رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

علاء أبو العزائم.. شيخ الطريقة العزمية: الاحتفال بـالمولد النبوى «واجب شرعى»


4-9-2025 | 17:51

علاء أبو العزائم.. شيخ الطريقة العزمية ورئيس الاتحاد العالمى للطرق الصوفية

طباعة
حوار: صلاح البيلى

يحتفل المسلمون فى بقاع الأرض شتى، بمولد الرسول الكريم، كمناسبة سنوية حين يهل على أمتنا العربية والإسلامية ذكرى يوم مولد النبى محمد بن عبد الله، ففيه يحتفل «السنة» بهذا اليوم، ليس باعتباره عيدًا أو عبادة، بل فرحة بولادة نبينا العظيم، نقيم فيها الاحتفالات الشعبية ومجالس الإنشاد وإلقاء قصائد مدح النبي، وتكون فيها الدروس من سيرته، وذكر شمائله..

وخلال مناسبة هذا العام، التقينا بإحدى القامات الدينية، علاء أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية ورئيس الاتحاد العالمى للطرق الصوفية، الذى بدأ حديثه بالتأكيد على حاجة المجتمع لتعليم جيد، وبحث علمى، وتصوف عملى فى محبة النبى، وأدب يحث على التقدم، وإحياء القدوة الفعالة فى المجتمع، مؤكداً أن احتفالنا بمولد النبى صلى الله عليه وسلم واجب ومشروع، ومنكِره جاهل مضل، ونادى بمعرفة النبى ومحبته كى يسهل علينا الاقتداء به، مطالباً بالتركيز على التعليم والأدب الجيد، وتقديم القدوة الصالحة لتقدم المجتمع، وإلى نص الحوار...

 

بداية.. حدّثنا بدقة عن مشروعية احتفالنا بـ«المولد النبوي» كل عام وسط ضجيج وصخب من المشاغبين الكارهين لذلك؟

مشروعية إحياء مولد النبى وموالد الصالحين واجب على علماء الأمة الإسلامية، من أجل تذكير الشباب المسلم خاصة، وجميع المسلمين عامة، بالمواقف الرائعة للرسول الكريم وآل بيته وصحابته، خلال الهجرة النبوية، الإسراء والمعراج، غزوة بدر، أحد، الخندق، وغيرها، وهذا التذكير مبدأ تربوى قرآني، ركز عليه القرآن ظاهراً، كما أنه مبدأ بشرى عام، فعلته الأمم السابقة على المسلمين من يهود ونصارى، فهى نزعة إنسانية نابعة من المحبة والعاطفة والتبجيل، لرجال الدين والدنيا الأفذاذ الذين نبغوا وقدموا القدوة فى المثل العليا لسواهم.

وبنص القرآن الكريم بقول الله عز وجل: (تلك القرى نقص عليك من أنبائها)، وقال تعالى: (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك)، ويقول: (نحن نقص عليك أحسن القصص)، ويقول: ( فاقصص القصص لعلهم يتذكرون)، ومعلوم أن القرآن ما بين ذكر وتذكرة وذكرى، وقال تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين).. وعلى ذلك فإحياء ذكرى الصالحين واجب بأمر إلهي، وفى القرآن الكريم: (واذكر فى الكتاب مريم)، (واذكر فى الكتاب إبراهيم)، (واذكر فى الكتاب إسماعيل)، (اذكر عبدنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى الأيدى والأبصار).. وبالرجوع إلى آراء المفسرين نجد أن تلك الآيات بصيغة الأمر، ونرددها كلما تلونا كلام الله ليوم القيامة، وجاء الأمر الإلهى بالاقتداء بهم: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)..

وقد تأمل أئمة المسلمين - عدا (ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب)- هذه الآيات وغيرها، فاستنوا سنة إحياء موالد الأنبياء والصالحين، عدا الثلاثة السابقين الذين ظنوا ذلك شركا، وضلالاً، وقالوا إن فى ذلك انحرافاً، وبالتالى فالاحتفال بدعة، علاوة على ما زعموا من اختلاط الرجال بالنساء!

فهل كان إطعام الإمام على الطعام للمساكين والفقراء وعابرى السبيل شركاً وضلالاً، وهناك آيات قرآنية صريحة فى مدح الرسول مثل: (وإنك لعلى خلق عظيم)، و(يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا)، و(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم)، و(أن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)، ومن هنا فإن عمل المولد - وإن لم يفعله الصحابة، ليس فيه مخالفة لكتاب الله، ولا لسنة نبيه، ولا لإجماع المسلمين.

وقال الإمام الشافعى إن ما أحدث من الخير، ولم يخالف شيئا من كتاب أو سنة أو إجماع أو أثر، فهو المحمود، وما خالف ذلك فهو البدعة الضالة، وقال بذلك العز بن عبد السلام، والنووى، وقسم العلماء البدعة إلى خمسة أقسام: (بدعة واجبة، كالرد على أهل الشرك وطبع المصحف، وبدعة مندوبة، مثل استحداث المدارس والمستشفيات والأذان على المنائر، وبدعة مباحة، مثل استعمال السيارات والطائرات، وبدعة مكروهة، مثل زخرفة القصور، والإسراف، وبدعة محرمة، وهى ما أحدث مخالفة للقرآن والسنة).

والأعمال الملحقة بالمولد منها المشروع مثل النية، وشد الرحال، والمواكب، وتلاوة القرآن، والذكر، والإنشاد، والزيارة والصلاة، وإطعام الطعام، وسماع السيرة، وهناك خدمات مشروعة من بيع وشراء وملاهٍ، والأعمال المخالفة وغير المشروعة مثل اختلاط الرجال بالنساء، والسرقة، والنصب، والدجل والشعوذة، وغيرها من المخالفات التى يجب على الشرطة مكافحتها .

وللرد على أولئك الذين يحرمون الموالد، نقول إن كل المسلمين يحتفلون بمولد إسماعيل بن إبراهيم، وبنجاته من الذبح بفداء عظيم، بكبش من السماء، فكان عيد الأضحى، وسنة الأضحية قائمة فى العيد وفى كل وقت كصدقة، كما أن عيدى الأضحى والفطر، هى أيام أكل وشرب، وذكر لله، وصلاة على النبي، وإذا كانت كل أمة تُعظم كبراءها من رجال، ألا يجب علينا أن نعظم نبينا الذى أخرجنا الله تعالى به من الظلمات إلى النور؟!..

وورد أن يخفف عن أبى لهب العذاب يوم الاثنين لأنه أعتق جاريته (ثويبة) حين بشرته بولادة محمد عليه الصلاة والسلام، وفى ذلك قال الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي: (إذا كان هذا كافر جاء ذمه – وتبت يداه فى الجحيم مخلدا.. أتى أنه فى يوم الاثنين دائما – يخفف عنه للسرور بأحمدا.. فما الظن بالعبد الذى كان عمره – بأحمد مسرورا ومات موحدا) .

وورد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعظم يوم مولده بصيامه، وقال: (فيه ولدت، وفيه أنزل علىّ)، وثبت أن النبى صام يوم عاشوراء حين علم أن يهود المدينة يصومونه لأن الله نجا موسى فيه من فرعون، وقال: (نحن أولى بموسى منهم)، كما عظّم يوم الجمعة وقال: (فيه خلق آدم)، وفى حديث ابن مسعود: (ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحا فهو قبيح عند الله) .

وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى فى 30 يوليو سنة 2007م بمشروعية الموالد، وقد نشر جدنا الإمام محمد ماضى أبى العزائم، كتابا أصّل فيه مشروعية المولد، عنوانه (بشائر الأخيار فى مولد المختار)، تناول فيه نسب النبى، وبدء نبوته، وحمله، وميلاده، ورضاعه، وفضله على سائر الرسل الكرام، وأنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ثم الاحتفال بمولده، وأخيرا نشر عدة قصائد فى مدح رسول الله .

وكيف تحتفلون بالمولد النبوى؟

احتفالنا هو أهم احتفال سنوى دينى نقيمه فى مقر المشيخة كل عام، حيث يتوافد الأتباع من كل مكان فى مصر لمقر مسجد ومقام جدنا الإمام أبى العزائم، ويكون يوما مشهودا، وليلة عامرة بالدروس والإنشاد، ونلتقى على الخير وإطعام الطعام، وتلاوة القرآن، والمصريون على ذلك منذ مئات السنين، وعلماء الأمة على مر العصور احتفلوا بمولده، وأجازوه، وقاموا بذلك بأنفسهم، وكذلك أئمة التصوف فى كل عصر.

بناء على ما سبق، ما المطلوب من كل مسلم تجاه نبيه؟

أن يعرف نبيه أولا كى يقتدى به ويحبه، وقد روى مسلم فى صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنى لأعرف حجراً فى مكة كان يقول لى: السلام عليك يا رسول الله)، فكل شيء يعرفه صلى الله عليه وسلم، فهو سيد الثقلين والكونين، وروى أبو داود فى سننه أن النبى وهو جالس مع صحابته سمعوا جلبة، فسألهم عن سر هذه الجلبة والصوت العالى، فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال عليه الصلاة والسلام: إن هذا ملك من ملائكة السماء الرابعة استأذن ربه أن ينزل ويسلم علىّ فأذن له ربه، فالملائكة النورانية تقتبس النور من الرسول النور، وبنص القرآن: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)، فمعرفته صلى الله عليه وسلم أولى مراحل محبته، وعلينا أن نتلمس طريق محبته، فقد قال صلى الله عليه وسلم إن محبته الخالصة لا تكون إلا إذا كان صلى الله عليه وسلم أحب للمسلم من نفسه ومن والديه ومن أقرب الناس إليه، فإذا وصلت للحب كان الاتباع، فخطوات محبته هى: (معرفة فحب فاتباع)، فهذا سيدنا رسول الله، ورسالته هى (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق) .

ما التصوف المطلوب اليوم لنهضة حياتنا المعاصرة؟

التصوف هو الأخلاق، وكل عبادة أو معاملة أو شعيرة دون أخلاق لا تفيد، وقد مدحه الله تعالى بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم)، هذا هو نبينا، وهذا ما يجب أن نعرفه ونحن نبنى دولتنا الجديدة، ونسأل الله أن يحفظ علينا أمننا وجيشنا وشعبنا ووحدته، اللهم إنا نسألك أن تجمعنا على قلب مولانا رسول الله، فنحن فى كنف الله، وكنف رسول الله، اللهم كحّل أعيننا بالنظر إلى رسول الله سيد السادات يقظة ومناما، فى الدنيا والآخرة .

وبدلا من الحديث عن الفخر بالتاريخ علينا أن نصنعه نحن، وكما ذكر الشاعر محمد زكى أبو شادى: (زلت حديثا أمة - أبدا تفاخر بالقدم.. وأحال منها رمة - طول التباهى بالرمم.. ويل الضعيف نداؤه – فى مسمع الدنيا صمم) .

إننا قلنا أكثر من مرة إن التعليم والبحث العلمى هو قاطرة التقدم، والشعب الجاهل خطره مضاعف عن الشعب المتعلم، وأذكر رجلا اسمه (فرداى) كان عاملا فى مطبعة لتجليد الكتب، وكان يقرأ كل كتاب يجلده، وظهر نبوغه فى الكهرباء والمغناطيسية، فلما زار بلدة (هنرى ليفى) وعرف به، ضمه للتدريس بالجامعة، ومن يومها اخترع (فرداى) قوانين الكهرباء.

وأذكر وأنا طالب جامعى فى أسيوط، كان يعيش (القرشى باشا)، وكان يمتلك ألف فدان فى (ديروط)، فبنى بيوتا نموذجية للفلاحين، وبنى لهم مدارس ابتدائية وثانوية ورعى أطفالهم النوابغ، وهذه هى النماذج التى نحتاجها اليوم لبعث القدوة من جديد.

أذكر أننى ذهبت لعيادة طبيب يوم الإثنين، فوجدته خصص الكشف مجانا فى هذا اليوم تكريما لليوم الذى ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا تطبيق عملى للدين ولمحبة الرسول دون شعارات، ونحن بحاجة لإشاعة مثل هذه النماذج.

لماذا لا نجرب العلم والبحث العلمى، وبدلا من أن تكون القدوة راقصة أو ممثلة أو لاعب كرة، يكون القدوة د. على مصطفى مشرفة وتلميذته د. سميرة موسى، وبذلك نشجع التعليم والمراكز البحثية والعلمية، فتجذب الموهوبين ونتقدم للأمام قدماَ.

 

أخبار الساعة