من طقوسى المعتادة فى كل زيارة إلى بلدتى الحبيبة بمحافظة بنى سويف، الحرص على المشاركة فى أفراح وأتراح أهلنا وناسنا الطيبين فى القرية، ونسج خيوط الحديث وتبادل الآراء مع الحضور على اختلاف ثقافاتهم وأعمارهم ومستوياتهم التعليمية والاجتماعية والاقتصادية، صحيح، بحكم المهنة وطبيعة العمل الصحفى أجد نفسى مدفوعًا للدخول فى جولات النقاش ودوائر الحوار، لكن ما يفتح شهيتى، هو كثرة الاستفسارات، وتعدد التساؤلات فى مختلف قضايا الساعة من غالبية المتواجدين سواء فى الجلسات العائلية أو فى ساحات المناسبات السعيدة وصولًا إلى سرادقات العزاء، ويزيد من متعتى بقوة، ويلفت انتباهى بشدة أننى فى كل مرة أجد فراسة أهل الريف فى الطالع، وقدرتهم على الفرز بين الغثِّ والسَّمين فى صعود، ووعيهم فى تزايد،
فهم يدركون أن التكاتف الوطنى ضرورة، والترابط القومى فريضة لمواصلة معركة التنمية والبناء من جهة، وعبور مرحلة المخاض الصعب فى المنطقة من جهة أخرى، ولا سبيل سوى الوقوف كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا فى ظهر قيادتنا السياسية، والتصدى لأهل الشر وصُنَّاع الأكاذيب والشائعات.
الوعى الشعبى أصبح سلاحًا باترًا فى مواجهة حملات التشكيك وهجمات الشائعات التى تُطارد المواطنين ليل نهار من كل المنصات، وجميع الوسائل والأذرع الإعلامية الإخوانية بلا كللٍ منذ ثورة 30 يونيو العظيمة التى أسقطت حكم المرشد، ودفنت مخطط «أخونة مصر»، وزاد من مناعة المصريين، ورفع من حصانتهم الإنجازات التى تحققت على أرض الواقع بطول البلاد وعرضها لصالح العباد فى كل القطاعات، وجميع المحافظات، وليس منْ سمع كمنْ رأى، فما بالك بمنْ استفاد من هذه المنظومة المتكاملة من المشروعات القومية فى الصحة والتعليم والزراعة والصناعة والطرق والتكنولوجيا، نعم، لقد حدثنى كثير من أهلنا البسطاء فى القرى والنجوع عما حدث من تطوير غير مسبوق فى مستوى المعيشة بعد دخولهم فى نطاق المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» لتغيير شكل الريف، الطرق مُهدت، والخدمات تحسنت، والمرافق تقدمت، ويد التنمية تواصل التحديث فى المجالات كافة.
التنمية هى الطريق الصحيح الذى لا رجعة فيه مهما كانت محاولات صُنّاع الشائعات. الرئيس عبد الفتاح السيسى حقق ما عجز عنه السابقون، سمعت خلال حديثى مع أهل الريف الطيبين الكثير من العبارات، والعديد من الجمل التى تجسد هذا المعنى، ولا أُبالغ حين أقول إن مستوى الوعى بحجم ملحمة التنمية والبناء التى قادتها الدولة بشجاعة فى الجمهورية الجديدة وصل إلى أقصى الصعيد جنوبًا والدلتا شمالًا، ولن يجد مروجو الأكاذيب حول المشروعات التنموية والقومية آذاناً مصغية لافتراءاتهم المضللة، ولا مجال لاتهاماتهم الباطلة، بل إن الناس فى الريف قبل المدن يتندرون ويسخرون من حملات الجماعة الإرهابية المغرضة، التى كانت تُشكك فى كل إنجاز، وتُقلل من كل نجاح لإفساد فرحة المصريين، لدرجة أن مشككى الجماعة حتى عندما كانوا يرون مشروعًا معينًا يطعنون فى إمكانية تنفيذه، ولا يضعون فى أعينهم حصوة ملح، ويغلقون أفواههم الكريهة، بل العجيب هو الإصرار على الكذب بالتشكيك فى الفائدة منه، وتغيير مسار الإفك بترديد كلام مكذوب عن أنه لا يخدم عموم المصريين بل يصب فى مصلحة طبقة محددة، مع ادعاءات حول إهدار الأموال وضياع الثروات فى غير محلــها، وها هو الواقع يوثق ملحمة التنمية ومعجزة العمران فى كل مكان على أرض المحروسة، وليذهب صُنَّاع الأكاذيب إلى مزبلة التاريخ.
وطالما لكل قول حقيقة، أشير هنا إلى مشروع تحدث عنه العديد من المواطنين الذين قابلتهم فى بلدتى خلال إجازة عيد الأضحى، وهو مشروع الصوب الزراعية فى المشروع القومى العملاق «مستقبل مصر» بمنطقة قطاع اللاهون، فقد تبارى الأهالى فى الحديث عن مكاسبه المتتابعة، وفوائده المتتالية، بداية من توفير عشرات الآلاف من فرص العمل على مدى عدة سنوات منذ إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسى إشارة تدشينه، فقد شاركت أعداد ضخمة فى تجهيز البنية التحتية للزراعة وإعداد الصوب تحت إشراف كبرى الشركات الوطنية والأجنبية، ثم جاءت مرحلة الزراعة تحمل بشائر الخير فى صورة حاصلات متنوعة من القمح إلى الخضراوات والفاكهة وحتى النباتات العطرية والطبية، وبالطبع كل هذه المنتجات الزراعية تحتاج لأيدٍ عاملة، مما فتح أبواب الرزق للكثير من الأسر، وهناك لفتة ذكية من المسئولين عن هذا المشروع تستحق توجيه التحية والتقدير لهم، وهى توفير منافذ لبيع المنتجات لأهالى المنطقة بأسعار مخفضة، مما زاد من شعبية هذا المشروع بين الناس، وبالطبع جعل المشروعات فى خدمة المقيمين بجوارها فلسفة راسخة لكل المشروعات القومية، كما هو الحال فى الإسكان الاجتماعى أو ملحمة الطرق أو الصروح الصناعية.
استوقفتنى بشدة أيضًا، متابعة أهلنا البسطاء فى العزب والكفور لتطورات الأحداث الإقليمية والدولية، والقراءة المبسطة والصحيحة فى نفس الوقت للدور المصرى الفعَّال فى مختلف القضايا بحكمة واتزان، فقد استمعت لآراء عدة أشخاص من كبار العائلات وحتى الشباب وربات البيوت، تدور كلها حول نجاح الرئيس السيسى فى التعامل مع كل المتغيرات بحسن تصرف واعتدال، مما حمى مصر من الوقوع فى « فخ « المؤامرات التى تُحاك حولها، والمثال الواضح هنا هو رفض الرئيس لمخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو تصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر أو أى دولة أخرى، رغم الإغراءات الضخمة بمليارات الدولارات، كما أن مواقف كل الدول العربية فى هذه القضية، وسوء الإدارة الأمريكية، معلومة بين جموع الفلاحين وكأنهم خبراء فى السياسة الخارجية والأمن القومى، لكن مع اختلاف التعبيرات وبساطة التحليلات على طريقة الفلاح المصرى الفصيح، وهذا دليل دامغ على أن الوعى الشعبى فى أفضل حالاته، وأقوى صوره، فهو يزيد بالمعرفة ويتراجع بنقص الفهم وسوء الإدراك.
لدىَّ قناعة أن المصريين «لا خوفٌ عليهم» من أية مؤامرات سواء فى هذه الفترة أو قادم الأيام لأنهم خبروا بالتجربة، وعلّموا بالممارسة، وتنبهوا بالحقائق أن صناع الشائعات المغرضة، ومروجى الأباطيل المتواصلة من أهل الشر وحلفائهم فى الداخل والخارج، لا يريدون لوطننا أن يكمل مسيرة التنمية، ولا همَّ لهم إلا وضع العراقيل فى طريقه للعودة للوراء، حيث سنوات الفوضى والتخريب؛ ليجدوا لهم موضع قدم من جديد فى المشهد السياسى، والأمر المؤكد أن هؤلاء المتآمرين على الأمن القومى المصرى واهمون، وفى غيهم يعمهون؛ لأن المواطنين على العهد فى الحفاظ على المكتسبات التى تحققت بالعرق والجهد خلال الأعوام السابقة، وأن الوعى سلاحهم، والاصطفاف عقيدتهم ضد كل المخططات، حتى مع وجود بعض المشكلات الحياتية والاقتصادية؛ فغالبية العواصم تعانى من تلك الأزمات فى هذه المرحلة الصعبة على بنية الدول، ومسيرة الشعوب.
والحق أن الرئيس السيسى أول منْ راهن على وعى المصريين، وقدرتهم على الاصطفاف فى مواجهة كل التحديات الداخلية أو المخاطر الخارجية التى يتعرض لها الوطن فى «حرب الوجود»، ولذلك سمعنا منه مرارًا وتكرارًا كلمات جامعة مانعة حول أهمية الوعى وضرورة الصمود للتغلب على الصعوبات كافة والمهددات جميعًا، ولم يترك مناسبة ولا خطابًا دون التصريح والتلميح إلى أن وعى الشعب وتكاتفه هو الضمانة الأساسية لتجاوز الأزمات والتهديدات المحيطة، وهذا النهج الحميد للرئيس لم يكن بعد تولى مسئولية البلاد بل سبقها، فقد لفت الأنظار إلى ذلك مبكرًا، ففى مايو 2014، عند استقباله لوفد من الإعلاميين، أكد أن منظومة وعى المواطنين تحتاج إلى تطوير كبير، واستراتيجية إعلامية ضخمة للنهوض بها.
وقد تتابعت الرسائل الرئاسية فى هذا الاتجاه خلال افتتاح المشروعات القومية أو تنظيم الندوات التثقيفية للقوات المسلحة، أو فى ذكرى الأحداث الوطنية الفارقة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فى الندوة التثقيفية التى نظمتها القوات المسلحة فبراير 2017، قال الرئيس السيسى نصًّا «إن وعى المصريين هو حائط الصد الحقيقى، وأن التحدى الذى تمر به مصر أكبر من الرئيس والحكومة ومؤسسات الدولة، ولكن ليس أكبر من إرادة الشعب»، وأثناء الندوة التثقيفية الـ 29 للقوات المسلحة، أشار الرئيس إلى أن «الوعى المزيف أو المنقوص هو العدو الحقيقى، والمعركة لم تنتهِ، وما زالت موجودة بمفردات مختلفة، العدو الآن أصبح معنا وجوانا، استطاعوا بالفكر إنشاء عدو داخلنا، يعيش بقتلنا ويبنى نفسه بهدمنا»، وتكرر نفس الأمر فى الندوة التثقيفية الـ 32 فى 2020 عندما شرح الرئيس السيسى أن «أهم الأزمات التى مرت بها مصر منذ 65 عامًا هى الوعى بهدف الحفاظ على الدولة فى ظل الأجيال الجديدة من الحروب التى تحوِّل الرأى العام لأداة لتدمير الدولة، والتى يمكن تجاوزها من خلال الوعى وفهم أزمات الدولة بشكل صحيح».
وفى الندوة التثقيفية الـ 33 خلال 2021 قال الرئيس: «ليس خافيًا على أحد أن العالم قد شهد خلال العقد الأخير أحداثًا غيَّرت مسار دول كانت تنعم بالأمن والاستقرار، مما أحدث جرحًا غائرًا فى صدر مفهوم الدولة الوطنية من الصعب أن يلتئم أو تعود تلك الدول إلى سابق عهدها فى المستقبل القريب، وقد فطنت مصر لكل هذه الأحداث والتطورات، فبنت سياجًا متينًا من القوة والوعى والإدراك حصَّنت به شعبها بدعم من جيشها صاحب العقيدة الوطنية التى تربى عليها وهى الولاء المطلق للأرض، أرض مصر وشعب مصر»، أيضًا فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة بمناسبة مرور 51 عاما على نصر أكتوبر المجيد ختم الرئيس كلمته بهذه العبارة الحاسمة: «أؤكد أنه بتلاحمنا وإخلاصنا ووعينا، قادرون على تجاوز الظروف الصعبة، كما تجاوزناها من قبل.. مهما كانت صعوبتها»، أما فى الافتتاحات الرئاسية للمشروعات القومية دائمًا إشادة الرئيس بوعى المواطنين حاضرة بقوة؛ لأنه السلاح الأهم فى مواجهة حملات التشكيك الممنهجة.
حمى الله مصر وشعبها وقيادتها
ومؤسساتها الوطنية من كل سوء

