فى هذا المبنى العريق، كان لقاؤنا مع السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، وهو رجل الدبلوماسية الهادئة، وصاحب الفكر المنظم، استقبلنا بابتسامة صافية بلا تكلف، وترحاب فطرى بلا تصنع، وكرم متجذر من أصوله الصعيدية، وكأن بيننا معرفة قديمة رغم أن اللقاء هو الأول، سارع إلينا فور دخول مكتبه الفسيح، وهو يشير براحة يده كاملة لكى نجلس فى الصالون بجواره، مما جعلنا نشعر بحميمية اللقاء، وهنا تبددت كل المحاذير، وذابت جميع الثلوج، ووجدنا أنفسنا نتخلى عن هواجسنا المسبقة فى فتح أبواب الحديث، أو التدقيق فى اختيار الكلمات، فتتابعت الأسئلة، وتوالت الاستفسارات بشكل تلقائى.
وزاد من حلاوة الجلسة فى حضرة الأمين العام المساعد لبيت العروبة، حديثه الجميل بحنين واعتزاز عن مجلة «المصور» التى تربى على قراءتها منذ الصغر، وابتهج حين أهديناه العدد التذكارى للمئوية الأولى لتلك المجلة العريقة، وقد رأى بين صفحاته صورة لاجتماع الجامعة الأول، فلمعت عيناه بالفخر بتاريخ شارك فى صنع امتداده.
جلسنا إليه ونحن نحمل فى جعبتنا أسئلة عديدة واستفسارات كثيرة عن القضايا العربية الملحة وعلى رأسها فلسطين، السودان، ليبيا، لبنان، سوريا، لم يتردد لحظة، ولم يطلب الاطلاع عليها مسبقا، بل أجاب عنها بلباقة الدبلوماسى وحنكة المسئول، يزن الكلمة بميزان الذهب، يدرك عمق معناها ودلالتها، قبل أن ينطق بها، يدرك بحسه السياسى وخبرته الطويلة فى التعامل مع أهل الصحافة والميديا شغفهم للمعلومة الدقيقة، وحرصهم على معرفة كواليس المواقف وأسرار الوقائع، مما جعله لا يتردد فى إشباع رغبتنا بإجابات شافية وردود شاملة لكل علامات الاستفهام التى وضعناها أمامه حتى لو طلب بعد إجلاء الغموض عدم النشر، لأنه لكل مقام كلام، وليس كل ما يُعرف يُقال خصوصا أن كل دولة عربية لديها مبررات منطقية من وجهة نظرها فى أى موقف، ودور الجامعة العربية الدفع إلى التوافق لا الاختلاف، والتركيز على الأمور التى توحد الصف العربى مع تجنب نقاط الفرقة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
خرجنا من هذا اللقاء الذى امتد لأكثر من ساعة ونصف الساعة، رغم أنه كان مقررا له نصف ساعة فقط، ونحن نحمل فى ذاكرتنا ليس فقط إجابات على الأسئلة، بل انطباع عن رجل جمع بين الرصانة والبساطة، بين التاريخ والحاضر، وبين حلم الوحدة العربية وإيمان صادق بإمكانية تجديده، ولابد من التمسك بالأمل، فلدى العواصم العربية الكثير من الروابط، والعديد من القدرات التى يمكن استثمارها لصالح الأمن القومى العربى، خصوصا فى هذه المرحلة الصعبة فى مسار المنطقة كلها، وما تموج به من محاولات التدخل فى الشئون الداخلية للدول، وما تتعرض له من مؤامرات خبيثة ومخططات هدامة.
أولا نشكركم على حسن الاستقبال وكرم الضيافة، كما نثمن تقديركم لمجلة «المصور» ولدورها التنويرى... لكن قبل أن نبدأ حوارنا: دعنا نسألكم عن رمزية هذه الجدارية المعلقة أعلى مكتبك عن فلسطين؟
هذه اللوحة أو الجدارية ترافقنى فى كل انتقالاتى من مكتب إلى آخر، وكانت موجودة أيضا فى مكتبى القديم، ولها قصة شخصية بالنسبة لي.. هى إحدى اللوحات المهداة إلينا من فنان فلسطيني، وموجودة منذ سنوات طويلة فى الجامعة، ومنذ اللحظة الأولى التى توليت فيها مسئولية الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حرصت على أن تبقى هذه الجدارية أعلى مكتبى أينما انتقلت، وستبقى كذلك حتى أغادر مكتبي.
فهى تحمل رمزية كبيرة، لأنها تعبر عن قضيتنا الأولى على صعيد مصر والعرب، وهى القضية الفلسطينية، وهى رسالة لكل من يزور مكتبى فى جامعة الدول العربية بأن هذا المكتب ملتزم بالدفاع عن القضية الفلسطينية، وأن هذه اللوحة الخاصة بفلسطين تمثل عنوان هذا الالتزام.
طالما الحديث أخذنا إلى القضية الفلسطينية.. فإن قمة شرم الشيخ للسلام، أسفرت عن وقف فعلى للحرب الغاشمة التى استمرت عامين كاملين.. فكيف تنظر إلى نتائج هذه القمة الفارقة.. وإلى أى مدى تمثل علامة مهمة فى مسار الصراع الفلسطينى الإسرائيلى؟
قمة شرم الشيخ للسلام كانت علامة فارقة فى المسار الصعب، فالوضع الذى كان قائما ودخلت فيه المنطقة فيما يشبه الحرب الإقليمية، كانت نواتها حرب الإبادة على غزة، ولكن لم تقتصر الأمور على القطاع فقط، بل امتدت دوامة الاعتداءات إلى دول أخرى، كان آخرها الاعتداء الذى حدث فى الدوحة، وبعد هذا الاعتداء الأمور بدأت تأخذ منحى مختلفا، وأدرك الجميع أن الأمور فعلا تكاد تخرج عن السيطرة. وهنا طبعا لابد أن نشير إلى الدور المصرى المهم فى موضوع إنهاء الحرب، لأنه بدون هذا الدور أعتقد أن الأمور كانت ستصبح صعبة للغاية، نحن جميعا نعلم أن مصر وسيط نزيه فى هذا النزاع، وهى تلعب دورا مهما فى هذا الأمر، والحقيقة مع الوسطاء الآخرين تمكنت من أن تصل إلى وضع حد للحرب، وهنا أيضا نذكر الدور المهم لكل من قطر وتركيا وأيضا الدور الفاعل للرئيس الأمريكى ترامب والإدارة الأمريكية فى التوصل إلى نهاية الحرب.
ما أبرز العقبات التى تواجه الوسطاء اليوم فى سبيل تثبيت هذا الوضع؟ وكيف يمكن تثبيت وقف إطلاق النار والحفاظ على هذا الإنجاز؟ وفى الوقت نفسه ما دور جامعة الدول العربية فى دعم هذا الاتفاق الذى تم التوصل إليه بصعوبة؟
فيما يتعلق بالدور أو الوضع الخاص بإنهاء الحرب والتطورات ما بعد الوصول إلى وقف إطلاق النار، أولا نحن لا يغيب عنا إطلاقا أن إسرائيل معتادة على خرق أى وقف إطلاق النار مع أى طرف، وسبق أن فعلت هذا مع أطراف عربية أخرى تم التوصل فيها لتفاهمات واتفاقات.
ونحن فى الحقيقة فى ظل الوضع الحالى الذى نتحدث فيه، وهو وضع شائك، علينا نوحد جهود الوساطة، وأن يتحدث الجميع بلسان واحد، حتى يمكن أن نصل إلى نهاية حتمية.
فالجانب الإسرائيلى لديه أهداف بعضها معلن وبعضها غير معلن، ومستوى الثقة فى أداء إسرائيل وفى أهدافها مستوى متدنٍ للغاية، لأن التجربة تقول إن إسرائيل ترغب فى استمرار الحرب، وسبق أنها خرقت أو أنهت وقف إطلاق النار الذى سبق التوصل إليه فى شهر يناير الماضى بعد حوالى 60 يوما، وأعلنت أنها سوف تواصل عملياتها العسكرية.
فلا نريد أن نصل إلى هذه الوضعية مرة أخرى، نريد الحفاظ على وقف إطلاق النار حتى يمكن لأهلنا فى غزة أن يضعوا الحرب وراء ظهورهم ويبدأوا فى الالتفات إلى إزالة آثار العدوان وإعادة بناء ما تهدم من حياتهم ومبانيهم وبلدهم.
حقيقة التركيز يجب أن يكون على الحفاظ على وقف إطلاق النار.. وطبعا بطبيعة الحال هناك مسار مهم للغاية يتم للتفاوض على النقاط الواردة فى المرحلة الثانية من الاتفاق أو الخطة، المعروفة إعلاميا باسم خطة ترامب.
هذه المرحلة الثانية فيها ما يتعلق بالقوة الدولية التى من الممكن نشرها لكى تحفظ الأمن والسلم فى القطاع لفترة انتقالية، وفيها أيضا حديث عن وضعية حركة حماس، وهناك أفكار معينة يتم تداولها فى هذا الخصوص. ونأمل أن يتوصل الوسطاء إلى خلاصة جيدة ويتوصلوا إلى مسار يمكن الاتفاق عليه ما بين الأطراف ويتم تنفيذه بشكل جدي، لأن الهدف من كل هذه الجهود وتلك التحركات، هو إقامة الدولة الفلسطينية كهدف نهائى من أجل استقرار المنطقة كلها.
بالتالى أى حديث عن مراحل انتقالية أو ترتيبات أو إجراءات أو غيرها، يجب أن يضع نصب عينه أن الفلسطينيين من حقهم الحصول على دولتهم المستقلة، ويجب أن يساعدهم المجتمع الدولى فى هذا، لأن إسرائيل لن تساعدهم، وهذه مسألة لابد أن تكون واضحة لنا للجميع، لكن نحن دورنا أن نساعدهم، ليس فقط كعرب ولكن كمجتمع دولى يؤمن بأن حل الدولتين هو الحل الوحيد الذى يجلب الاستقرار والسلام فى هذه المنطقة.
إذا كنا نتحدث عن حل الدولتين وإفساح المجال للسلام كما أسست لذلك قمة شرم الشيخ، فقد تابعنا خلال الأيام الماضية قرار الكنيست الإسرائيلى بالموافقة على ضم الضفة الغربية.. كيف تنظر جامعة الدول العربية إلى هذا التناقض الواضح بين الموقفين؟ وما هو رد الفعل العربى تجاه هذه الخطوة الإسرائيلية الأخيرة؟
لا يجب أن يتوهم أى طرف من الجانب العربى أن الحكومة الحالية فى إسرائيل هى حكومة سلام أو حكومة يمكن أن تسعى إلى السلام على الإطلاق.
كل ما يمكن أن نأمل فى تحقيقه مع هذه الحكومة المتطرفة عبارة عن اتفاق مرحلى لعدم الاعتداء أو لوقف إطلاق النار، أو أنهم يغضون الطرف عن مسألة إعادة إعمار غزة ويسمحون بها بدلا من أن يضعوا كل العراقيل أمامها، هذا أقصى ما يمكن أن نتوقعه.
هذه الحكومة بقيادة نتنياهو وحلفائه من بن غفير وسموتريتش وغيرهم من المتطرفين غير قادرة على إقامة سلام، وليس لديها رؤية للسلام، ولا ترغب فى سلام ولا تتحدث عن سلام ولا شيء من هذا الأمر.
هى حكومة متطرفة، سياستها متطرفة، ولا تسعى سوى إلى تحقيق رؤية البعض فى مسألة التوسع الإسرائيلى على حساب كل الدول المجاورة، هذا هو الهدف، ونأمل أن هذا الأمر يتغير فى المستقبل، ولكن عندما تسألنى عن الواقع الحالي، فهذا هو الواقع الحالي.
فيما يتعلق بمسألة ضم الضفة الغربية.. رأينا رد الفعل العربى والدولي، حتى الدول التى كانت وقعت مع إسرائيل اتفاقات إبراهام، وفى مقدمتها الإمارات، أصدرت مواقف واضحة جدا فيما يتعلق بضم الضفة الغربية، وأعلنت رفضها التام لهذه الخطوة، فأى محاولة لضم أراضٍ فلسطينية هى انتهاك صارخ للقانون الدولى ولقرارات الشرعية الدولية، وهى خطوات مرفوضة جملة وتفصيلا، وسنواجهها بكل السبل على المستويين العربى والدولى.
هنا سؤال يفرض نفسه.. هل ترى أن مجرم الحرب نتنياهو له مستقبل فى الحكومة الجديدة؟.. أليس ممن الممكن للإسرائيليين أن ينتخبوا شخصية توقف نشر الكراهية ضدهم؟ وماذا عن قدرة المعارضة الإسرائيلية على تغيير المعادلة وإبعاد نتنياهو عن الحكم بما قد يفتح المجال لإقامة دولة فلسطينية وتحقيق السلام فى المنطقة؟
للأسف لا أستطيع أن أقول لك إجابة بنعم، نحن نتحدث فى هذا الإطار فقط من منظور التحليل والتنبؤ السياسى وليس من منظور التدخل فى شئون أى دولة.. لكن حتى من منظور التحليل السياسي، فنحن نستطيع أن نتنبأ بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالى نتنياهو لديه فرص قوية للعودة إلى الساحة ورئاسة الحكومة القادمة، فمن منظور التحليل لا يجب التعويل على غيابه عن الساحة السياسية، كل شيء وارد ولكن هذا الأمر لا يمكن التنبؤ إليه.
الأمر الآخر أنه ليس بالضرورة أن يكون لدىّ بديل من المعارضة خياره السلام، وأن هذا الأمر يؤدى إلى بزوغ الدولة الفلسطينية، لماذا؟ لأننا لاحظنا أن المجتمع الإسرائيلى كله على مدار السنوات السابقة تحول من منطقة سياسية أقرب إلى الوسط ما بين يمين ويسار، إلى منطقة سياسية فى اليمين، فى المعسكر اليمينى ما بين يمين اعتيادى قديم ويمين متطرف وشديد التطرف كما نرى ذلك فى عدة نماذج من أعضاء الحكومة الحالية.
فى ضوء الحديث عن قوة حفظ سلام محتملة فى غزة، أو مجلس دولى لإدارة القطاع.. كيف تنظر جامعة الدول العربية إلى هذا الطرح؟ وهل هناك تنسيق عربى بشأن المشاركة فيها؟
فى الحقيقة حتى الآن جامعة الدول العربية كمجلس جامعة لم يجتمع لكى يصيغ موقفاً عربياً موحداً كاملاً شاملاً فى هذا الموضوع، الموجود هو مواقف من دول مهتمة بالموضوع أكثر من غيرها، هناك دول تعمل فى المسألة بشكل مكثف، وعلى رأسها مصر، الأردن، السعودية، قطر، والإمارات، وهذه الدول تنسق دائما فيما بينها المواقف. وبكل تأكيد الأمين العام لجامعة الدول العربية له موقف معلن فى هذا الخصوص، وهى فى النهاية الأمين العام يقول الاتجاه العام المتوقع للدول، لكن ليس هناك موقف رسمى حتى هذه اللحظة.
لذلك عندما تسألنى عن هذا الموضوع، أقول لك الأساسيات ولا أصيغ موقفا عربيا، فالأساسيات هى أن لدينا عددا من المبادئ، أهم هذه المبادئ هو أن الفلسطينيين يحكمهم فلسطينيون، هذا هو مبدأ الحكم الذاتي، لأنه لو فرطت فى هذا المبدأ مرة للإسرائيلى ومرة لأطراف أخرى، سيفقد الشعب الفلسطينى قدرته على الحكم الذاتي، بينما نحن نكافح والإخوة الفلسطينيون يكافحون على مدار عقود لتطبيق فكرة الحكم الذاتي، ففكرة الدولة قائمة على الحكم الذاتي.
أما المبدأ الثانى المهم فهو تمكين الفلسطينيين من الحكم الذاتي، فهل القوة التى نتحدث عنها أو عن مجلس سلام أو كذا، هل هذه الآليات سوف تمكن الجانب الفلسطينى من أن يقوم بواجباته وسلطاته وصلاحياته فى حكم الشعب الفلسطيني، أم ستقوم هى بالنيابة عنه بهذا الأمور؟ هذه أسئلة ينبغى أن تكون واضحة فى أذهاننا.
بالتالى وانطلاقا من هذه المبادئ أقول إننا نرغب أن المجتمع الدولى كله، الإقليمى والدولي، يساعد الفلسطينيين على تحقيق الحكم الذاتي، هذا الحكم الذاتى يكون حكما رشيدا ويكون حكما جيدا، ويحقق للفلسطينيين تطلعاتهم ويساعدهم فى تجسيد حلم الدولة الفلسطينية.
عظيم.. لكن كيف نصل إليه؟
لكى نصل إلى هذا الهدف لابد أن يكون هناك توافق، ولابد أن يكون للفلسطينيين رأيهم فى هذا، فلا يمكن أن نقوم بترتيب شيء دون رأى الجانب الفلسطيني.
إجابتك تدفعنا لطرح هذا السؤال المركب: هل هناك نية داخل الفصائل الفلسطينية، وداخل السلطة الفلسطينية، للوصول إلى صيغة للتوافق الفلسطينى الفلسطيني؟ وما دور الجامعة العربية فى هذا؟ وهذا الأمر هو لب المشكلة، أن هناك مشكلة فى التعامل ما بين السلطة الفلسطينية والفصائل وتحديدا حماس.. فهل فعلا الفرصة متاحة لحدوث توافق فلسطيني فلسطينى بحيث يساعدون أنفسهم ويساعدون الدول العربية ويساعدون جامعة الدول العربية على تحقيق ذلك؟
هذا هو دور يقوم به الوسيطان العربيان ومعهما تركيا.. مصر لها دورها التاريخى فى هذا الأمر وتلعب دورها، ويتم تعزيز هذا الدور من قبل قطر وتركيا لكى تصل الأمور إلى تحقيق المصالحة الفلسطينية، هذا الهدف الذى نسعى إليه، وهو تحقيق المصالحة الفلسطينية.
مصر تستعد لعقد مؤتمر إعادة إعمار غزة .. إلى أى مدى جامعة الدول العربية داعمه لهذا المؤتمر.. وكيف تنظر لموقف الدول العربية فى هذا الشأن؟
نحن ندعم هذا المؤتمر دعما كاملا، وقد تحولت الخطة المصرية خلال القمة العربية غير العادية التى عقدت فى الرابع من مارس 2025 بالعاصمة الإدارية إلى خطة تحظى بدعم عربى شامل، غير أنه من الضرورى أن تقود التطورات والأحداث الجارية إلى انعقاد هذا المؤتمر، أن جامعة الدول العربية تؤيد بشكل كامل عقد هذا المؤتمر، كما نؤكد أهمية أن تقوم الجهات المعنية المصرية التى أعدت هذه الخطة بتطبيقها عمليا على أرض الواقع.
ماذا تقول للمفاوض المصرى الذى نجح فى إدارة أزمة حرب غزة، ووصل بعد عامين من المعاناة إلى وقف الحرب؟
أقول له كل التوفيق والتهانى على هذا الإنجاز الكبير.. الطريق لم يكن سهلا، لكن التحديات القادمة ما زالت كثيرة، ونتمنى لهم دوام النجاح واستمرار الجهد، لأن الإصرار والعمل الدءوب فى النهاية هما ما يقودان إلى تحقيق السلام والاستقرار.
اسمح لنا بالانتقال إلى الملفات العربية الأخرى.. حيث لدينا عدد من الملفات المشتعلة فى المنطقة، كيف تتعامل جامعة الدول العربية مع هذه التحديات المتنوعة، وبالأخص فى سوريا، حيث أشرت سابقا إلى أن «عودة سوريا إلى الحضن العربى مكسب كبير»؟ وكيف يمكن البناء على هذه العودة لتعزيز التضامن العربي، ودعم الشعب السورى عمليا على الأرض، مع مواجهة التحديات الحساسة فى المرحلة الانتقالية الحالية؟
أنت تطرح سؤالا فى غاية الأهمية، لأن التحديات التى تواجه منطقتنا غير مسبوقة، ونبدأ بسوريا، لأن سوريا مرت بأزمات عديدة وحروب ومشاكل، والشعب السورى دفع ثمنا غاليا لكل ما حدث، أحيانا كانت تدخلات خارجية، وأحيانا كانت بسبب النظام السابق، وأحيانا أخرى بسبب عوامل كثيرة أدت إلى الوضع الحالي.. نحن الآن فى سوريا جديدة، هذه الدولة الجديدة تحاول أن تعيد بناء سوريا كما تراها وكما يراها الشعب السوري.. نتمنى لهم كل النجاح، وأمامهم تحديات كثيرة جدا ولعل الفترة الماضية أوضحت أن هذه التحديات يجب التعامل معها بطريقة كلها حكمة وكياسة، لأن التحديات ضخمة ولا يجب الاستهانة بها.
الدولة السورية دولة مهمة فى المشرق العربى وفى عموم المنطقة العربية، وكلنا أمل فى أن تعود سوريا فى أقرب فرصة؛ لكى تتبوأ مكانها الذى تستحقه فى المنظومة العربية والإقليمية.
لكن ماذا عن استمرار إسرائيل فى التدخل بالشأن السوري؟ كل يوم نسمع عن توغلاتها العسكرية، وتصريحات مستفزة من وزراء مثل بن غفير وسموتريتش حول سوريا.. ما هى الأدوات المتاحة لتحجيم إسرائيل عن هذه التدخلات، وهل هناك دور يمكن أن تقوم به جامعة الدول العربية فى هذا الإطار؟
نحن نعلم أن هناك حوارات تمت وهذه معلنة وليست أمرا سريا ما بين الجانب السورى والجانب الإسرائيلى حول اتفاق أمنى يبنى على اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، والأمل أنه إذا حدث توافق على هذا الاتفاق الأمنى فهذا يضع حدا للتدخلات والتوغلات التى تحدثت عنها.. نأمل فى أن الإخوة فى سوريا يتمكنون من تحقيق هدفهم لأن منع إسرائيل من التدخل فى الشأن السورى هو أمر مطلوب وهو أحد التحديات التى تواجه الحكم فى سوريا.
وماذا عن السودان ونحن نتحدث عن حرب داخلية ممتدة وتهدد وحدة الدولة بالكامل.. كيف يمكن للدعم الدولى الواسع، ودور الدول الأربع: مصر والإمارات، والسعودية، والولايات المتحدة، فى ترجمة ضغط فعلى على طرفى الصراع للجلوس إلى طاولة المفاوضات؟ وإلى أى مدى تمثل هذه الخطة أملا حقيقيا لاستعادة الحكم المدنى وإنهاء المعاناة الإنسانية، مع الأخذ فى الاعتبار العقبات التى قد تواجه تنفيذها؟
نحن نؤيد أى تحرك يوقف الحرب فى السودان، وسبق أن عبرت الجامعة العربية والأمين العام للجامعة وتصريحات عديدة جدا أن هذه الحرب لا يدفع ثمنها سوى الشعب السودانى مع الأسف، سواء بالضحايا أو بالمقدرات، لأن مقدرات الشعب تنهار ومقدرات الشعب تم تدمير الكثير منها على مدار العامين الماضيين.
فنحن وللأسف الشديد كل الجهود التى بُذلت حتى تاريخه لم تصادف النجاح المطلوب، ولم تستطع أن توقف الحرب، وكلنا أمل فى أن الجهد الذى يبذل حاليا سواء من الرباعى أو من أى أطراف أخرى يمكن أن يؤدى إلى إنهاء القتال، وتدشين مسار يسمح بأن أى خلافات يكون مجال تداولها هو المجال السياسى وليس من خلال السلاح.
وكيف تعمل جامعة الدول العربية على الدفع نحو إقامة الدولة الوطنية فى السودان بعيدا عن القتال والحرب؟
ما نعمل عليه أولا هو وقف القتال، لأن استمرار الحرب يجعل أى حديث عن إقامة الدولة الوطنية أمرا غير قابل للتطبيق، طالما أن القتال مستمر، فلن يتحقق أى من هذه الأهداف.
الخطوة التالية هى إتاحة الفرصة للسودانيين أنفسهم، فالسودان بلدهم، وهم أصحاب القرار فيه، وهم منْ يجب أن يحددوا شكل دولتهم المستقبلية، سواء كانت دولة وطنية مركزية أو فيدرالية.. ومن وجهة نظرنا فى جامعة الدول العربية، الدور المطلوب ليس أن نحل محل السودانيين، بل أن نساعدهم ونسهل الحوار بينهم حتى يتمكنوا من الوصول إلى حلول نابعة من إرادتهم الوطنية.
فى ظل الانقسامات السياسية وتعدد المبادرات الداخلية والخارجية فى ليبيا.. كيف ترى جامعة الدول العربية فرص نجاح مشروع المصالحة الوطنية، وما الآليات الواقعية التى يمكن اعتمادها لإنهاء الوجود العسكرى الأجنبى ودمج الميليشيات المسلحة، بما يضمن استدامة الاستقرار وإعادة بناء المؤسسات وتوحيد الجيش بعد الانتخابات؟
هناك بعثة تابعة للأمم المتحدة تقوم بدورها المكلفة به من جانب مجلس الأمن، ونحن نسعى مع الأمم المتحدة ومع الاتحاد الإفريقى لأنه أيضا يريد أن يلعب دورا مؤثرا فى حل الأزمة فى ليبيا، وبالتالى ننسق الجهود مع هاتين المنظمتين تحديدا.. وأحيانا نقوم باتصالاتنا ونقوم ببعض الأدوار للمساعدة فى تحقيق ذلك، ولكن الموضوع الليبى يحتاج إلى الكثير من الاتصالات والتفاهمات حتى يمكن أن نصل إلى مخرج للتأزم السياسى الذى يجعل البلد فى حالة انقسام بالذات بين الشرق والغرب.
ما الرسالة الأساسية التى حملتها إلى بيروت فى إطار دعم الجامعة العربية للبنان، وكيف يمكن ترجمة مبدأ «حصر السلاح بيد الدولة» إلى خطوات عملية تعزز استقرار البلاد، وما الدور الذى يمكن أن يلعبه «صندوق دعم وإعمار لبنان» فى ترسيخ الثقة بالقرار اللبناني، وهل يمكن القول إن لبنان بات يخطو فعلا نحو عودة كاملة إلى الحضن العربي؟
الموقف فى لبنان به تعقيدات كثيرة، لبنان دولة صغيرة فى المساحة وكبيرة فى التأثير الثقافى والحضارى تاريخيا، لكن الواقع اللبنانى فيه الكثير من التحديات، وهذا الواقع أصبح يتطلب مسالة حصر السلاح فى يد الدولة، وقد رأينا جميعا نتائج عدم حصر السلاح فى يد الدولة، وترك الأسلحة فى يد الميليشيات التى يمكن أن تهدد السلام والاستقرار فى هذا البلد وفى الإقليم كله.
هذه مسألة استراتيجية للبنان، وجامعة الدول العربية عندما قررت أن تأخذ موقفا تجاه هذا الموضوع أخذت موقفا مؤيدا لقرار الحكومة اللبنانية فى هذا الشأن، ونحن ندعم كل ما يمكن أن يحقق حصر السلاح فى يد الدولة، ونحث فى ذات الوقت على أن يكون ذلك فى إطار من السلم الأهلي.. بمعنى آخر لا نراها معادلة صفرية ما بين السلم الأهلى من ناحية وحصر السلاح فى يد الدولة من ناحية أخرى.
فى نهاية هذا الحوار الشامل نشكر سيادتكم على وقتكم الثمين، وصدركم الرحب.. ونتمنى لسيادتكم دوام التوفيق والنجاح.
الشكر لكم لإتاحة الفرصة وعرض كل القضايا أمام القارئ العربي.. أتمنى لكم مزيدا من التقدم والتميز، وتحياتى لمجلة «المصور» ولقرائها الكرام، عبر منصاتها الورقية والإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعى.