رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

فى ذكرى ميلاده الـ٨٠ «الغيطانى».. محارب بـ«الورقة والقلم»


11-5-2025 | 18:30

جمال الغيطانى

طباعة
بقلم : صلاح البيلى

ثمانون عامًا مرت على ميلاد الكاتب جمال الغيطانى « 1945 2015» ، ابن «جهينة» التابعة لسوهاج بصعيد مصر ، والذى نشأ فى حى الجمالية، مثل أستاذه وصديقه لاحقًا نجيب محفوظ، وكان والده الصعيدى من أتباع الشيخ صالح الجعفرى فى جامع الأزهر، عمل فى بواكير حياته فى فنون النسيج ثم اتجه للأدب، وأصدر أول مجموعة قصصية «أوراق شاب عاش من ألف عام»، ثم توالت قصصه، والتحق بالقوات المسلحة، وعمل مراسلاً حربيًا لصحيفة «الأخبار »، وسجل يوميات الحرب، وكان صاحب مبادرة تأسيس صحيفة «أخبار الأدب»، وسلسلة الحرب فى هيئة الكتاب، نال التقديرية سنة 1997م، وآخر تكريم ناله حصوله على جائزة النيل، سافر لبلاد كثيرة، وتُرجمت أعماله لأكثر من لغة، وبرع فى التاريخ، وأحب «ابن إياس» تحديدًا، ووقع فى عشق الآثار الإسلامية، وظهر ذلك فى كتاباته وبرامجه، كان مشغولاً طول الوقت ويرى أن العمر قصير والواجبات أطول، واعتبره نقاد الأدب المعاصر أحد أبرز وجوه جيل الستينيات فى الأدب المصرى.

 

جهينة البداية

من جهينة فى سوهاج فى صعيد مصر، وفد والده إلى العاصمة، وسكن حى الجمالية، وأسرة الغيطانى فرع من أسرة «أبوالنجا»، فهو عربى أصيل، وكان والده مريدًا من مريدى العارف بالله صالح الجعفرى شيخ الجامع الأزهر، وكتب جمال أكثر من مقال فى «يوميات الأخبار» عن هذه الرابطة الصوفية، ومما كتبه أن والده كان يسحبه من يده وهو طفل صغير، وشاهد الأب الشيخ صالح وهو يخرج صباحًا من باب الأزهر، فسأله عن ذلك، فقال الشيخ صالح: إنه خرج ليتصل تليفونيًا بأقاربه من جعافرة قنا، فدُهش الأب، وقال له إن غرفته فى المسجد بها تليفون مباشر، فرد الشيخ بأن ذلك التليفون للعمل العام، ولا يجوز استعماله فى المصالح الشخصية، وضرب الغيطانى بتلك الحكاية مثلاً على ورع الشيخ صالح، لدرجة أن يتحرج من استعمال تليفون الوظيفة فى مكالماته الخاصة.

الزينى بركات

وعلى خطى أستاذه وصديقه الأثير لاحقًا أديب نوبل، الروائى الراحل نجيب محفوظ، تعلق «جمال» بالتاريخ وحكاياته ومؤرخيه وتعلق بالآثار الإسلامية، ووقع فى غرام المؤرخ ابن إياس الحنفى المصرى صاحب كتاب «بدائع الزهور فى وقائع الدهور»، وقد عاش الرجل الفترة الحرجة لنهاية عصر المماليك، ودخول «سليم» نتيجة هذا الغرام أن أبدع الغيطانى روايته الأولى عن ستة وعشرين عامًا، وهى «الزينى بركات»، وهى تتناول سيرة محتسب مصر آنذاك بركات بن موسى، وتابعة الشهاب زكريا، وشيخ هذا العصر بلا منازع الشيخ الصوفى أبوالسعود الجارحى، وهى القصة التى حققت شهرة الغيطانى الأولى، وقدمته للقراء ، وحددت طريق إبداعه نحو التاريخ، وهى الرواية التى قرأها كل متابع للغيطانى، وقد قرأها جيلى فى بواكير شبابنا، وقد تحولت إلى مسلسل تليفزيونى من إخراج يحيى العلمى، وبطولة أحمد بدير ونبيل الحلفاوى، وكتب محمد السيد عيد لها السيناريو والحوار.

وقائع حارة الزعفرانى

بعدها كتب «جمال» نصًا روائيًا مهمًا لم ينل نفس الشهرة السابقة مع أنه جاء إبداعًا من الألف إلى الياء دون تضمين فقرات كاملة من «ابن إياس»، كما فعل فى «الزينى بركات» من قبل، وأعنى بالرواية المهمة تلك «وقائع حارة الزعفرانى»، وهى رواية كاشفة عن قدرته فى الحكى والسيطرة على نصه بإحكام.

عامل نسيج

كان «الغيطانى» قد عمل بعد حصوله على مؤهل متوسط فى وظيفة بسيطة فى فن النسيج، وكمحب للتفاصيل والتحليل الخاص أحب مهنته وبدأ يكتب قصصه، وينشرها فى مجلات فى بيروت، وبدأ يتعرف على نجيب محفوظ من سنة 1961م تقريبًا وشجعه، ودعاه لحضور ندوته الأسبوعية فأصبح من شباب الأدباء المبشرين، وسرعان ما دخل السجن مع الأبنودى وغيره لفترة وجيزة، بتهمة اعتناق أفكار اليسار ، ووقعت هزيمة 5 يونيو 1967م الثقيلة، وأصابه ما أصاب كتاب مصر من شروخ عميقة.

المراسل الحربى

التحق «الغيطانى» جنديًا بالقوات المسلحة، ثم التحق بدار «الأخبار» صحفيًا، وعمل مراسلاً حربيًا لها على الجبهة وخصصت له سيارة بتليفون، وبرع فى كتابة يوميات من الجبهة، كما حصل على تدريب شاق مع العميد إبراهيم الرفاعى قائد المجموعة 39 قتال التابعة للصاعقة المصرية، وكان جاهزًا للعبور مع قوات العبور، وسجل لحظة رفع علم مصر على الجبهة الشرقية لقناة السويس، ووثق ذلك فى كتبه عن الحرب، ومنها: «على خط النار يوميات حرب أكتوبر»، و«المصريون والحرب»، و«من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر»، و«حرب أكتوبر فى الميزان العسكرى»، وروايته «الرفاعى»، ورواية «يوميات الغريب»، والأخيرة حولتها إلى فيلم المخرجة إنعام محمد على عنوانه «حكايات الغريب»، بطولة محمود الجندى ومحمد منير ونهلة رأفت، ووثّق فيه سيرة جندى مصرى بسيط إبان الحرب على جبهة السويس.

مريد نجيب محفوظ

والمحطة الأدبية والحياتية المهمة فى تاريخ«الغيطانى»، معرفته بنجيب محفوظ فى سنة 1961م تقريبًا، فقد أطلعه على قصة منشورة له فى مجلة « الآداب» البيروتية، ودعاه محفوظ لندوته الأسبوعية، ومن يومها أصبح «الغيطاني» لصيقًا بمحفوظ ومؤرخًا له، وتابعًا مخلصًا، وأصدر عنه أولاً كتابه «نجيب محفوظ يتذكر»، منتصف التسعينيات، وقد أهدانى نسخة منه بخط يده، ثم أصدر عنه لاحقًا كتاب «المجالس المحفوظية»، وأصدر عنه أكثر من عدد خاص من إعداد جريدة «أخبار الأدب»، وتنقل مع محفوظ من ندوة «الأوبرا» فى ميدان العتبة الخضراء، إلى قهوة «عرابى» فى العباسية، وقهوة «الفيشاوى» بجوار مسجد ومقام سيدنا الإمام الحسين، إلى قهوة «ريش»، ومركب «فرح بوت»، وجلسة «شبرد»، وأماسى بيت طبيب النفس يحيى الرخاوى فى المقطم، وغيرها. ووقع جمال فى عشق نجيب محفوظ مثل كل من عرف محفوظ، ودخن الشيشة أو النارجيلة مثله، وعرف طريقه للمقاهى مثله.

أخبار الأدب

ويُذكر لـ«الغيطانى» أنه كان وراء إصدار أول صحيفة نصفية «تابلويد» أدبية وثقافية شاملة، وهى «أخبار الأدب»، عن دار أخبار اليوم، وكان رئيس مجلس الإدارة إبراهيم سعدة، وهى الصحيفة الأسبوعية التى جذبت كل أقلام مصر الأدبية، ونشرت لكل الأجيال، أدبًا ونقدًا، كما نشرت روائع من الأدب العالمى المترجم، فضلاً عن تغطية الجوائز والمسابقات والفعاليات الأدبية لوزارة الثقافة وأندية الأدب فى الأقاليم، وكشفت عن مواهب كثيرة فى ربوع مصر .

تطوره الإبداعى

منذ أصدر «جمال» مجموعته الأولى «أوراق شاب عاش منذ ألف عام»، ولم يتوقف إبداعه إلا برحيله، فقد أصدر مجموعة «أرض أرض»، سنة 1972م، وروايته الأولى « الزينى بركات» سنة 1975م ، ثم روايته «وقائع حارة الزعفرانى» سنة 1976م، ومجموعة «الحصار من ثلاث جهات»، ومجموعة «حكايات الغريب»، ورواية «الرفاعى»، و«كتاب التجليات» فى أسفاره الثلاثة، ورواية «رسالة فى الصبابة والوجد» وصدرت عن الهلال، ومجموعة «إتحاف الزمان بحكاية جلبى السلطان»، و«منتصف ليلة الغربة»، ومجموعة «أحراش المدينة»، وقصص «البصائر فى المصائر »، ورواية «الأخبار الطوال»، و«خلسات الكرى»، و«الزويل»، و«حكايات المؤسسة» وغيرها الكثير .

وفى الدراسات أصدر عدة كتب منها: «المصريون والحرب»، و«حراس البوابة الشرقية»، و«نجيب محفوظ يتذكر» ثم «مصطفى أمين يتذكر»، و«ملامح القاهرة فى ألف عام» صدر عن كتاب الهلال، و«أسبلة القاهرة»، وقدم برنامجًا للتليفزيون المصرى عن توثيق القصص التاريخية خاصة المملوكية، فقد وقع فى غرام العمارة المملوكية.

والمتابع لتطوره القصصى يلمح لديه عدة ثوابت راسخة فى كل ما قدم، أنه عاشق للتاريخ وحكاياته وعبره، وأنه وقع فى غرام القاهرة بمساجدها وأسبلتها وآثارها الإسلامية ومقاهيها، وشوارعها وميادينها، ورجالها، وثالثًا وجود ملمح صوفى نابع عن حب الأولياء والصالحين، بحكم النشأة فى جوار سيدنا الحسين، وميله للعدالة وإنصاف المظلومين، والمجاهرة بما يعتقده، آخرًا وليس أخيرًا نجد ميلاً فى إبداعه المتأخر للإغراق فى وصف الجنس، والمرأة، والعلاقة بها بالتفاصيل الدقيقة.

تكريمه

حصل «الغيطانى» على جوائز كثيرة أبرزها التقديرية، ثم جائزة النيل، أرفع جائزة مصرية قبل رحيله، وتُرجمت أعماله القصصية لأكثر من لغة، وطاف ببلاد كثيرة كصحفي، وكاتب، وأديب، وأسريًا تزوج من زميلته الكاتبة الصحفية فى «الأهرام» وابنة المنصورة «ماجدة الجندي» وكون أسرة صغيرة، وسكن بشقة فى حى المعادى الهادئ.

عرفت «الغيطانى» مطلع التسعينيات مع بداية عملى الصحفى، وكنت قرأت له وأنا طالب فى الجامعة روايته «الزينى بركات»، وأعجبت بها، وحاورته كثيرًا لصحف عدة، وفى كل مرة كان يبدو لى متعجلاً، حذرًا من ضياع عمره هباءً، ومرة أهدانى كتابه « نجيب محفوظ يتذكر » فى طبعته الثالثة بغلاف رسمه مصطفى حسين، وصدر عن « كتاب الأخبار» ، ووصفنى فى الإهداء بـ«الأخ والصديق»، ومرة قال لى إنه خائف من تسلل العمر دون أن يُنجز ما شرع فى استكماله، وكان حذرًا من الموت المبكر، وكان وقته صباحًا موزعًا ما بين مكتبه فى «أخبار الأدب» التى أسسها، وبين حضور مؤتمرات ثقافية رسمية، أما آخر النهار فكان لنفسه وبيته وإبداعه، فضلاً عن حضور أمسيات محفوظ صديقه الأثير وشيخه وأبيه الروحى.

وتصدر كتاب «الغيطانى» عن «محفوظ» كلمة بخط يد «نجيب» قال فيها: «هذا الكتاب أغنانى عن التفكير فى كتابة سيرة ذاتية لما يحويه من حقائق جوهرية وأساسية فى سيرة حياتى، فضلاً عن أن مؤلفه يُعتبر ركنًا من سيرتى الذاتية».

ويحسن هنا أن نختم هذه السطور بسؤال لجمال الغيطانى طرحه على «محفوظ»، سأله: أحيانًا أجد تناقضًا بين بعض ما تقوله فى أحاديثك وبين ما أقرأه فى إنتاجك الأدبى؟ .. أجابنى باختصار : «صدق إذن العمل الفنى». وصدق محفوظ كفنان ومثقف، كما صدق تلميذه ومريده جمال الغيطانى.

 

 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة