رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

د. محمد فؤاد يكتب.. محطات فى رحلة «تخارج الدولة».. (٢)


14-1-2025 | 13:18

د. محمد فؤاد

طباعة
بقلم: د. محمد فؤاد

تناولت فى العرض السابق ما تم إنجازه من برنامج الطروحات، فى إطار مساعى التخارج من الاقتصاد المُعلنة من قبل الحكومة المصرية، والتى تدخل الآن مرحلتها الرابعة بإعلان العمل على طرح أكثر من 10 شركات فى الفترة المقبلة، حسبما أعلن رئيس الوزراء، وبصرف النظر عما إذا كان البيع سيتم من خلال سوق الأوراق المالية أو من خلال الاستثمار الخاص، فالأهم هو صدق نية الحكومة لتقليص بصمتها فى الاقتصاد والتى أظنها أحد أصعب اشتراطات إتمام الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي.

وفى تقديرى فإن الإشكالية فى مشروع الطروحات الحكومية، هى فكرة تآكل الثقة فى جدية البرنامج، خاصة مع التأجيلات المتكررة إما بسبب تقلبات الأسواق المالية المحلية والعالمية، أو الحديث عن وجود تقييم مجحف للطروحات أو غياب الشفافية حول أصول بعض الشركات، وهى أمور ترجع إلى الاعتقاد بأن برنامج الطروحات يمثل التزاما دوليا وشرطا يفرضه صندوق النقد لإتمام مراجعاته وليس كإصلاح اقتصادى شامل، وهو ما يضعف الحماسة لتطبيقه بفاعلية، ناهيك عن عوامل التضخم، وتقلب سعر الصرف.

ويؤكد ذلك أن إنجاح البرنامج لا بد أن يراعى إشكاليات المراحل السابقة بتهيئة المناخ الاقتصادى للتنفيذ واختيار التوقيت الأنسب، والعمل على إطلاق حملات ترويجية تعتمد على مزايا حقيقية وفرص تنافسية فى الشركات المطروحة، بالطبع مع تعزيز الشفافية، عملا على استعادة ثقة قطاع عريض من المستثمرين الأجانب.

وتعتبر التجربة السنغافورية، هى واحدة من أبرز التجارب الدولية الناجحة فى مسألة التخارج الحكومى من النشاط الاقتصادى المباشر والاكتفاء بالتنظيم والحوكمة، فبعد استقلالها عام 1965، واجهت هذه الدولة تحديات اقتصادية كبيرة تمثلت فى نقص الموارد الطبيعية والاعتماد على التجارة الخارجية، مما اضطرها فى البداية للعب دور مباشر فى الاقتصاد من خلال إنشاء شركات مملوكة للدولة (SOEs) لتسريع التنمية الاقتصادية، فقامت الحكومة بإنشاء شركات مملوكة للدولة للعمل فى قطاعات استراتيجية، مثل الموانئ، والطيران، والخدمات المالية.

ومع أن الحكومة قد حرصت على تشغيل هذه الشركات بأسس تجارية بحتة، إلا أنها قررت فى تسعينيات القرن الماضي، بدء عملية التخارج التدريجى من خلال بيع حصصها أو تحويل إدارتها إلى كيانات مستقلة، فجرى تحرير قطاعات مثل الاتصالات والطاقة، مما شجع الشركات الخاصة على دخول السوق.

وبدلا من استهلاك قدرات الحكومة فى الاستثمار، ركزت على إنشاء بيئة تنظيمية تدعم المنافسة، وتعزز الشفافية، وتجذب الاستثمار الأجنبي، وتحولت الحكومة إلى دور الميسر عبر تقديم الحوافز لريادة الأعمال، مثل تسهيل تسجيل الشركات، وتوفير التمويل الميسر، وإنشاء مناطق صناعية متقدمة.

وأدى خروج الحكومة من النشاط الاقتصادى المباشر إلى زيادة التنافسية والكفاءة، حيث أصبحت الشركات تعمل وفق قواعد السوق بدلًا من الاعتماد على الدعم الحكومي، بما أثمر ارتفاع نصيب القطاع الخاص فى الناتج المحلى الإجمالي، وهو ما أسهم فى خلق وظائف وتعزيز الابتكار، وكذلك تشجيع المستثمرين الأجانب على ضخ رءوس أموال كبيرة فى قطاعات مثل التكنولوجيا والخدمات المالية.

توضح هذه التجربة الناجحة، أن التخارج الحكومى الناجح يتطلب أولا وجود بنية تنظيمية قوية تحمى المنافسة وتمنع الاحتكار، وأنه لا ينبغى التخارج بشكل مفاجئ أو كامل، بل بشكل تدريجى ومدروس لضمان استقرار السوق وتحقيق أقصى استفادة ممكنة، وأن يسبق ذلك تأهيل السوق والشركات للطرح.

وهو ما ذهب إليه الاقتصادى الكبير والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الدكتور محمود محيى الدين، من ضرورة إخضاع كل شركة بصرف النظر عن جهة ملكيتها لنظام المنافسة للقطاع الخاص، ووقف منح أى امتيازات تفضيلية لطرف دون الآخر سواء بالتمييز فى المعاملة أو استقطاب العمالة أو حتى تسديد الضرائب.

والأهم فى تقديرى هو وضوح نية الدولة المصرية ومؤسساتها للتخارج الفعلى وليس الشكلى من الاقتصاد، بما يدعم ما تسوقه وزارة الاستثمار من استهداف ارتفاع مساهمة القطاع الخاص إلى 70 فى المائة، مما يدعم من تنافسية الأسواق، ويفتح شهية الاستثمار الأجنبى المباشر فى قطاعات تشغيلية من شأنها دعم الصادرات وتحسين الاحتياطيات النقدية، وهذه النسبة المأمولة، تمثل تحديا كبيرا خاصة مع انخفاض إجمالى مشاركة القطاع الخاص فى الاستثمار من 65 فى المائة إلى 20 فى المائة منذ عام 2011 حتى الآن، وهو ما يتطلب دعما كبيرا وصادقا ومؤسسيا للقطاع الخاص للقيام بدوره بشكل تنافسى جيد يضمن للاقتصاد الوطنى مسارا متزنا ويحقق المأمول من برنامج التخارج.

الاكثر قراءة