يوماً بعد الآخر تضرب مصر للعالم المثل الأفضل فى «إدارة علاقاتها»، ففى الوقت الذى يحاول فيه البعض الترويج لسيناريو ركيك حول «تراجع الدور الإقليمى»، تأتى الأحداث المتعاقبة لتثبت عكس ما يجرى الترويج له بـ«فعل فاعل»، وتؤكد أن «القاهرة»، وإن كانت مرت بسنوات انشغلت خلالها بإدارة وحل أزماتها الداخلية، فإن مقعدها على طاولة «إدارة العالم» لم - ولن - يشغله أحد.
الأيام الماضية شهدت العديد من المواقف واللقاءات التى تؤكد أن «القاهرة» تدير علاقتها وفق استراتيجية «الندية» ولا تعترف أبدًا بـ«التبعية»، فالجميع يعلم تمام العلم أن القيادة السياسية فى مصر تمارس السياسة بـ«شرف»، مثلما سبق وأن صرح الرئيس عبدالفتاح السيسى وقال: «مصر تمارس سياسة شريفة فى زمن عز فيه الشرف، ومصر دولة رشيدة تحترم نفسها وتحترم الآخرين ولها وجه واحد وتتعامل مع أى أزمة بالحوار».
وعلى سبيل المثال وليس الحصر، فإن الأسبوع الجارى شهد تأكيدًا على أهمية الدور المصرى، ليس فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، بل على مستوى العالم أجمع، بعدما هبطت طائرة وزير الخارجية الإيرانى، عباس عراقجى، على أرض مطار القاهرة، مستهلًا جولة خارجية له كانت مصر محطتها الأولى، ومن يمتلك القدرة على قراءة خريطة مجريات الأحداث العالمية، سيدرك جيدًا أهمية هذه الزيارة وتوقيتها الدقيق، فـ«طهران» فى منتصف مفاوضات «معقدة» مع «واشنطن»، و«ترامب» يحاول الوصول إلى «نقطة اتفاق» فى ظل ضغط من جانب «تل أبيب» للتراجع عن «لغة المحادثات» وتبنى سياسة «توجيه الضربات»، ليبرز هنا دور «عقل القاهرة» والأهمية التى سيمثلها حضورها فى المشهد.
«عراقجى»، خلال زيارته «القاهرة» التقى نظيره الدكتور بدر عبدالعاطى، وكشف البيان الذى أصدرته وزارة الخارجية بعد انتهاء اللقاء، نقاطًا عدة تصب فيما يتعلق بـ«دور مصر وعلاقاتها»، فالوزيران ناقشا العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع فى غزة وسوريا ولبنان، فضلًا عن أمن الملاحة فى البحر الأحمر وتطورات المفاوضات «الأمريكية - الإيرانية».
لقاء «عبدالعاطى» و«عراقجى»،كان قد سبقه لقاء آخر للوزير الإيرانى حاضرًا فيه مع الرئيس عبد الفتاح السيسى، والذى تناول التطورات المتسارعة بالمنطقة، حيث أكد الرئيس «السيسى» الموقف المصرى الرافض لتوسّع دائرة الصراع، وشدد على ضرورة وقف التصعيد للحيلولة دون الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة ستكون ذات تداعيات خطيرة على أمن ومقدرات جميع دول وشعوب المنطقة، مشيرًا فى هذا الإطار إلى أهمية المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.
ولأن مصر تمتلك «بصيرة ثاقبة» وإدارتها قائمة على «قراءة أحداث اليوم لترتيب المستقبل»، فإن لقاء آخر شهدته «القاهرة» جاء ليؤكد هذا الأمر، حيث التقى وزير الخارجية، الدكتور بدر عبدالعاطى، بالمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفائيل جروسى.
وخلال اللقاء نوه «عبدالعاطي» إلى أن الخلل التعاهدى الحالى بالنسبة لالتزامات الدول فى إطار منع الانتشار فى منطقة الشرق الأوسط يفاقم حالة عدم الاستقرار فى المنطقة، لافتًا أن إسرائيل تظل الدولة الوحيدة بالمنطقة التى لم تنضم لمعاهدة عدم الانتشار النووى وترفض إخضاع كافة منشآتها النووية لضمانات الوكالة. كما شدد على ضرورة انضمام إسرائيل لمعاهدة منع الانتشار النووى كدولة غير نووية.
ما نوه إليه «عبدالعاطى»، كان حاضرًا أيضًا على طاولة اللقاء الذى جمع بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث أكد الرئيس «السيسى» لـ«جروسى»، أن مصر كانت دومًا فى طليعة الدول الداعمة لمنظومة نزع السلاح وعدم الانتشار النووى باعتبار أنها تهدف إلى الوصول إلى عالم خال من الأسلحة النووية.
كما أشار الرئيس إلى أن مصر تؤكد بشكل دائم على ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية فى الشرق الأوسط، وتتطلع لتعزيز الوكالة لدورها فى دعم جهود تحقيق عالمية معاهدة عدم الانتشار، وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.
