رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

دموع وضحكات أشهر مسحراتي عرفته مصر..سيد مكاوى : انتهى عصر السميعة الكبار


19-4-2025 | 19:52

سيد مكاوى

طباعة
يقدمها : اشرف التعلبى

فى ذكرى رحيل شيخ الملحنين سيد مكاوى، التى توافق 21 أبريل من كل عام، نُحيى سيرة فنان استثنائى، وُلد فى 8 مايو 1928، ورحل عن عالمنا فى 21 أبريل 1997، بعد أن ترك بصمة خالدة فى وجدان الفن المصرى... بدأ مشواره بتلاوة القرآن والمدائح، ورغم فقدانه للبصر، فإنه أضاء دروب الموسيقى ببصيرته، حتى ترك لنا أكثر من 1500 لحن، وارتبط اسمه بأعمال لا تُنسى مثل «الليلة الكبيرة» و«المسحراتى»، وتعاون مع صلاح جاهين فى أغانٍ وطنية مؤثرة كـ«الدرس انتهى»، وحصل على وسام العلوم والفنون من الرئيس جمال عبدالناصر، ليبقى اسمه رمزًا للفن الأصيل... هنا فى «كنوز المصوّر»، نُعيد نشر حوار نادر أجراه معه الدكتور عمرو عبدالسميع فى 30 مايو 1986.

فى وداع حافل للنبضات التى تواصل بها مع الناس فى كل أشهر رمضان السابقة يقف سيد مكاوى أشهر مسحراتى عرفته مصر مع المصور داعيا الجميع إلى التيقظ والانتباه جيدا لطرقات طبلته الصغيرة، والانتباه جيدا أيضا إلى الأخطار التى تحوط موسيقانا وغناءنا ووجداننا بأكمله.. يودع سيد مكاوى شخصية المسحراتى بعد رحيل صاحبها ومؤلفها، ويعلن أن عليه الآن أن يسلك دربا فنيا جديدا بحثا عن الكلمة بعد رحيل رفيقى الطريق فؤاد حداد وصلاح جاهين - يضغط على حروف الكلام وهو يشهر مبدأه الفنى الفريد بأن وظيفة الموسيقى والغناء هى أن تفجر فى قلوب وعقول الناس أكبر قدر من الشعور بالفرح الإنسانى ويمضى المسحراتى معنا فى دروب كثيرة تملؤها أنغام يطغى عليها إحساس شعبی جارف.

 

اصح يا أوركسترا

يخالجنى شعور غريب حينما أرى التخت الشرقى مطعما بالأورج الكهربائى، والجيتار الكهربائى، والعود الكهربائى، والأكورديون الكهربائى! وهو أن هذا التخت قد فقد شخصيته وبدا كمن يذهب لحفلة تنكرية، كيف ترى تأثير هذه الآلات على موسيقانا؟

لم يعد ينقصنا فى الأوركسترا بعد كل هذه الآلات الكهربائية سوى الأسانسير والغسالة! هذا تشويه من جانب أناس لا يعرفون خطورة ما يقدمون عليه، لقد دخلت هذه الآلات تحت لافتة التطور والتجديد وأفسدت شكل الموسيقى، التخت العربى أو الشرقى أو المصرى لابد أن يظل بهذا الشكل الذى نعرفه جميعا، لقد بدأ الجمهور يمل الافتعال الموسيقى الذى تمثله هذه الآلات، كما بدأ أصحاب الفرق - لأسباب اقتصادية - يتملصون من طغيان الكهرباء، فقد شعر العازفون أن هناك إقبالا خرافيا من الفرق على استقدام آلات الكهرباء فرفعوا أسعارهم وصارت هناك منافسة بينهم فى استقدام آخر صيحة فيها، وبالتالى مزيداً من رفع الأسعار حتى صاروا مكلفين للغاية وأصبحت الفرق تميل إلى التخلص والتخفف منهم.

 

ليس هذا الخطر هو المؤثر الكهربائى الوحيد اليوم على موسيقانا فقد بدأت الإذاعة واستوديوهات القطاع الخاص تستخدم شرائط «28 تراك» ولنوضح معنى هذا أصبحت هناك إمكانية للتضعيف الصوتى فى عدد آلات الأوركسترا، فعندما أسجل لحنا بأربع كمنجات على تراك فأنا أملك مضاعفة العدد على التراكات الخالية الأخرى لأحصل على نتيجة 40 كمنجة مثلا فى عشرة تراكات.

 

ونتيجة لهذا فإننا لم نعد نعتمد إلا على عازفى الدرجة الأولى، نأتى بهم ونضاعف الأداء الصوتى لآلاتهم، ولا يجد بقية العازفين من مستويات أخرى فرصا للتمرين أو العزف أو العمل.

وهناك نتيجة أفدح من هذا تتمثل فى غياب الروح الجماعية والإحساس العام بالعمل لدى أفراد الأوركسترا، فنحن نسأل عن أحد العازفين مثلا، فيقولون لنا إنه يسجل فى استوديو آخر، وسوف يجيء غدا ليقوم بالتركيب، وبالفعل يأتى العازف إلى الاستوديو الذى لم ير فيه أحدا ولم يسمع شيئا، ولا تأثر فيه بلحن أو عاش تجربة، ويضع السماعات فى أذنيه والنوتة الموسيقية أمامه ويبدأ فى تركيب أداء آلاته على «تراك» من ضمن الثمانية والعشرين «تراكا» التى يمكن استخدامها.

 

ولقد امتدت الأخطار الكهربائية حتى إلى مستوى الكباريهات فيجلس الواحد منا ليسمع ما يمكن تسميته «رعد بلدی».

 

فحتى الرقاصون يضعون الطبلة أمام مكبر الصوت، ويظل عازفها يسكع آذاننا طوال الليل، حتى يقوم الفرد منا شاعرا بأنه قد أخذ علقة موسيقية وحضر حفلة خناقية قضت على صحته وعافيته ووجدانه لفترة طويلة قادمة!

 

إضافة إلى كل هذا فإن الذى يفرض الأورج أو الجيتار على الملحنين أحيانا هو رئيس الفرقة، وهذا يحدث معى حين يأتينى رئيس الفرقة الماسية مثلا ليقول لى لا تقطع رزق عازف الأورج، ويجد الملحن نفسه محاصراً، فالبحر من أمامه والأورج من ورائه، ويتكهرب الإحساس الموسيقى تبعا لتكهرب الأوركسترا.

اصح.. يا مطرب

 

لماذا لا يستطيع أى مغن «حتى أم كلثوم» أن يتخلص من طريقتك الفريدة فى الغناء إذا ما أدى أحد ألحانك؟

 

المطرب الشاطر هو الذى يقلد الملحن واعياً بأمرين؟ أولهما شخصيته المستقبلة «كمؤدٍ صوتى» وثانيهما تأكيد ملامح شخصية الملحن على العمل بطريقة التعبير الصوتى.

 

مع أم كلثوم تركنا كل الأمور التى كانت قد حصلت فى الأوركسترا من ساكسفون وجيتار وغيرهما، وعدنا إلى الأصول فى «يا مسهرنى» وقد تأثرت أم كلثوم بأدائى وأبرزت لحنى بتعبيرها الصوتى الذى قلدتنى أحيانا فيه، واحتفظت فى نفس الوقت بشخصيتها المستقلة فى أدائها الصوتى.

ومطربون آخر الزمان من هم يا شيخ سيد؟

 

الذين يغنون الآن يشكل عام لا يحبون الغناء.. أنا عندما أتزوج امرأة، أتزوجها لأننى أحبها، أموت فيها، أعبدها، أحب ملامحها، وأحب صوتها... وأحب كل شيء فيها والمفروض أن يحب المغنى «الغنوة» بهذا القدر...

 

والمفروض -من جهة ثانية- أن يعبر عن حبه لمحبوبته فى الأغنية بهذا القدر ولكننى لا أرى هذا، ما أراه هو أن كل من اكتشف أن صوته حلو، يرتدى على الفور بدلة ظريفة، ويقف وقفة يفهم منها إنه عامل «بوز» ويحترف إرسال نظرات معينة. ويظل يتمنظر طول الغنوة بحيث يصبح هذا هو شغله الشاغل، أما الأغنية فهى خلفية أو نشاط جانبى، بمعنى آخر مطربو هذه الأيام يحبون أنفسهم وليس من يغنون لهم، ولهذا لا يؤثرون فى الناس ونحن لا نعرف فى غنائهم الفرق الشعورى بين الحب أو الهجر أو العذاب أو غيره..

 

اصح.. يا مقرئ

 

رأيتك صغيرا واسمك الشيخ سيد، ورأيتك شابا واسمك الأستاذ سيد فما هو الفارق بين الاثنين؟

 

لا يوجد فارق إلا فى طبيعة مزاولة المهنة، فأنا الآن لا أزاول القراءة القرآنية كمهنة وإنما أتفرغ للتلحين الموسيقى، وزمان حينما كنت شيخا ثار أهل الحارة ضدى وقالوا : لا.. هذا الشيخ يغنى فلا تحضروه إلى مناسباتكم، وأوقفوا حالى بعدما كنت أعيش من مهنة قراءة القرآن.

 

من المشايخ هل تستطيع أن تضع يدك على تأثير واضح لبعضهم فى ألحانك وأدائك؟

 

هناك طبعا تمييز بين مشايخ القرآن ومشايخ الموسيقى ومع ذلك فكلاهما أثر فى تكوينى، تلاوة القرآن لها قانون، وليست كما تراها فى المصحف ما يعرف بالغين والمدة والتنوين وهى ما يشبه السولفيج الإيقاعى فى الموسيقى.

 

وبالتالى فقد كان هؤلاء القراء من العمالقة الواعين بالقواعد والأصول وكان السميعة أيضا من الحفظة ولهم وعى بأصول النغم، ويستطيعون التمييز بين الرصد والسيكا والبياتى ويستطيعون الحكم على الشيخ إذا كان يسير وفقا لأصول القراءة القرآنية وأصول النغم أم لا أى أن المعرفة الموسيقية كانت وافرة لدى الطرفين.

 

وقد تأثرت بالمشايخ كثيرا، وخاصة هؤلاء الذين حضرت أمجادهم مثل الشيخ محمد رفعت، والشيخ على محمود، والشيخ محمود صبح والشيخ محمد سلامة، أما الذين لم أحضرهم فقد سمعت عن طريقة أدائهم وأفادتنى مثل الشيخ أحمد ندا والشيخ محمد القهاوى والشيخ محمد بدار والشيخ حسن المناخى، وقد كانوا على مستوى خطير، فأى منهم أصوت من أم كلثوم، وأى منهم أضاف الكثير لأصول القراءة القرآنية لقد احترم كل هؤلاء القرآن وقراءته فاحترمهم القرآن.

 

أما الآن فما يحدث فى ميدان التحرير يعد مهزلة واسعة النطاق فأنت تشاهد ثلاثة سرادقات واحد منها يصدح قارئه بسورة مريم والآخر بسورة النمل والثالث بسورة يوسف، وتتداخل القراءات فلا تستطيع المتابعة خاصة أنها سور قصصية، وتجلس -حیران هل تسمع الأول أو الثانى أو الأخير، أو تكلم صاحبك الذى يجلس إلى جوارك فى المعزى لتتفقا على مكان تذهبان إليه بعد العزاء... لقد انتهى عهد السميعة الكبار.

 

وأنا أفكر جديا فى الذهاب إلى محافظ القاهرة ليضع حدا لتلك المهزلة الفظيعة.

 

هذا إذا تكلمنا عن مشايخ القراءة أما مشايخ الموسيقى فأهمهم إطلاقا الشيخ درويش الحريرى الذى يعد بحق «أينشتين» الموسيقى فى مصر، ولا يوجد ملحن مصرى كبير لم يتعلم على يده أو يستفيد بتراثه من محمد عبدالوهاب إلى أصغر ملحن حتى إن الشيخ زكريا أحمد لكى يهضم علم هذا الرجل.. تزوج ابنته.

 

وللشيخ درويش الحريرى مؤلفات كثيرة جدا فى الموشحات سواء الدينية أو العاطفية، ولم أدرس عليه ولكنه أثر فيمن درست عليهم.

 

وقد أثر الشيخ زكريا أحمد فى طريقتى للتعامل مع الأغنية الطويلة، فى حين أثر الشيخ سيد درويش على فهمى لفكرة التعبير عن الطوائف.

 

اصح.. يا ملحن!

 

هل تعتقد أن ما يلجأ إليه بعض الموسيقيين من دفع أعمالهم إلى موزع موسيقى هو أمر يحافظ على جوهر روح العمل؟

 

التوزيع الموسيقى يسير أصلا طبقا لقاعدة غربية هى 1+1 يساوی دو وقصادها می صول دو مثلا.

 

شيخ سيد هذا كلام متخصصين.

 

ما أريد أن أقوله إننا نخلق ما يسمى الميلودى أو اللحن الأساسى ويأتى الموزع ليقوم بإعداد ما يشبه الديكور فى البيوت محافظا على هذا الخط أو اللحن الأساسى.

 

والتوزيع يمكن أن يصلح ويمكن أن يتلف، بالضبط مثل أن يأتى مهندس ديكور ويصمم ديكورا بغيضا يجعل كل من يراه «بيتنس» ويكتئب التوزيع فى الأصل يعمل به لكى يردد الناس ولكن ما يحدث هو أن الناس فى الشرق ينصرفون عن إضافات الموزع ويغنون الميلودى الأصلى أو الأساسى ويرددونه.

 

وبالتالى فإن هذا الشكل الغربى لا يلائم الناس، ولذلك فقد قدمت لونا من التوزيع الصوتى فى تسجيل أسماء الله الحسنى وأعتقد أن هذا يلائم ويوائم طبائع الناس عندنا أكثر من التوزيع الذى يستخدم الآلات الموسيقية.

 

الفن هو ما يتلاءم مع ذوقنا، الفن هو أن تفهمنى وأفهمك، أما الفن الغامض الذى يتعالى على الناس فهو ليس فنا.

 

هذا الكلام موجه لهؤلاء الذين ما إن يسمعوا تساؤلات الناس واستنكارهم حتى يردوا بحسم ما حدش يتكلم ولا كلمة.. ده اسمه توزيع، أنت تسمع وأنت ساكت ومرة أخرى أقول لهم الفن الذى يتعالى على الناس ليس فنا.

 

أما التوزيع الموسيقى بمعنى هذه الإضافة التكميلية على اللحن الأساسى بالشكل الذى يفهمه ويحبه الناس، فإنه يحتاج إلى متابعة من الملحن فى كل تفاصيل عمل الموزع، وهذا أمر لم تكن الإذاعة توفره من قبل حيث كان المتاح للملحن ساعتين للتسجيل، وإذا انتهى الوقت لا تستطيع أن تمده.. أما منذ مجيء فهمى عمر فقد أصبح من السهل أن تحقق لعملك وقتا أكبر من أجل التجويد وأصبح من السهل مقابلة رئيس الإذاعة الذى يستجيب لنا دائما فهو ليس من أصحاب اللمبات الحمراء أو الفزدقي من رؤساء الإذاعة، الذين لم نكن نستطيع مقابلتهم ولو فى ليلة القدر!

 

كملحن.. ما هى جملتك الموسيقية التى جعلتك تهتف وجدتها؟

 

«حنحارب» تلك الجملة التى لم أجد كورسا ليرددها معى فغناها كل موظفى الإذاعة وعسكر المطافى.

 

ومهندس الاستوديو الذى كان يفتح الماكينة ثم يأتى ليردد معنا، وممن شاركونا الغناء يومها ضابط وجدناه بالصدفة فى أروقة المبنى اسمه إبراهيم بغدادى وقد أصبح فيما بعد محافظا للقاهرة!

 

هل تخجل أو تخاف أن تظهر للناس القافية التى لحنتها؟ وما الذى يمنع ظهورها؟

 

أنا لا أشعر بحرج أو خجل مع الجمهور، فمعهم أشعر بأننى أجلس مع نفسى، بينى وبين الجمهور علاقة عريضة يمنحنى فيها ثقة بلا حدود تجعلنى أتحرك كما أشاء.

 

وكثيرا ما أغنى للجمهور - أيا كانت طبيعته -القافية وقد كنت أغنيها للرئيس السادات نفسه، أما الذى يمنع ظهورها فهو قصرها الشديد فهى عبارة عن اثنين يتناوبان الرد بالقافية بشكل مضحك جدا، ولا أعرف لو أن هذه القافية كانت قد طالت، ما الذى كان سيحدث، فهى الآن بهذا القصر والناس تضحك حتى تستلقى على قفاها.

 

ومع ذلك فأنا أفكر أن أجمع القافية وبعض الأعمال المشابهة فى أسطوانة واحدة!

 

قلت مرة إنك تقدر على تلحين الجورنال فهل ما زلت قادرا على هذا؟

 

نعم، أقدر على تلحين أى شيء وكانت عندى فكرة لتلحين مناهج الدراسة للأطفال.

 

كيف إذن يمكن أن تلحن فكرة مصطفى أمين، أو يوميات أحمد بهاء الدين، أو مواقف أنيس منصور؟

 

لكل منهم مذاق مختلف وأسلوب لا بد أن يؤثر على اللحن ولكن كل منهم أيضا يتغير كل يوم وبالتالى يحتاج إلى 30 لحنا فى الشهر!!

 

ومن منهم جدير بأن تلحن كل ما يكتب؟

 

أحمد بهاء الدين.

 

هذه المزاوجة الفريدة فى موسيقاك بين الأصالة والشعبية من جهة وبين العصرية من جهة أخرى هل هي معادلة وصلت إليها عمدا مع سبق الإصرار أم أنها مثل معظم الفنون المصرية وليدة صدفه؟

 

أنا أتغير مع إيقاع العصر، ولو لم أفعل لصرت سجينا لشكلى القديم، وصرت عاجزا عن التأثر بمن حولي، ولكن نحن نتغير فى حدودنا وفى خاماتنا الأصلية فلا الأصالة والشعبية أفقد، ولا التطور والعصرية أرفض.

 

لقد كنا زمان نسير من ميدان لاظوغلى إلى الجيزة لا يقابلنا إنسان ووقتها كان بيرم يقول : إحنا 19 مليون، و19 مليون لون، كان هذا عصر له سماته وشكله وموسيقاه وأصواته.

 

أما الآن فنحن 50 مليونا، وطبيعى أن أتأثر كملحن حينما أسير وسط ضجيج ونداءات وعادات وطبائع الزحام مثلما تأثرت بهدوء وعادات وطبائع الروقان، ومن هنا فما وصلت إليه لا يمكن أن يكون صدفة ولكنه عمد مع سبق الإصرار.

 

عمد ألا تفوتنى أحد ملامح العصر صدفة!!

 

نسمع كثيرا عمن جددوا الموسيقى العربية وطوروا الموسيقى العربية من هم هؤلاء من وجهة نظرك؟

 

تجديد أين هو لا يوجد شيء يسمى تجديدا، الجديد هو أنك - كملحن - تبدع جملة لم تقلها من قبل أما هؤلاء الذين يفهمون التجديد على أنه تقليد الغرب فهم يحاولون مداراة ضعفهم الفنى، وإذا كان الأمر هو تقليداً للغرب، إذن فلنسمع الغرب أفضل، ويبقى أن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم أسماء مثل فرقة هاملت وغيرها هم بلا أصوات ويثيرون فى نفسك الرغبة فى أن تخرج لهم وتضربهم علقة يتوبون بعدها عن الغناء والموسيقى.

 

فى قراءة مدققة لكل أغنياتك لم أعثر على أغنية تخاطب الحزن فى مشاعر الإنسان - كلها أغاني فرحة ونشواته لماذا؟

 

لا أحب الأغانى الحزينة لأن الناس فيها ما يكفيها، ولا يمكن أن تواجه شخصا تجشم مشقة المجيء إليك ودفع 50 جنيها أو 100 جنيه ثمنا للتذكرة بنواح وشكاوى ودموع ووجع قلب لا ينتهى!.

 

كيف ترى موسيقى عمار الشريعى؟

 

حينما نتكلم عن عمار الشريعى فى مقام الحديث عن جيل جديد من الملحنين يجب أن تضعه فى كفة وحده، فهو عبقرى حقيقى من عدة نواحٍ، ولا تجوز مقارنته بأى ملحن من جيله لأنه نسيج مختلف، عمار ملحن لا تفتقد أعماله أصالة موسيقانا وحتى حينما يستخدم الأورج فهو يستخدمه بقدر ولا تشعر معه بفظاعة الصدمات الموسيقية الكهربائية التى تشعرها مع الآخرين.

 

اصح.. أيها المسرح الغنائى

 

كنت تسير فى طريق لم يجرؤ غيرك على السير فيه وهو طريق الأوبريت والأغانى القصيرة الخفيفة والجماعية، هل كان ذهابك إلى أغنيات التطريب الطويلة إعلانا عن هزيمة هذا الاتجاه فى نفسك الفنانة؟

 

لم يكن كذلك، فقط أود أن تعرفوا جميعا أن هذا الاتجاه مرهون بمن يبدع له فى نطاق تأليف الكلمة والذين قدموا مؤلفات فى هذا الإطار كانوا صلاح جاهين وعبدالفتاح مصطفى، فلم تعد هناك نصوص لأغان قصيرة أو جماعية، أما الأوبريت والصورة الغنائية فقد اختفيا بسبب الغلاء فلو أردت أن أستخدم مطربا اليوم ليقول «حمص.. حمص» فسوف يكلفنى مالا، فما بالك لو كان الأمر يتعلق بصورة غنائية لسوق فيها 50 بائعا!!

 

وهل يعنى هذا أيضا أن مسرحا غنائيا لن يستطيع أن يضيء لافتته فى القاهرة؟

 

.. هناك من يقارن للأسف بيننا وبين الخارج فيقولون لماذا لا ينشأ عندنا مسرح مثل المسرح الإنجليزى وأقول لهم أخطأتم إن عندنا مسرحاً لا يقل عظمة ولكن بينما يستمر المسرح الإنجليزى فى تقديم مسرحياته لسنوات ويبدل الممثلين ويستقبل الجمهور، فإن مسرحنا يتصرف بطريقة مختلفة.. عملنا الحرافيش مثلا وكلفناها من أوركسترا إلى كورال حتى أقبل الجمهور، وبعد شهرين صاح صائح «الغ يا جدع، وألقيت النوت إلى غرفة قديمة وانفرط عقد المجموعة التى شربت روح العمل لماذا؟ لا تعرف.

 

الحل فى مسرحنا الغنائى يكمن ببساطة فى إعادة الأعمال العظيمة التى أنتجناها من قبل.. دائرة الطباشير والإنسان الطيب والصفقة والحرافيش..

 

وماذا إذن عن مسرح العرائس؟

 

فى مسرح العرائس كان الأمر أصعب فأنا لم أكن ألحن فقط نصوصا جميلة، ولكن كان على أن أوائم اللحن مع حركة العروسة، وقدرات لاعب العروسة، فعندما كان أحد اللاعبين يشعر أن الحركة صعبة عليه، كنت أذهب إليه بالعود وأعاشر عمله وأقول له هل تريد أن أجعل لك الجملة الموسيقية هكذا أو هكذا، حتى تستريح حركة العروسة واللاعب تماما.

 

ومع ذلك دعنى أقل لك شيئا بالنسبة لمسرح العرائس، لقد قدمت فيه الليلة الكبيرة وحمار شهاب الدين، والقيراط حورية والفيل النونو الغلاباوى لصلاح جاهين وحكاية سقى لسمير عبد الباقى، وأعمالا أخرى كثيرة بحيث قمت بتلحين 10 من أعمال مسرح العرائس، ومع ذلك فقد سافرت فرقة هذا المسرح إلى الخارج عشرات المرات لتعرض الليلة الكبيرة، ولم توجه لى دعوة أو حتی لصلاح جاهين إنما فقط عند العودة يأتى مسئولو المسرح ليقولوا لى يا سلام يا أبو السيد لما تقعد فى لندن وتسمع الجمهور يردد حمص حمص ومع السلامة يا أبو عمة مايلة، فأقول له متشكر يا أخى!!

 

وحتى هذه اللحظة لم نتقاضَ مليما واحدا من مسرح العرائس عن الليلة الكبيرة بل إن بعض الناس اعتبروا هذا العمل تراثا «فولكلور» وأخذوه دون دفع مليم مثل «الفور إما» وغنوه بمنتهى الإقدام كأننا غير موجودين.

 

تذكر وتتذكر الليلة الكبيرة ولكننى أرى أن حمار شهاب الدين أجمل من الناحية الفنية مليون مرة ما هو السر إذن فى هذا الانتشار الخرافى لليلة الكبيرة؟

 

السر هو التليفزيون لأن المشرفين عليه لا يجهدون أنفسهم فى البحث، فهم مثلا حينما يريدون تسجيل أذان الصلاة يسألون من هو أحسن قارئ فيعرفون أنه الشيخ محمد رفعت فيقومون بتصوير أذان واحد له هو ذلك الذى يسمعه الناس يوميا وهو من مقام السيكا ونسوا أن هناك عدة أداءات للأذان من الشيخ رفعت كما أن هناك مشايخ عمالقة آخرين مثل على محمود والشعشاعى وطه الفشنى وهم قراء لا يمكن أن يجود الزمان بمثلهم ولهم أداء جميل فى الأذان ومع ذلك فقد توقف التليفزيون عند هذا الأذان للشيخ رفعت ولم يحاول أن يمد بصره لشيء آخر، وهكذا الأمر بالنسبة لمسرح العرائس فهم لا يعرفون إلا الليلة الكبيرة وهم مسئولون عن عدم شهرة حمار شهاب الدین.

اصح.. يا سياسة

 

هل يفسد الإحساس الشعبى عند الفنان إذا ما اكتفى اقتصاديا واستسلم لخدر ونعومة الانتقال إلى طابق أعلى فى بناية المجتمع؟

 

لا يصل أى منا - فى الظروف الطبيعية - لطابق أعلى فى المجتمع إلا لأنه حصل علما أعلى، الفنان يعكس فى مزاولته لعمله احترام الإحساس بآدمية الآدميين وهذا أمر لا يفسد ولا يتغير.

 

كيف كانت طبيعة علاقتك السياسية بأشعار فؤاد حداد وصلاح جاهين؟

 

فؤاد حداد وصلاح جاهين أصحاب كلمة جديدة اشتقت من قلب المجتمع الجديد لتحمل أفكاره عن السياسة وكل شيء وكلام أغنياتهم كان جديدا ينطق بشكل جديد وبالتالى التقينا لأعبر موسيقيا عن هذه الأفكار والكلمات.

 

وهل يجب أن تكون مقتنعا تماما بمضمون كلمات أغنياتك السياسية؟

 

نعم.

 

وهل كنت مقتنعا حينما غنيت «وكان قلبي معاك طول ما أنت هنا»؟

 

تماما ففي هذا الظرف كان الاتجاه للسلام هو أحكم قرار.

 

ألا يناقض هذا هتافك الذى غناه المصريون معك «حنحارب»؟

 

الظروف مختلفة فى أول عهد الثورة، من الذى لم يكن مقتنعا بأن يجود بحياته فى سبيلها عندما حدث العدوان الثلاثى كان كل مصرى يحمل قطعة سلاح، والجيش الشعبى كان يستوعب طاقة الجميع، حين إذن يكون الكلام هو حنحارب.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة