بين تاريخ كروى مشرف، وحاضر أصبح يسوده التفاؤل، ومستقبل أكثر طموحًا، التقينا بمهندس المنظومة الرياضية، هانى أبوريدة، رئيس الاتحاد المصرى لكرة القدم، ليأخذنا إلى أقرب نقطة نوضحها للجماهير عن حال الكرة المصرية، فى ظل أجواء تسودها الثقة والتفاؤل بعد تأهل المنتخب الأول إلى نهائيات مونديال كأس العالم 2026.. ويكشف «أبو ريدة»، الذى فتح قلبه للحديث عن مرحلة جديدة من مسيرة الكرة المصرية، أن العودة للمونديال لم تكن نهاية المطاف، بل بداية لطريق أكثر تحديًا وطموحًا، متحدثًا عن كواليس التأهل، ورؤيته لفرص الفراعنة فى البطولة الكبرى، وخطط الجبلاية لتجهيز الفريق بالشكل الأمثل، كما تطرق لدور وزارة الشباب والرياضة بقيادة الدكتور أشرف صبحى فى دعم المنتخبات الوطنية، وتطوير البنية الأساسية، وبناء أجيال جديدة من اللاعبين والمدربين والحكام.. وإلى نص الحوار:
كيف تقيّم تأهل المنتخب المصرى إلى المونديال بقيادة العميد؟
أولًا، أود أن أؤكد أن ما تحقق هو إنجاز وطنى كبير بكل المقاييس، والتأهل إلى كأس العالم للمرة الرابعة فى تاريخنا، والثانية خلال أقل من عقد، هو ثمرة عمل جماعى وتكامل بين جميع مؤسسات الدولة الرياضية، وعلى رأسها وزارة الشباب والرياضة واتحاد الكرة والجهاز الفنى بقيادة التوأم، ولقد خضنا مشوارًا صعبًا ومليئًا بالتحديات، سواء من ناحية المنافسين أو من ناحية الضغوط الجماهيرية والإعلامية، لكن الجهاز الفنى واللاعبين أظهروا شخصية المنتخب المصرى الحقيقية، والكابتن حسام حسن أعاد روح التحدى والإصرار، واستطاع أن يوظف العناصر المتاحة بأفضل شكل ممكن، وخلق حالة من الانسجام والالتزام داخل الفريق، وبصراحة، كنت على ثقة منذ البداية أن المنتخب سيحقق هذا الهدف، لأن لدينا مجموعة من اللاعبين المميزين، وجهازًا فنيًا يملك الحماس والخبرة والقدرة على تحفيز الجميع.
برأيك ما حظوظ المنتخب فى كأس العالم المقبلة فى أمريكا؟
الحديث عن الحظوظ فى بطولة بهذا الحجم يجب أن يكون واقعيًا ومدروسًا، نحن نعلم أن كأس العالم بطولة تجمع نخبة المنتخبات، ومستوى المنافسة فيها عالٍ للغاية، لكن فى الوقت نفسه، لا شيء مستحيل فى كرة القدم، المنتخب المغربى على سبيل المثال قدّم نموذجًا يُحتذى به فى مونديال 2022 عندما وصل إلى نصف النهائى، وهذا دليل على أن المنتخبات الإفريقية والعربية قادرة على المنافسة إذا أُعدّت جيدًا، هدفنا الآن أن ندخل البطولة بمنتخب قوى ومتكامل من جميع الجوانب بدنيًا، فنيًا، وذهنيًا وأن نقدم أداءً يليق بتاريخ مصر العريق، نحن لا نذهب للمشاركة فقط، بل للمنافسة بشرف، ولدينا ثقة أن مصر يمكن أن تصل إلى الأدوار المتقدمة، إذا سارت الأمور كما نخطط لها.
وماذا عن خطة الجبلاية خلال المرحلة المقبلة استعدادًا للمونديال؟
بدأنا بالفعل فى وضع خطة متكاملة تمتد حتى يونيو 2026، تشمل برامج إعداد طويلة المدى، ومعسكرات تدريبية دولية، وتنسيقًا متواصلًا مع وزارة الرياضة لتوفير كل ما يحتاجه المنتخب، سنعمل على تنظيم سلسلة من المباريات الودية مع مدارس كروية مختلفة، سواء من أمريكا الجنوبية أو أوروبا أو إفريقيا، حتى يكتسب اللاعبون خبرة الاحتكاك بمدارس متنوعة، وكما نعمل على تطوير البنية التحتية للمنتخبات من خلال مركز المنتخبات الوطنية بمشروع الهدف بمدينة السادس من أكتوبر، الذى أصبح مقرًا حديثًا ومتكاملًا للتدريب والإقامة والتحليل الفنى، بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة، لدينا أيضًا لجنة فنية تضم أسماء كبيرة، مثل الكباتن: حسن شحاتة، محسن صالح، علاء نبيل، وحلمى طولان، وهى لجنة تتابع أداء المنتخب وتقدم توصيات مستمرة حول الخطط الفنية والتطويرية.
لذا أنت ترى أن منتخب مصر قادر على المنافسة فى المونديال وليس فقط الظهور المشرف؟
نعم، لدينا كل المقومات التى تؤهلنا للمنافسة وليس التمثيل فقط، فالكرة المصرية تملك تاريخًا كبيرًا، ولاعبين محترفين فى أكبر الدوريات الأوروبية، بالإضافة إلى جهاز فنى وطنى يملك طموحًا لا حدود له، لكن المنافسة فى المونديال تتطلب إعدادًا خاصًا ومختلفًا عن البطولات الإفريقية، لأننا سنواجه منتخبات تلعب بأنظمة حديثة وسرعات عالية، لذلك نعمل على إدخال التكنولوجيا الحديثة فى تحليل الأداء، والاستفادة من خبرات الاتحاد الدولى فى مجالات الإعداد البدنى والنفسى، نحن أيضًا فى تواصل دائم مع الأندية المصرية، خاصة الأهلى وبيراميدز والزمالك، لضمان تنسيق كامل بين مشاركاتهم القارية واستعدادات المنتخب، والفكرة أن نخلق منظومة واحدة تعمل لهدف واحد: رفع اسم مصر عالميًا.
حدثنا عن دور وزارة الشباب والرياضة والدكتور أشرف صبحى فى دعم المنتخبات؟
بكل صدق، ما يقدمه الدكتور أشرف صبحى من دعم وتعاون للاتحاد والمنتخبات الوطنية غير مسبوق، الوزارة شريك رئيسى فى كل ما ننجزه، وهناك تناغم كامل بيننا فى تنفيذ الخطط التطويرية سواء للمنتخب الأول أو لبقية المنتخبات بمختلف الأعمار السنية، والوزير يتابع باستمرار كل تفاصيل العمل داخل الاتحاد، ويوجه بتذليل أى عقبات أمام المنتخبات، ويدعم كل ما من شأنه رفع اسم مصر رياضيًا، الاجتماع الأخير الذى عقدناه بمقر مشروع الهدف كان نموذجًا لهذا التعاون، حيث ناقشنا إنشاء 27 مركز تدريب متخصصا فى مراكز الشباب بجميع المحافظات، بهدف اكتشاف المواهب وتغذية المنتخبات بلاعبين مميزين، كما أن الوزارة تشرف على مشروعات قومية مثل كابيتانو مصر ودورى المدارس ومراكز الشباب، وهى مشروعات تصب مباشرة فى مصلحة المنتخبات القومية، وأرى أن ما يحدث الآن هو تأسيس حقيقى لنهضة كروية جديدة فى مصر.
بعد التأهل لكأس العالم، أمام المنتخب مهمة قارية فى كأس «الكان» بالمغرب بعد شهرين.. كيف تستعدون لذلك؟
بالطبع، بطولة الأمم الإفريقية لا تقل أهمية عن كأس العالم، لأنها تعكس قوة المنتخب على مستوى القارة، و نسعى لتحقيق اللقب، لأن مصر بطبيعتها دولة البطولات، وجماهيرها لا ترضى إلا بالمركز الأول، واتحاد الكرة يعمل مع الجهاز الفنى على إعداد جدول متكامل للمعسكرات والمباريات الودية، مع التركيز على الجانب البدنى والطبى للاعبين، لأن البطولة تأتى بعد موسم طويل ومجهد، وزارة الرياضة وفرت لنا كل الدعم اللوجستى من إقامة ومعسكرات وملاعب تدريب على أعلى مستوى، وهناك تنسيق كامل مع الجانب المغربى لتوفير أفضل الأجواء للمنتخب خلال البطولة، وأثق أن المنتخب سيظهر بصورة قوية فى المغرب، ولدينا هدف واضح وهو العودة بالكأس.
فى حال لم يحقق المنتخب لقب أمم إفريقيا، هل يمكن أن يتعرض حسام حسن للإقالة؟
لا.. نحن لا نتعامل بعقلية ردّ الفعل، واتحاد الكرة يؤمن بالاستقرار الفنى، وحسام حسن يقود مشروعًا متكاملًا، وليس مجرد بطولة، ونحن نحاسبه على المنظومة والنتائج العامة والتطور فى الأداء، وليس فقط على لقب واحد، المنتخب فى مرحلة بناء وتجديد دماء، ومن الطبيعى أن تكون هناك تحديات وصعوبات، لكننا نثق فى الجهاز الفنى، وندعمه بشكل كامل، والهدف أن نصل إلى كأس العالم بفريق قوى ومتجانس، وهذا يتطلب صبرًا واستمرارية.
إلى أى مدى وصل دعم الاتحاد والوزارة للمنتخب خلال الفترة الأخيرة؟
الدعم وصل إلى كل التفاصيل الدقيقة، بدءًا من توفير معسكرات خارجية على مستوى عالمى، وتأمين مباريات ودية مع منتخبات من الصف الأول، مرورًا بتحديث منظومة التحليل والأداء، ووصولًا إلى الجانب الطبى والتغذية، لدينا الآن فريق طبى متكامل بإشراف الدكتور محمد أبو العلا، يعمل وفق أحدث المعايير الدولية، كما تم تجهيز قاعة تحليل بيانات متقدمة داخل مشروع الهدف لقراءة كل صغيرة وكبيرة فى أداء اللاعبين، والوزارة من جانبها خصصت ميزانية استثنائية لدعم المنتخب الأول خلال العامين المقبلين، وهو ما يعكس الثقة المتبادلة بين الحكومة واتحاد الكرة.
وماذا عن تطوير المنتخبات الأخرى واللجان الفنية داخل الاتحاد؟
لا نركز فقط على المنتخب الأول، بل نعمل على تطوير جميع المنتخبات القومية، بداية من الناشئين وحتى المنتخب الأولمبى، ولدينا خطة طويلة المدى لإعادة مصر إلى منصات التتويج فى كل الفئات، واللجنة الفنية باتحاد الكرة، والتى تضم أسماء كبيرة مثل الكابتن حسن شحاتة وعلاء نبيل ومحسن صالح، تتابع بشكل دورى أداء المنتخبات وتقدم توصيات فنية وإدارية لتصحيح أى مسار، وكما بدأنا فى مشروع جديد لتطوير التحكيم المصرى، عبر تقليل سن القبول إلى 15 سنة فى أكاديميات التحكيم، لتخريج جيل شاب ومحترف من الحكام، بالإضافة إلى خفض سن الحكم الدولى إلى 30 سنة فقط، وهذه خطوات مدروسة لتأهيل كوادرنا للمستقبل؛ لأن التحكيم جزء أساسى من منظومة كرة القدم.
وهل هناك توجيهات من الاتحاد الدولى أو الإفريقى لدعم هذه الخطط؟
نعم، نحن على تواصل دائم مع الاتحادين الدولى (فيفا) والإفريقى (كاف)، وهناك دعم فنى كبير لمشروعات التطوير، ومشروع الهدف فى 6 أكتوبر حصل على إشادات واسعة من مسئولى الفيفا، باعتباره أحد أفضل المراكز التدريبية فى المنطقة، وكما أن وجودى ضمن أعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا يمنح مصر صوتًا قويًا داخل المنظومة الدولية، ويتيح لنا فرص دعم إضافية سواء فى التمويل أو البرامج الفنية.
كلمة للجماهير المصرية بعد التأهل للمونديال؟
أقول لجماهير مصر، هذا الجيل يستحق دعمكم وثقتكم، لأن ما تحقق لم يأتِ بالصدفة، نحن أمام مرحلة جديدة فى تاريخ الكرة المصرية، نعمل فيها بروح الفريق الواحد من أجل مستقبل أفضل، وأعدكم أن يكون المنتخب المصرى حاضرًا بقوة فى كأس الأمم الإفريقية، ومشرفًا فى كأس العالم 2026؛ لأن مصر تستحق أن تكون فى الصفوف الأولى دائمًا، كرة القدم المصرية ستظل عنوان الفخر والانتماء، وسنواصل العمل من أجل إسعاد هذا الشعب العظيم.
هناك مَن يرى أن الكرة المصرية بحاجة لإعادة هيكلة فى منظومة الناشئين.. ما رأيك؟
أتفق تمامًا، لا يمكن بناء منتخب قوى دون قاعدة ناشئين قوية ومنظمة، لذلك وضعنا خطة طويلة المدى لتطوير الناشئين بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة ووزارة التربية والتعليم، ونعمل حاليًا على مشروع قومى جديد لاكتشاف المواهب، يُضاف إلى مشروعات قائمة مثل «كابيتانو مصر ودورى المدارس ودورى مراكز الشباب»، وهذه المبادرات تمثل خزانًا استراتيجيًا للمنتخبات الوطنية، كما تم الاتفاق على إنشاء 27 مركز تدريب متخصصا فى مراكز الشباب المؤهلة بالمحافظات، تعمل بالتنسيق الكامل مع مركز المنتخبات الوطنية فى 6 أكتوبر، هذه المراكز ستعتمد على تقنيات التحليل الرقمى لتقييم المواهب، وستدار بمعايير احترافية لتخريج لاعبين قادرين على تمثيل مصر فى المستقبل.
وهل هناك خطة محددة لدعم الاحتراف الخارجى للاعبين المصريين؟
نعم، هذا ملف مهم للغاية، لأننا نؤمن بأن الاحتراف الخارجى هو وسيلة لتطوير مستوى اللاعب المصرى، ولدينا اتفاقيات تعاون مع اتحادات أوروبية عديدة، مثل البرتغال وبلجيكا وفرنسا، لتسهيل انتقال المواهب المصرية إلى الأندية هناك، وكما نعمل مع وزارة الهجرة على مبادرة «اللاعب المصرى فى الخارج»، لمتابعة المحترفين المصريين وتقديم الدعم لهم من خلال الملحقيات الرياضية بالسفارات، ونسعى أيضًا إلى فتح أسواق جديدة للاعبين المصريين فى الدوريات الإسكندنافية وأمريكا الجنوبية، لأننا نريد أن تكون كرة القدم المصرية منتشرة عالميًا، لا مقتصرة على أوروبا فقط.
وهل ترى أن تجربة حسام حسن مع المنتخب يمكن أن تفتح الباب لمدربين وطنيين آخرين؟
بالطبع، وأنا من أنصار المدرسة الوطنية فى التدريب، لدينا جيل كبير من المدربين المصريين المميزين، لكنهم يحتاجون إلى الثقة والفرصة، وحسام حسن نموذج للمدرب الذى يجمع بين الحماس والانضباط والقدرة على إدارة غرفة الملابس، نجاحه الحالى سيمنح دفعة لبقية المدربين الوطنيين لتولى مسئوليات أكبر فى المستقبل، سواء فى المنتخبات أو الأندية، والاتحاد يدعم فكرة تأهيل المدربين المصريين بالحصول على رخص التدريب الدولية، ونحن نعمل مع الاتحاد الإفريقى والآسيوى لتوسيع قاعدة التدريب والتعليم الفنى داخل مصر.
إلى أين وصل مشروع الكرة النسائية فى مصر؟
كرة القدم النسائية تشهد طفرة حقيقية فى مصر خلال السنوات الأخيرة، لدينا الآن دورى منتظم، ومنتخب وطنى أول ومنتخب للناشئات، كما نشارك فى بطولة دورى أبطال إفريقيا للسيدات، ونعمل مع وزارة الرياضة على توفير دعم مالى وفنى للأندية النسائية، ونجهز لإطلاق أكاديمية وطنية لكرة القدم النسائية تكون مقرًا لتخريج لاعبات محترفات، والاهتمام من الفيفا والكاف بهذا المجال متزايد، ومصر يجب أن تكون فى الصدارة.
البعض يتحدث عن ضرورة إعادة النظر فى نظام المسابقات المحلية، خاصة كثافة المباريات.. ما تعليقك؟
هذه ملاحظة فى محلها، ونظام المسابقات يحتاج إلى إعادة تنظيم لضمان العدالة وتكافؤ الفرص بين الأندية، مع مراعاة المشاركات القارية والدولية، ونحن نعمل مع رابطة الأندية على وضع رزنامة موحدة تبدأ فى وقت محدد وتنتهى فى وقت محدد دون تمديدات، كما ندرس إدخال نظام الرزنامة الإلكترونية لتحديد مواعيد كل المسابقات سلفًا، بما يتوافق مع أجندة الفيفا والكاف، والاستقرار فى المواعيد سيؤدى إلى تحسين الأداء الفنى للأندية والمنتخبات، ويعيد الثقة للمشجعين والرعاة.
أخيرًا.. ما رؤيتك لمستقبل كرة القدم المصرية خلال السنوات الخمس القادمة؟
رؤيتى واضحة ومبنية على أسس واقعية، أريد أن أرى كرة القدم المصرية مؤسسة مستقرة، محترفة، تُدار بعلم واقتصاد وشفافية، خلال خمس سنوات، سنرى منتخبات قوية فى كل الفئات، ودوريًا منظمًا، وتحكيمًا شابًا حديثًا، وبنية تحتية متكاملة فى كل محافظة، سنواصل دعم المنتخب الوطنى ليكون حاضرًا فى المونديال المقبل، وسنُعيد بناء صورة الكرة المصرية فى الخارج بما يليق بتاريخها ومكانتها، وما أريده هو أن تبقى مصر قائدة لكرة القدم فى إفريقيا والعالم العربى، لا فقط بفريقها الأول، بل بمنظومتها المتكاملة من الناشئين إلى المحترفين.