يخطئ الأمريكان ومن سار على دربهم المفضوح عندما يتصورون أن لغة التهديد للمصريين أو حيلة نشر الأكاذيب ضد الدولة المصرية يمكن أن يتبعها تراجع عن التأييد الكامل للحق الفلسطينى، أو التخلى عن المطالبة المستمرة بتسوية عادلة تقوم على الأسس والمرجعيات الدولية، لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ما قبل يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ناهيك عن التماهى المستحيل مع مؤامرة التهجير، أنهم واهمون، بل إنهم جاهلون بمعالم الجغرافيا وحقائق التاريخ، عبر كل العصور، ومختلف الأزمان، تراب الوطن خط أحمر، وسيادة البلاد قضية فارقة لا يمكن التجاوز فيها، وقد دفع المصريون مقابلها، وخصوصًا فى سيناء، ثمنا غاليا من دماء شهدائنا الأبرار جيلا بعد الجيل.
وأيضا هؤلاء المصابون بعمى البصر والبصيرة معا من القيادات الأمريكية يتجاهلون عن عمد وسوء نية خريطة القوة فى الشرق الأوسط، فالجيش المصرى قادر بفضل الله، وجاهزيته المتواصلة على حماية الحدود، وصون الثغور ضد أى معتدٍ أو متآمر يفكر فى الاقتراب من الأمن القومى برا وبحرا وجوا، وقد سبق الرئيس عبد الفتاح السيسى بحكمته الأحداث، واستطاع تنفيذ استراتيجية تطوير القوات المسلحة، سواء على مستوى القدرات التسليحية لكل الأسلحة والأفرع الرئيسية من خلال تعدد مصادر التسليح أو على مستوى التأهيل والتدريب وفقًا لأحدث النظم العالمية لرفع كفاءة المقاتل المصرى، ولتذهب المعونة العسكرية الأمريكية إلى الجحيم.
ومن الحماقة التى أعيت من يداويها، أن يلعب أى مسؤول أمريكى أو غربى على وتر الظروف الاقتصادية، ويحاول أن يفتح باب القبول المصرى لمخطط التهجير الملعون عبر أكاذيب الضغط الاقتصادى، لأنه ببساطة الإدارة الأمريكية السابقة بتدبير من اللوبى الصهيونى جربوا هذا المدخل، وعرضوا مبالغ طائلة على القيادة المصرية، تحدثت عنها الصحف ووكالات الأنباء العالمية، ولم يجرؤ البيت الأبيض على نفيها، من أجل بناء مدينة لأهالى قطاع غزة فى سيناء، ومع قوة الصلابة فى التمسك بالثوابت الوطنية من الرئيس السيسى، ورفض هذا الأمر وصلت قيمة العرض الأمريكى إلى 450 مليار دولار، بالإضافة إلى سداد ديون مصر الخارجية، وكما فشلوا سابقا سيتكرر السيناريو الخائب مرات عديدة مهما تزايدت الضغوط، وكثرت التحذيرات.
إن المصريين على قلب رجل واحد فى ظهر قائدهم، الذى أثبتت الأيام حسن تقديره للموقف قبل الجميع، وتنبأ منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلى استغلالا لأحداث 7 أكتوبر 2023 أن هناك مكائد تدبر فى الخفاء ضد القضية الفلسطينية، ومحاولة تصفيتها، والمؤكد أن وعى المصريين أصبح محصنًا فى مواجهة صناع الشائعات، ومروجى الأكاذيب، سواء فى الداخل من عناصر الجماعة الإرهابية، ومن لف لفهم أو من الخارج الذين لا يروق لهم استقرار مصر فى إقليم مشتعل، رغم أنها هى المستهدفة من وراء كل مخططات الفوضى بجيرانها شرقا وغربا وجنوبا، إن استقلالية القرار المصرى نتيجة لوحدة الصف الوطنى «شوكة فى حلق» أعوان الصهيونية، وحلفاء دولة الاحتلال.
وبلغة الأرقام التى لا تكذب ولا تتجمل، وتقديرات المؤسسات الدولية التى لا تجامل ولا تتملق، وضع اقتصادنا الوطنى، نظرا لنجاح سياسات الإصلاح الاقتصادى، أصبح مؤهلا للتغلب على التحديات الداخلية، وقادرا على امتصاص الصدمات الخارجية التى تعترض طريقه بفعل فاعل، على غرار ما حدث فى سنوات جائحة كورونا التى فرضت حظرا عالميا فى كل المجالات، وكلفت الدولة عشرات المليارات، ثم الحرب الروسية الأوكرانية التى قطعت سلاسل الإمداد، وضاعفت الأسعار، خاصة فى ملف الحبوب، وخلال الأزمتين، ضربت عدة اقتصادات كبيرة «لخمة»، وأصابها مضاعفات أفقدتها توازنها، بينما تمكن الاقتصاد المصرى من الوقوف صامدا بثبات، وحتى قبل أن يلتقط أنفاسه، دخلت علينا توابع الحرب الإسرائيلية الظالمة على غزة لقرابة 16 شهرًا، من تراجع إيرادات قناة السويس عدة مليارات من الدولارات إلى خسائر السياحة وصولا إلى تكلفة المساعدات الإغاثية للأشقاء فى غزة بمختلف أنواعها، حيث تتحمل مصر أكثر من 75 فى المائة من إجمالى هذه المساعدات مقارنة بكل الدول، فضلا عن أن كذبة ارتفاع معدل البطالة مردود عليها من صندوق النقد الدولى، وهى فى حدود 6 فى المائة نتيجة للمشروعات القومية العملاقة، التى نفذتها الدولة خلال الـ 11 عاما الأخيرة، وقائمة الإنجازات فى جميع القطاعات موثقة بالصوت والصورة، «فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور».
ومن هنا نقول بضمير مستريح، إن المدعو استيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأمريكى ترامب للشرق الأوسط، إذا حدَّث كذب، لأنه جافى الحقيقة، وتجاهل الواقع، وفكر ودبَّر من أجل ابتزاز القيادة السياسية، والكيد للخطة المصرية لإعادة إعمار غزة فى وجود الفلسطينيين، والتى حظيت بإجماع عربى فى القمة الطارئة مؤخرًا، وألقمت حجرا لكل من تسول له نفسه المريضة قدرته على تصفية القضية الفلسطينية، وكتابة شهادة وفاتها بتنفيذ مخطط التهجير الخبيث بحجج واهية، وطرق ملتوية بإيهام العالم أن انتقال سكان القطاع سيكون مؤقتا بعد تعمير ما أفسدته آلة الحرب الإسرائيلية، رغم أنها كانت وما زالت بمباركة أمريكية، كما أن إدارة ترامب جن جنونها من التأييد والدعم الأوروبى لتلك الخطة المتكاملة لإعمار غزة فى غضون سنوات قليلة مع توفير سبل الإعاشة للفلسطينيين، فى حين أن الأمريكان بإيعاز من حكومة المتطرفين الإسرائيلية اعتقدوا أن وقت دفن حل الدولتين قد حان، ولابد من القفز على كل الحواجز، فحولت القاهرة أحلامهم إلى كوابيس مرعبة، ومشاهد مؤلمة، فضلا عن كشف ورقة التوت عن عورة مخططهم الشيطانى لطرد أصحاب الأرض إلى غير رجعة، وإحداث نكبة جديدة فى حق الفلسطينيين.
ومن الواضح أن حديث الإفك لـ«ويتكوف» أيضا له خلفيات شخصية، ومآرب خاصة، فقد غلبته عقلية السمسار، وسيطرت عليه شهوة المال، فلم يراع أنه مبعوث للرئيس الأمريكى للشرق الأوسط، وعليه أن يزن كلماته بميزان حساس حفاظا على التقاليد الدبلوماسية، واحتراما للعلاقات الوطيدة بين القاهرة وواشنطن بحكم أن الأخيرة تدرك جيدا مكانة مصر ودورها التاريخى فى تهدئة الأوضاع فى المنطقة، وأنها القوة الرشيدة وصوت العقل فى جميع الأزمات، لكن يبدو أن الرغبة الدفينة لدى «ويتكوف» كرجل أعمال ومطور عقارى فى تحقيق المكاسب حكمت تصرفاته، وانعكست على تصريحاته، فهو يريد نصيبا لشركاته من تحويل غزة إلى منتجع سياحى بغض النظر عن نتائج هذا الأمر على الفلسطينيين، فالغاية تبرر الوسيلة لدى الغرب عموما والأمريكان خصوصا، ولذلك لا يريد لمفاوضات العودة لوقف إطلاق النار أن تنجح، رغم أنها فى صلب مهامه وأساس وظيفته، إلى جانب أن السير فى هذا الاتجاه يجلب عليه الرضا الصهيونى، وما أدراك ما سلة المغانم سياسيا واقتصاديا واستثماريا، وللضرورة أحكام حتى لو كانت بصناعة الأكاذيب وترديد الأباطيل، فهى لغة التجارة وأسلوب السمسرة فى كل زمان ومكان.
وفى نفس الوقت تتابع المؤشرات، وتتوالى الدلائل على أن جماعة الإخوان الإرهابية وعناصرها دائما يضبطون متلبسين مع سبق الإصرار والترصد بتمرير الشائعات الإسرائيلية، وترويج الأكاذيب الصهيونية على حساب أى قضية مهما كانت خطورتها أو درجة أهميتها، وهذا تكرر عدة مرات على مدى العام والأربعة أشهر الماضية، فلم تخرج كذبة واحدة من دولة الاحتلال ضد الدولة المصرية إلا وتلقفتها الميليشيات الإلكترونية للتنظيم الدولى وأذرعه الإعلامية، وتبنت محتواها، وعملت ليل نهار على نشرها فى أوسع نطاق، وأكبر مساحة.
وإننى على يقين أن الجماعة فى صف مؤامرة التهجير التى حاولت إبرامها مع إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق أوباما خلال عام سطوها على الحكم، وها هى خلال الشهور الأخيرة تتضارب بياناتها حول تهجير الفلسطينيين، وتهاجم أى فاعلية مصرية تتصدى لهذا المخطط القبيح، كما حدث مؤخرا فى رفح المصرية لدعم موقف القيادة السياسية فى هذا الشأن، بينما انحيازها مفضوح لادعاءات تل أبيب بأن القاهرة تغلق المعابر لمنع وصول المساعدات إلى قطاع غزة بالمخالفة للحقيقة أو المطالبة باستقبال الفلسطينيين الراغبين فى المجيء إلى سيناء رغم تشبث هؤلاء الأهالى بأرضهم مهما كانت التضحيات، فهم يعلمون بنيات الحكومة الإسرائيلية، ولن تنطلى عليهم الأكاذيب ولن تخدعهم الدعاية الإخوانية السائرة فى ركب مجرم الحرب نتنياهو وشلته من المتطرفين.
حمى الله مصر وشعبها وقيادتها
ومؤسساتها الوطنية من كل سوء

