رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

إسرائيل.. تاريخ من «تفخيخ السلام»


10-7-2025 | 16:20

.

طباعة
تقرير : منار عصام

«هدنة فى قطاع غزة».. عنوان يرغب كثيرون فى مطالعته هذه الفترة، لا سيما بعدما وصل القطاع إلى حالة متدنية على الصعيدين الإنسانى والاجتماعى، فالآلاف يعانون من الجوع ومئات الرضع أسرى لخطر الإصابة بأمراض سوء التغذية، فضلا عن معاناة أصحاب الأمراض المزمنة بالضغط والسكر من عدم توفر علاجات لهم، بعدما بات الوضع داخل قطاع غزة كارثيا، وعلى الجانب الآخر يتوق أهالى المحتجزين من الأسرى الإسرائيليين أن يجتمعوا بذويهم فى القريب العاجل، وبين هذا وذاك تتعالى أصوات السلام والمطالبة بإيقاف إطلاق النار على المستوى العالمي، غير أن الأصوات ذاتها لم تخفِ قلقها من عدم التزام الجانب الإسرائيلى بـ «اتفاق الهدنة»، لا سيما وأن «تل أبيب» لديها تاريخ حافل من «افتعال الأزمات والتراجع عن الاتفاقيات»، وهو السيناريو الذى يخشاه كثيرون، لا سيما أن حكومة «نتنياهو» لا تزال يجلس على بعض مقاعدها بعض المتطرفين الذين لا يريدون لهذه الحرب أن تضع أوزارها. 

اللواء طيار د. هشام الحلبي، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية قال: دور الدولة المصرية فى القضية الفلسطينية عموما، والتوصل لاتفاق الهدنة داخل قطاع غزة على وجه الخصوص، يعد دورًا محوريًا وواضحًا وله عدد من الثوابت الواضحة، ومن أبرزها أن إيقاف الحرب هو هدف أساسى لإيقاف الصراع، ومن هنا ظهرت المساعى المصرية الدءوبة للتوفيق بين أطراف الصراع الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى لإيقاف هذا الصراع وذلك بمساعدة «قطرية _ أمريكية»، مع الأخذ فى الاعتبار أنه كلما كان يخفت ضوء الأمل فى الوصول لاتفاق لإيقاف الحرب داخل قطاع غزة أعادت مصر إحياء ذلك الأمل مرة أخرى، وذلك لأنها لم تفقد الأمل قط طيلة مشوارها مع القضية الفلسطينية. 

«الحلبي»، أضاف: هناك العديد من المؤشرات التى تشير إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار هذه المرة سيكتب له النجاح، أبرزها هو الرغبة الحقيقية للولايات المتحدة الأمريكية فى إنهاء ذلك الصراع، وهو ما صرح به مؤخرا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الأمر الذى يعد بمثابة ورقة ضغط كبيرة على إسرائيل نظرا للثقل الذى تتمتع به الولايات المتحدة الأمريكية عالميًا، وإن كانت ستظل بعض الموضوعات الشائكة مثل الانسحاب الإسرائيلى من قطاع غزة، وهو الأمر الذى تصر عليه الدولة المصرية، وكذا تتمسك إسرائيل بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية وتحديد عناصر حماس وإخراجهم من القطاع، لكن حتى وإن كانت هناك بعض النقاط محل الخلاف، فالأهم هو الوصول إلى مرحلة وقف القتال والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ومن ثم يمكن الوصول إلى حلول وسط فى باقى النقاط محل الخلاف فيما بعد.

وأوضح أن «التاريخ يضم الكثير من المواقف التى أثبتت فيها إسرائيل عدم التزامها بالاتفاقيات والمعاهدات، فمن الوارد أن تلتزم إسرائيل جزئيا بوقف إطلاق النار حتى تحصل على جزء من الرهائن، ومن ثم تستكمل القتال داخل القطاع بشكل عنيف ودموى كما حدث فى المرات السابقة»، مشددًا على أنه غير مناسب لوجود احتمال بخرق إسرائيل لاتفاق الهدنة أن تستسلم الدول الوسيطة كمصر وقطر والولايات المتحدة الأمريكية وتعزف عن مساعى الوصول لاتفاق وقف إطلاق النار داخل قطاع غزة. 

كما لفت إلى أنه «يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم بمسئولياتها الدولية كقوة عظمى عالمية بإلزام كافة الأطراف وخاصة إسرائيل بالالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، وهو ما دعا حماس لاشتراط أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية ضامنة لهذا الاتفاق»، مضيفًا أنه «ليس أمامنا رفاهية إلا أن نخوض تلك التجربة بل يجب الاستمرار والسعى المستمر فى المفاوضات إلى حين الوصول إلى الاتفاق النهائى، وفى حال حدوث تعثر خلال المفاوضات نحاول الوصول لحل له مرة أخرى وذلك لأن أى تأخير أو توقف يلقى بآثاره على حساب المدنيين فى قطاع غزة وأيضا فى الضفة الغربية والتى أصبح الوضع الأمنى بها غير مستقر نظرا للاقتحامات المتعددة من جانب إسرائيل هناك».

«الحلبي»، انتقل بعد ذلك للحديث عن امتلاك الدولة المصرية أدوات تضمن بها التزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، وقال: خلال فترة تولى الرئيس السابق جون بايدن حكم الولايات المتحدة الأمريكية لم يستطع أن يضمن التزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار الذى أبرم وقتها، ونحن هنا نتحدث عن أمريكا وعلاقتها الوطيدة مع إسرائيل ودعمها الكامل عسكريا واستخباراتيا، والتى لم تستطع أن تضمن التزام إسرائيل بالاتفاق، ولكن هذه هى طبيعة إسرائيل منذ قيامها فمتى التزمت إسرائيل؟!، فى المقابل مصر لديها قدرات عالية جدا فى التفاوض وجمع كافة الأطراف على طاولة واحدة من أجل التفاوض، من أجل محاولة دعم الأشقاء الفلسطينيين سواء على مستوى إدخال المساعدات الإنسانية أو باستقبال الجرحى والمصابين لعلاجهم داخل مصر.

كما أشار إلى أنه «حال التزمت إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار سيكون السيناريو الأول هو تدفق المساعدات الإنسانية بصورة عاجلة إلى داخل قطاع غزة، وذلك لإنقاذ الوضع الإنسانى داخل القطاع وتوفير مستلزمات الحياة الأساسية، فضلا عن دعم ومساندة القطاع الطبى داخل غزة بمواد طبية لإعادة تشغيل المستشفيات مرة أخرى بغزة، وهى من ضمن الإجراءات العاجلة التى تضمنتها خطة مصر لإعادة إعمار غزة، ثم يأتى دور مخطط إعادة الإعمار وتفعيل صندوق إعادة إعمار غزة، ومن ثم الاستمرار فى المفاوضات وصولا لحل الدولتين، وهو الهدف الذى تسعى له الدولة المصرية للوصول إليه على أرض الواقع، وهو ما يفسر المنهج الاستراتيجى المتدرج الذى تسير وفقه الدولة المصرية بداية من الهدنة وإيقاف القتال وإدخال المساعدات ومبادلة الرهائن والانسحاب من غزة ثم إعادة الإعمار والتفاوض لحل الدولتين».

وشدد على أن «الدور المصرى دائما يحمل مصداقية كبيرة جدا لدى الدول العربية والأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية والدول الإسلامية، وهو ما تابعناه خلال زيارة الرئيس الفرنسى ماكرون لمصر وزيارته لمعبر رفح وتفقده لعدد من المصابين الذين تلقوا العلاج داخل مصر، فمصر لها رصيد كبير من المصداقية لدى دوائر صنع القرار فى العالم». على حد قوله. 

وتابع: هناك هدوء كبير وملحوظ على مستوى تدخل أطراف أخرى فى النزاع كالحوثيين وحزب الله والذى توقفت ضرباته تماما فى هذا الصراع، ولكن ما زال الحوثيون يوجهون ضربات ولكنها قلت نسبيا، ومن المتوقع أنه فور إعلان وقف إطلاق النار بغزة وتفعيل الهدنة بشكل فاعل ستتوقف ضربات الحوثيين، وكذا التوترات التى تمر بها المنطقة وهو ما تسعى إليه الدولة المصرية.

فى سياق متصل أكد اللواء محمد الغباشي، الخبير العسكرى والاستراتيجى، أمين مركز آفاق للدراسات الاستراتيجية، أن «الرئيس الأمريكى لديه رغبة حقيقية فى وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيين داخل قطاع غزة والوصول إلى حل نهائى لتلك الأزمة التاريخية، لذلك سيضغط على نتنياهو من أجل القبول باتفاق وقف إطلاق النار».

وأضاف أن «الهدنة ستضمن المطالب الإسرائيلية بالإفراج الكامل عن الرهائن والمحتجزين والتى ترغب إسرائيل فى أن يكون الإفراج عنهم دفعة واحدة، وهو الأمر الذى يعتبر فقدان المقاومة الفلسطينية لورقة الضغط الوحيدة التى تملكها ضد إسرائيل، كما ستشمل الهدنة أيضا الإفراج عن إدخال المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية والطبية إلى قطاع غزة بشكل طبيعى، وليس عن طريق الشركات الأمريكية التى عملت فى هذا الأمر مؤخرا داخل قطاع غزة ولم تنجح بل قتلت العشرات من الفلسطينيين أثناء توزيع المساعدات الإنسانية حتى أصبحت نقاط توزيع المساعدات نقاطا للقتل خلال تلك الفترة، وهو ما أدانه العالم أجمع نظرا لزيادة ممارسات سياسة التجويع على أهالى قطاع غزة، الأمر الذى دفع العديد من النواب فى الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية لإدانة إسرائيل فى استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين فى قطاع غزة، وهو أمر مخالف لكافة القوانين والأعراف الدولية».

«الغباشي»، لفت إلى أن «منع دخول المساعدات الإنسانية تسبب فى مقتل العشرات من الأطفال والذين كانوا فى حاجة ماسة للغذاء، وكذا تسبب هذا المنع فى حدوث العديد من الكوارث للأطقم الطبية أثناء تأدية عملها داخل القطاع لدرجة توقف عدد كبير منهم عن العمل لعدم توفر مواد طبية وأدوية لعلاج الجرحى والمصابين، لذلك فإن القطاع فى حاجة ماسة لإدخال المساعدات الإنسانية والمواد الطبية بصورة عاجلة إلى داخل قطاع غزة مقابل إخراج المحتجزين».

وفيما يتعلق بـ«بنود الهدنة»، قال «الغباشي»: البنود التى ستشملها الهدنة سيتم تحديد مدة 60 يوما لتنفيذها من قبل الطرفين، لكن إذا استلمت إسرائيل المحتجزين والرهائن بشكل كامل ستعود للقتال فورا دون أى رادع أو ضمانات أو أى اعتبار لاتفاقيات أو ضمانات حتى وإن كانت من الجانب الأمريكي، فالمتعارف عليه عن إسرائيل أنها تضرب بعرض الحائط كافة الاتفاقيات والأعراف والقوانين الدولية، ولا تلتزم أيضا بكافة المعاهدات والمواثيق التى اتفقت عليها وتختلق لنفسها المبرر لخرق الهدنة واستمرار أعمال القتال، خاصة أن اليمين المتطرف فى إسرائيل والمتمثل فى عدد من الوزراء داخل الحكومة مثل وزير المالية سموتريتش وبن غفير وزير الأمن الداخلى يطالبون «نتنياهو» باستمرار القتال.

وأضاف: هذا الائتلاف الحكومى اليمينى المتطرف يشكل ضغطا كبيرا على الحكومة بتهديده بالانسحاب حال التوقف عن القتال، الأمر الذى يهدد استمرار حكومة نتنياهو فى إدارة الأمور وهو ما يخشاه رئيس الوزراء الإسرائيلي، لذا سيقوم الجانب الإسرائيلى بالمراوغة حتى يحصل على مراده فى عودة كافة الرهائن والأسرى واليوم التالى يستكمل أعمال القتل والإبادة بحق المدنيين فى قطاع غزة.

«الغباشي»، أكد أنه «ليست هناك ضمانات يمكن الاستناد إليها فى التزام إسرائيل بأى اتفاق لوقف إطلاق النار، خاصة أن نتنياهو يسوق لنفسه فى الداخل الإسرائيلى بأنه أعظم رئيس وزراء أتى لدولة إسرائيل بعد بن جوريون، وهو منْ حقق آمال إسرائيل بالتوسع فى الاتجاهات الأربعة المحيطة بها، فقد توسع جنوبا بإعادة احتلال قطاع غزة كاملا وفى الشمال الشرقى احتل أجزاء كبيرة من سوريا، وشمالا احتل أجزاء من لبنان والقضاء على حزب الله، واستطاع أن يقوم بتدمير القدرات النووية الإيرانية والعسكرية والقضاء على عدد من العلماء النوويين، الأمر الذى يعد بمثابة تحقيق العديد من المعتقدات الدينية للدولة الإسرائيلية بتحقيق حلم إسرائيل الكبرى».

 

 

    كلمات البحث
  • غزة
  • فلسطين
  • هدنة
  • القاهرة
  • القطاع

الاكثر قراءة