لعل من أسوأ المشاهد الكروية التى شهدتها الساحة الكروية المصرية فى الأعوام الأخيرة، ذلك المشهد المؤسف الذى صدره مجلس إدارة النادى الأهلى، مفضلا فيه مصلحته الخاصة على المصلحة العامة للكرة المصرية، وللأسف فإن تلك الهفوة عرضت النادى لعقوبات طبقا للائحة التى تنظم المسابقة الكروية المحلية، وكان السيناريو المؤسف خاصا بمواجهة القطبين الكبيرين (الأهلى والزمالك)، وهى القمة التى ينتظرها الجميع، ليس فى مصر وحسب وإنما فى الوطن العربى كله، وهو اللقاء الذى يحظى بنسبة مشاهدة تفوق الوصف على مستوى النقل التلفزيونى وتُدار إعلانات ضخمة، وعدم إقامتها يمثل خسارة كبيرة لجميع الأطراف بمن فيهم الأهلى الذى أضر بحقوق مؤسساته الراعية، والتى تموّله بمئات الملايين سنويا من أجل مثل هذه المباراة التى تعوّض باقى المباريات.
انشغل الرأى العام الكروى المصرى طوال الأيام الماضية، بمباراة القمة بسبب حكم اللقاء، مصرى أم أجنبى، اتبعه انسحاب بلا هدف من الأهلى، أفقده ست نقاط كاملة، أضعفت آمال التتويج بالدورى، الذى يسعى للحفاظ على لقبه المفضل، كما نتج عنه حصد الزمالك ثلاث نقاط مجانية، لا شك أنها كفيلة، بعودته للمنافسة من بعيد على اللقب أو على أقل حال الحصول على المركز الثانى فى الدورى، ومن ثم ضمان اللعب فى دورى أبطال إفريقيا الموسم المقبل.
والحقيقة أن الأزمة افتعلها الأهلى، ومهما كانت الظروف التى دعت إليها وصاحبتها من أكثر من طرف فى مقدمتهم رابطة الأندية المحترفة، ولكن للأسف استغل مجلس إدارة الأهلى الموقف، ووضع الأمر فى موضع أكبر بكثير من حجمه، إذ لم يكن هناك أى مانع من خوض المباراة تحت قيادة تحكيمية مصرية، إلا أن مجلس إدارة الأهلى أخذته العزة بالإثم، وبعيدا عن حسابات الخسارة أمام الزمالك، كان موقف الأهلى شائكًا وفقا للمعطيات الفنية التى سبقت القمة، والتى أكدت حظوظه فى تحقيق الفوز، ولكن بلا سابق إنذار تطورت الأوضاع على مائدة المسئولين بالأهلى، ووسط شعور بإمكانية خسارة الدورى لصالح بيراميدز، وربما يكون هذا الشعور وصل إلى المسئولين فى الأهلى، فجاء تصرفهم ممزوجًا بتوتر ليخرج قرار الانسحاب من المباراة الذى أغضب الجميع على المستويين الرسمى والشعبى، وفى مقدمتهم جماهير الأهلى نفسها التى كان معظمها يرفض رفضا قاطعا الانسحاب أمام الزمالك، لا سيما أن نفس الفعل عندما صدر من الزمالك من قبل كان محط سخرية كبيرة مستمرة حتى الآن من جماهير الأهلى ضد جماهير الزمالك، لينقلب الأمر، وتصبح الكفة متساوية، وتنتقل السخرية ضد الأهلى وجماهيره، وهو الأمر الذى أثار حفيظة الكثير من الجماهير العاشقة للأهلى.
ورفض الأهلى العقوبات الصادرة عن رابطة الأندية المحترفة، بعدما اعتمدت الرابطة فوز الزمالك بثلاثية نظيفة طبقا للائحة، وأصدرت الرابطة عقوبات الجولة الأولى من المرحلة الثانية من الموسم، وقالت الرابطة إنه تم «خصم ثلاث نقاط من النادى الأهلى بخلاف النقاط الخاصة بالمباراة التى اعتبر فيها مهزومًا، مع تحمّل الأهلى جميع الخسائر الناتجة عن فقدان الدخل من العقود التجارية وعقود البثّ وكل النفقات الأخرى المترتبة على المشاركة فى مباريات المسابقة قبل الانسحاب بناء على مطالبة صادرة من أصحاب الحقوق.
وفى المقابل، أكد مجلس إدارة الأهلى أنه رفض القرارات الصادرة عن رابطة الأندية المحترفة لأنها تتحمل ومعها الاتحاد المصرى لكرة القدم ما آلت إليه الأمور»، وتمسك الأهلى بكل المطالب التى جاءت فى الشكوى التى قدمها فى وقت سابق ضد اتحاد الكرة ورابطة الأندية إلى اللجنة الأولمبية المصرية، والتى أكد فيها أنه لم ينسحب من مباراة القمة، وأكد مجلس إدارة الأهلى أنه سيحترم القرارات الصادرة عن اللجنة المشكلة لبحث شكواه.
وتقدم مجلس إدارة الأهلى بشكوى إلى اللجنة الأولمبية المصرية تجاه كل من الاتحاد المصرى لكرة القدم ورابطة الأندية المحترفة، فيما يتعلق بما تم من إجراءات، بشأن مباراة القمة، وقد أحالت اللجنة الأولمبية المصرية الشكوى التى تقدم بها النادى الأهلى ضد الاتحاد المصرى لكرة القدم ورابطة الأندية المحترفة إلى اللجنة المختصة لدراستها».
ومع دراسة تحليلية لتفاصيل الأحداث، وسيناريو الوقائع، فإنه يمكن القول إن مجلس إدارة الأهلى أخطأ فى قراره بعدم لعب مباراة القمة مع الزمالك، وأخطأ فى التهديد بالانسحاب من الدورى إذا لم تُنفذ طلباته بإسناد المباراة لحكام أجانب واحتساب المباراة لصالح الزمالك، ورغم الاعتراف الكامل بعدم توافر مناخ صحى فى اتحاد الكرة وفى رابطة الأندية، إلا أن عدم دراسة الموقف بهدوء وتريث دفع الأهلى لاتخاذ القرار الخطأ الذى لم يراعِ فيه مصلحة الكرة المصرية، قبل مسئوليات الأندية.
والحقيقة أن مجلس إدارة الأهلى لم يتمكن من إدارة الموقف بحرفية، وللأسف أخطأ، وتلك الأخطاء تم استخدامها ببراعة لصالح أطراف أخرى.
ويمكن القول إن الأهلى وضع نفسه فى ورطة ولم يترك أى متنفس لنفسه أو لمتخذ القرار بالمناورة، لاتخاذ قرار يتم من خلاله تصحيح موقف الأهلى أمام جماهيره الواعية.
ويمكننا القول بكل وضوح وصراحة: إن أى انسحاب من أى مباراة بوجه عام، مرفوض أساسا، فما بالنا إذا كان الأمر متعلقًا بلقاء قمة، والأهلى عودنا عبر تاريخه أنه لا ينسحب مهما كانت المشاكل وتحت أى ظرف، لأن هذا الأمر مرفوض فى عرف الأهلى.
ومن خلال أرشيف الأحداث الكروية، سبق للأهلى أن تعرض لمواقف أكبر بكثير من موضوع تحكيم مصرى لمباراة قمة أو غيره، ومنها على سبيل المثال واقعة ضرب أوتوبيس الفريق فى تونس قبل نهائى الترجى 2018 أو واقعة نهائى الوداد فى المغرب 2021، فضلا عن ذلك فإن مبرر الانسحاب الذى أعلنه مجلس إدارة الأهلى قبل مباراة القمة بساعات معدودات بسبب تعيين طاقم تحكيم مصرى، كان مبررا ضعيفا وغير قوى، وغير جدير بالتقدير، لا سيما من قِبل جماهيره وعشاقه وغير مقنع لأسباب كثيرة جدا، أولها أن الأهلى واجه منافسه المباشر هذا العام «بيراميدز» بتحكيم مصرى ومرت المباراة بهدوء دون أية مشكلة تحكيمية فى اللقاء ولم يعترض أحد.
وقد أصابت بعض الجماهير الأهلاوية العاقلة التى كانت ترى أن الأمر لا يستدعى الانسحاب من المباراة والتهديد بالانسحاب من الدورى وإدخال النادى فى أكبر ورطة فى تاريخه الحديث، ورأت أيضا أنه كان الأفضل أن يلعب الفريق الأحمر المباراة، ومن المؤكد أن طاقم التحكيم المصرى سيكون مدركا للموقف وسيعمل بأقصى جهد لديه من أجل الإنصاف والحياد والخروج بالمباراة فى أحسن صورة لأن كل الأعين تراقب وتدقق، وإذا حدث شيء لا قدر الله وقتها سيكون الكل مؤيدا للأهلى وحقه ويكون مبرر الانسحاب مقنعا.
لكن يبدو أن الأمر بالنسبة لأعضاء مجلس إدارة الأهلى جاء معبرا عن عناد، ودون إدراك ردود الأفعال، ولكن بهدف واحد أجوف! شعاره مَن الذى سيفرض إرادته على الآخر بعيدا عن أى مطالب موضوعية أو منطقية.
كما أن الأهلى أخطأ مرة أخرى عندما لم يعترض فورا وقت أزمة القرعة وإعلان ترتيب المباريات وتحديد موعد المباراة، ولم يعلن اعتراضه على عدم علانية القرعة بحضور مندوبى الأندية، وأجّل اجتماعه خمسة أيام ليدخل أزمة التحكيم مع أزمة القرعة، فى حين أن اعتراضه على القرعة والريبة بشأنها كان أمرا مقبولا للجميع، ولا شك أن الصمت، قبل موعد المباراة بساعات معدودة وضع الأهلى فى مأزق، وأعطى الفرصة للمتربصين وذوى الأغراض لتنفيذ ما يتمنونه إليه.
وتحديدا ومن خلال سيناريو الأحداث، يمكن القول إن مجلس إدارة الأهلى تصرف دون حكمة، ولم يترك لنفسه مخرجا يحفظ به ماء الوجه، أو يترك لمتخذ القرار مساحة من المناورة لحل الأزمة، وفى ظل هذا الوضع المعقد فإن الأهلى وضع نفسه فى مأزق، لأن رابطة الأندية التزمت بتطبيق اللائحة، وتم اعتبار الأهلى مهزوما وخصم ثلاث نقاط منه آخر الموسم، وإذا أصر مجلس إدارة الأهلى على تنفيذ التهديد بالانسحاب من الدورى، بالطبع سيتبعه قرارات أخرى مصيرية وأزمة لا نعرف نهايتها، وإذا تراجع مجلس إدارة الأهلى عن تهديده بالانسحاب من الدورى أيضا فهذا أصعب معنويا ونفسيا على منظومة الأهلى وجماهيره المنقسمة عليه.