تبدأ اليوم محكمة جنح مدينة نصر أولى جلسات محاكمة المتهمين في واقعة وفاة السباح الطفل يوسف محمد أحمد عبد الملك، بطل الجمهورية في السباحة، وهي القضية التي هزّت الشارع الرياضي وأثارت تساؤلات واسعة حول منظومة الأمان داخل البطولات الرسمية للأطفال.
ويُحاكم في القضية رئيس وأعضاء مجلس إدارة اتحاد السباحة، والمدير التنفيذي للاتحاد، ورئيس لجنة المسابقات، ومدير البطولة، والحكم العام، وثلاثة من طاقم الإنقاذ، لاتهامهم بالتسبب خطأ في وفاة المجني عليه نتيجة الإهمال والتقصير.
لم يكن يوسف محمد أحمد عبد الملك مجرد طفل مشارك في بطولة، بل كان أحد الأبطال الصاعدين في رياضة السباحة، وسبق له تحقيق بطولات على مستوى الجمهورية، ما جعل رحيله المفاجئ صدمة كبيرة لأسرته وزملائه ومدربيه.
وخلال مشاركته في بطولة الجمهورية للسباحة، وأعقاب انتهاء أحد السباقات، فقد يوسف وعيه وسقط في قاع المسبح، دون أن يُلاحظ سقوطه أو يتم التدخل السريع لإنقاذه، بحسب ما كشفته التحقيقات.
ووجهت النيابة العامة للمتهمين تهم الإهمال والتقصير في أداء مهامهم الوظيفية، والإخلال بواجبات العمل، وتعريض حياة الأطفال المشاركين في البطولة للخطر، نتيجة سوء التنظيم وغياب الضوابط الفنية والطبية اللازمة.
وأكدت التحقيقات أن الواقعة لم تكن حادثًا عارضًا، بل نتيجة سلسلة من الأخطاء التنظيمية، أبرزها عدم الجاهزية الفنية، وعدم توافر العدد المناسب من المنقذين، وسوء إدارة زمن وعدد السباقات.
وكشف تقرير مصلحة الطب الشرعي والمعمل الباثولوجي أن جسد الطفل المجني عليه خالٍ تمامًا من أي أمراض أو مواد منشطة أو مخدرة، وأن سبب الوفاة هو إسفكسيا الغرق.
وأوضح التقرير أن الوفاة حدثت إثر فقدان المجني عليه وعيه عقب نهاية السباق، وسقوطه في قاع المسبح، ما أدى إلى توقف عضلة القلب وفشل وظائف التنفس وحدوث الوفاة.
وشهدت الطبيبة الشرعية بأن الإجراءات الطبية التي اتُّخذت عقب انتشال الطفل كانت محاولات اجتهادية ولم يشبها أي تقصير طبي، إلا أنها لم تُفلح بسبب طول فترة بقاء الطفل فاقدًا للوعي في قاع المسبح.
وتطابقت هذه الشهادة مع أقوال الأطباء والمسعفين الذين شاركوا في محاولات إنقاذه، ومن بينهم أحد أولياء أمور السباحين، وهو طبيب استشاري قلب أطفال.
وأظهرت تحقيقات النيابة العامة، بعد استجواب مسؤولي اتحاد السباحة، أن الأغلب الأعم من القائمين على إدارة البطولة لا يتمتعون بالخبرة أو الدراية الكافية بالقواعد التنظيمية والفنية لإدارة رياضة السباحة.
كما ثبت عدم اختيار عناصر مؤهلة فنيًا أو لائقة صحيًا للقيام بمهام تنظيم البطولة، وهو ما أكدته شهادات عدد كبير من أولياء الأمور والقائمين على إدارة المسابح، الذين تحدثوا عن عشوائية التنظيم وعدم تناسب أعداد السباحين مع زمن البطولة والمسابح المخصصة لها، سواء خلال فترات الإحماء أو أثناء السباقات.
وتساندت الأدلة القولية والفنية والرقمية التي جمعتها النيابة العامة، إضافة إلى المحاكاة التصويرية التي أُجريت لتوضيح كيفية حدوث الواقعة، على صحة إسناد الاتهام للمتهمين جميعًا، باعتبارهم مسؤولين مسؤولية كاملة عن الإهمال الذي أدى إلى وفاة الطفل، وتعريض حياة باقي الأطفال المشاركين للخطر.
ومع انطلاق أولى جلسات المحاكمة اليوم، تترقب أسرة الطفل يوسف والرأي العام ما ستسفر عنه ساحات القضاء، في قضية باتت رمزًا للمطالبة بمحاسبة المقصرين، وجرس إنذار لإعادة النظر في منظومة تنظيم البطولات الرياضية للأطفال، حتى لا تتكرر مأساة بطل صغير دفع حياته ثمنًا للإهمال.