تحل اليوم ذكرى ميلاد كوكب الشرق أم كلثوم، ذلك الصوت الذي لم يكن مجرد حالة فنية، بل ظاهرة إنسانية وثقافية تجاوزت حدود الزمان والمكان لتصبح جزءًا من وجدان الشعوب العربية. وعلى ضفاف نيل القاهرة، حيث يلتقي التاريخ بالفن، يقف متحف أم كلثوم شاهدًا حيًا على مسيرة سيدة الغناء العربي، فهو ليس مجرد مكان يضم مقتنيات تاريخية، بل رحلة استثنائية تعيد الزائر إلى زمن المجد والأصالة والروح الطربية التي لا تتكرر.
اختارت وزارة الثقافة موقعًا يحمل عبق التاريخ وروح المكان، فتم إنشاء المتحف داخل أحد مباني قصر المانسترلي بمنطقة الروضة على مساحة 250 مترًا مربعًا، وهو القصر الذي يعد تحفة معمارية شُيّدت عام 1851 على يد حسن فؤاد باشا المانسترلي، ويقع بالقرب من مقياس النيل الشهير في أقصى جنوب جزيرة الروضة، ليجمع المكان بين القيمة التاريخية والروح الفنية معًا، ويصبح وجهة ثقافية وسياحية يقصدها الزوار من داخل مصر وخارجها.
ومنذ عام 1998 بدأت وزارة الثقافة تشكيل لجنة لجمع مقتنيات كوكب الشرق، لتبدأ رحلة توثيق دقيقة لمسيرتها الفنية والإنسانية. ويضم المتحف مقتنيات شخصية تعكس تفاصيل حياتها الخاصة، وملابسها وأكسسواراتها وأدواتها، إلى جانب آلاتها الموسيقية والنوتات الأصلية لأشهر أغانيها، فضلًا عن تسجيلات نادرة وأفلام ووثائق وخطابات متبادلة بينها وبين شخصيات سياسية وفنية بارزة، إضافة إلى صور ومذكرات وأوسمة ونياشين حصلت عليها من عدد من الدول العربية، ما يجعل المكان ذاكرة حية تحفظ تاريخ أيقونة الغناء العربي.
وتضم القاعة الرئيسية ثماني خزائن كبيرة تعرض مقتنيات أم كلثوم الشخصية وأوسمتها ونياشينها، إضافة إلى عدد من الصور النادرة المصممة بطريقة "الكولاج"، إلى جانب نوتات موسيقية وأشعار مكتوبة بخط يد كبار الشعراء الذين كتبوا لها روائعها الخالدة.
كما يضم المتحف قاعة سينما تعرض فيلمًا تسجيليًا يستعرض محطات حياتها الفنية والإنسانية ومشاهد من أفلامها وحفلاتها داخل مصر وخارجها وينتهي بمشهد جنازتها، ومدة الفيلم 26 دقيقة وهو مترجم إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، بما يجعله وثيقة فنية موجهة للجمهور العربي والأجنبي على حد سواء.
أما قاعة المكتبة السمعية البصرية فتتيح للزوار فرصة العودة لصوت أم كلثوم بصورة تفاعلية حديثة من خلال أجهزة كمبيوتر تمكنهم من مشاهدة حفلاتها وأفلامها والاستماع إلى أغانيها والإطلاع على سجل كامل لما كتبته الصحافة العربية عنها منذ عام 1924 وحتى عام 2000. كما يضم المتحف قاعة بانوراما تقدم عرضًا بصريًا لمراحل حياتها المختلفة وصورًا تجمعها مع فنانين ورؤساء عرب، يصاحبها موسيقى للفنان راجح داود لمدة عشر دقائق لتخلق حالة وجدانية خاصة داخل المكان، إضافة إلى فيلم صامت يعرض حفلاتها في مصر والعالم العربي لمدة 15 دقيقة كمدخل تمهيدي للزائرين قبل التجول داخل المتحف.
وهكذا يبقى متحف أم كلثوم مساحة نابضة بالحياة، تمنح الزائر فرصة اللقاء مع تاريخ من الذهب وصوت لم يفقد بريقه يومًا، ليظل اسم كوكب الشرق حاضرًا في الذاكرة، حيًا في القلوب، وخالدًا في ذاكرة الفن العربي مهما مر الزمن.