحزاب، وماذا ينقصها لتلعب دورها الكامل؟

ما ينقص الأحزاب حاليا هو بناء جسر ثقة حقيقى بينها وبين الشارع.. المواطن البسيط لا يزال يحمل ذكريات سلبية عن العمل الحزبي، بسبب تجارب حزبية فاشلة أو موسمية فى العقود الماضية، و الأحزاب مطالبة اليوم بالنزول إلى الميدان، والاستماع لصوت المواطن، وتقديم حلول واقعية لمشكلاته، بدلًا من الاكتفاء بالشعارات.

كذلك، تحتاج الأحزاب إلى تطوير أدواتها، وتدريب كوادرها سياسيا ومهنيا، وفتح قنوات تواصل مستمرة مع الشباب، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بينها فى ملفات مشتركة، لتقديم نموذج ناضج ومتكامل للديمقراطية التشاركية.

كيف تقيمون دور الجبهة الوطنية وما الذى يميزها عن غيرها من الأحزاب؟

الجبهة الوطنية جاءت فى لحظة سياسية دقيقة، وفى توقيت كان فيه المجال العام فى حاجة إلى كيان سياسى جاد يعبّر عن طموحات قطاعات واسعة من المصريين.. ما يميز الجبهة هو تنوع كوادرها من مختلف الفئات والخلفيات، وانفتاحها على الحوار، وتفاعلها النشط مع القضايا اليومية للمواطن.

كذلك، نحن لا نسعى لاكتساح الانتخابات، بل نهدف إلى بناء شراكات حزبية حقيقية، وتقديم حلول موضوعية ومبنية على دراسات علمية، بعيدًا عن المزايدات أو الوعود غير الواقعية. نؤمن أن السياسة يجب أن تُبنى على المعرفة والخبرة، لا على الخطابة أو الشعبوية.

ما المطلوب لمواكبة تحديات الجمهورية الجديدة؟

الجمهورية الجديدة ليست مجرد شعار سياسى أو مشروع تنموي، لكنها رؤية شاملة لمستقبل وطن، تقوم على أسس مختلفة تمامًا عن المرحلة التى سبقتها.. ولذلك، فإن مواكبة تحديات الجمهورية الجديدة يتطلب مقاربة جديدة من الجميع: الدولة، الأحزاب، الإعلام، والمجتمع.

كما أن الإصلاحات الاقتصادية أحيانًا ما تكون قاسية، لكن مواجهتها تكون أسهل عندما يشعر المواطن أن هناك من يسمعه ويشرح له ويشاركه فى تحمل العبء.. ولذلك، فدور الأحزاب هنا محوري؛ هى ليست فقط كيانات انتخابية، بل يجب أن تكون جسرا بين الدولة والناس، وصوتا فاعلا فى النقاشات المجتمعية حول السياسات.

أيضا، من أهم شروط النجاح فى هذه المرحلة هو استمرار بناء الإنسان المصري، وليس فقط البنية التحتية.. صحيح أن لدينا اليوم شبكة طرق عالمية، ومشروعات إسكان ضخمة، ومدناً ذكية، لكن هذا لن يكتمل دون استثمار موازٍ فى التعليم، والثقافة، والوعي، والإعلام، والمشاركة السياسية.

ولا يمكن أن نغفل دور الشباب هنا، فالدولة بذلت جهودًا كبيرة خلال السنوات الماضية فى تمكين هذه الفئة: مؤتمرات الشباب، البرنامج الرئاسي، الأكاديمية الوطنية، تنسيقية شباب الأحزاب كل هذه خطوات كانت ضرورية ومؤثرة، رأينا شبابًا فى مواقع المسؤولية نائبى محافظين ومحافظين بالفعل، وهو تطور لم يكن ممكنًا قبل سنوات قليلة.

وأخيرًا، من أبرز ملامح الجمهورية الجديدة هو أن مصر باتت صاحبة قرار مستقل خارجيًا، هذا أمر لا يُقدَّر بثمن، نحن لا نتبع أحدًا، بل نتحرك برؤية مستقلة فى ملفات معقدة مثل غزة، والسودان، وليبيا، والحرب الإيرانية – الإسرائيلية، وكلها أزمات شديدة التعقيد.. و مصر لم تتورط، بل قدمت مواقف تتسم بالحكمة والمبدأ، وتدير ملفاتها بعقل الدولة صاحبة الرؤية وليس التابع.

الجيل الحالى يتمتع بوعى كبير، لكنه بحاجة إلى التنظيم والمبادرة، والخروج من العالم الرقمى إلى الواقع السياسي.. ومصر لا يمكن أن تنهض إلا بشبابها، ومشاركتهم هى الضمانة الأولى لاستمرار أى إصلاح سياسى حقيقي.

كيف ترى السياسة الخارجية المصرية بعد 3 يوليو 2013؟

السياسة الخارجية المصرية أصبحت أكثر اتزانًا واستقلالية بعد 3 يوليو، ولم تعد القاهرة تدور فى فلك أحد، بل تبنى تحالفاتها وفق مصالحها الوطنية الخالصة.. ففى الملفات الكبرى مثل غزة، وليبيا، والسودان، وسد النهضة، اتخذت مصر مواقف واضحة تعكس قوتها، وحرصها على الاستقرار الإقليمي.

الرئيس السيسى أعلن أكثر من مرة أن زمن التبعية ولى، وأن مصر تتحرك بشرف، وتحافظ على مصالحها دون عداء لأحد، وهذا هو ما جعل العالم ينظر إلى الدور المصرى بإعجاب واحترام متزايد، ويحسب حسابًا لقراراتها وسياساتها.

الاكثر قراءة