رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مركز ترميم الآثار.. قلعة العلم تُعيد نبض التاريخ


31-10-2025 | 18:06

.

طباعة
أعدت الملف: أمانى عبد الحميد

فى قلب المتحف المصرى الكبير، تقف منشأة علمية فريدة تتجسد داخل معاملها وأروقتها فلسفة مصر الجديدة فى الحفاظ على تراثها. تمثل قلعة علمية تقوم بدورها باقتدار من حفظ مادى راسخ، ومعرفة جديدة تولد من بين طبقات الزمن. مركز ترميم الآثار، الأكبر عالميًا من حيث المساحة والتجهيزات، ليس مجرد معامل متخصصة، بل هو عقل حى يعيد قراءة التاريخ، ويعيد للآثار بريقها ونبضها من جديد.

 

البداية كانت هناك. عندما بدأ العمل فى تأسيس مركز ترميم الآثار، ضمن المرحلة الثانية من مشروع بناء المتحف الكبير عام 2006. وبالفعل يكتمل التجهيز فى 2009 ثم يفتح أبوابه فى عام 2010 بشكل رسمى. هو الأكبر من نوعه حيث يمتد المركز على مساحة تبلغ 32 ألف متر مربع. وهو الأكثر تخصصا حيث يضم 19 معملا متخصصا، من بينها معامل للصيانة العلاجية، وأخرى للوقاية، إضافة إلى معامل تحليل مجهّزة بأحدث تكنولوجيا الفحص العلمى.

ومنذ انطلاقه، نجح المركز فى تجهيز وترميم عشرات الآلاف من القطع التى تنتمى إلى مختلف عصور الحضارة المصرية القديمة، لتصبح جاهزة للعرض أمام الجمهور وفق أعلى معايير الصون العالمية.

داخل معامل الترميم، لا يكتفى المتخصصون بإزالة الغبار وترميم الشروخ. بل تتجاوز رسالتهم الحفاظ إلى إعادة الاكتشاف. فبين طبقات الألوان المطموسة ونقوش الحجر، تظهر معلومات جديدة لم تكن مرئية من قبل. كل قطعة تُعامل كوثيقة تحيا مجددًا، وتضيف سطرًا جديدًا فى سجل التاريخ المصرى.

ومنذ مرحلة التصميم، تم اتخاذ إجراءات صارمة لضمان بيئة مثالية للعرض والحفظ. تعمل أنظمة رقمية متقدمة على مراقبة درجات الحرارة والرطوبة وشدة الإضاءة على مدار الساعة، مع خطط استجابة سريعة لأى طارئ بيئى قد يهدد استقرار المادة الأثرية. الهدف واحد: الحفاظ طويل الأمد على القطعة كما خرجت من يد صانعها القديم.

يحتضن المركز برامج تدريبية متخصصة توفر للمرممين الشباب فرصة فريدة للتعلم العملى بجوار الخبراء، واكتساب مهارات التعامل مع آثار ذات قيمة استثنائية. لا يقتصر دور المركز على تطوير كوادره فقط، بل يمتد إلى التعاون مع الجامعات والمؤسسات المحلية والدولية عبر ورش تدريب وجلسات علمية. إنها منظومة تبنى خبرة، وتورّث رسالة أمانة للجيل القادم.

كما تشهد مهنة الترميم فى مصر طفرة حقيقية. ويتبنى المركز رؤية مستقبلية تعتمد على دمج الذكاء الاصطناعى والواقع الافتراضى فى تحليل القطع الأثرية قبل التدخل المباشر. ويتحول المرمم إلى باحث رقمى يمتلك أدوات العلم والتكنولوجيا معًا، مما يمنح القرارات العلمية دقة لا تعرف التقدير الظنى.

يُعد التعاون الدولى ركيزة أساسية فى عمل المركز. فقد شارك فى مشروعات مهمة مع مؤسسات عالمية مرموقة، أبرزها هيئة التعاون الدولى اليابانية (جايكا). هذه الشراكات تُسهم فى تبادل الخبرات وتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمى وعالمى متميز فى علوم الترميم والحفاظ على التراث.

كما يقدم المركز خدمات ترميم متخصصة مدفوعة، من أبرزها مشروع ترميم الكتب النادرة الخاصة بالبرلمان المصرى، فى دلالة على تنوع اختصاصاته وتوسع دوره خارج حدود الآثار الحجرية.

رحلة الحفاظ على القطعة لا تنتهى بوصولها إلى قاعة العرض. حيث تتم عمليات توثيق دقيقة قبل العرض وأثناءه وبعده، لمراقبة أى تغيرات مادية أو لونية قد تطرأ بمرور الزمن. كما تخضع القطع لبرامج متابعة دورية وتنفيذ فحوص بيئية وبصرية وجزيئية. كل قطعة هنا لها ملف حياة، يحدّث باستمرار لحمايتها من أى تدهور فى العمل.

الافتتاح الرسمى للمتحف المصرى الكبير يمثل لحظة فارقة فى تاريخ صون التراث الإنسانى. هو إعلان عن ولادة صرح عالمى يقف فى صدارة المتاحف الدولية. عمل آلاف الخبراء والباحثين والمرممين تكلل بصروح العرض ومنشآت الترميم والمخازن المتطورة التى ستقدم آثار مصر للأجيال المقبلة بما يليق بإشعاع تاريخها.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة