رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

يجُسد الحضارة الإنسانية.. سيرة البناء العظيم


31-10-2025 | 17:55

.

طباعة
أعدت الملف: أمانى عبد الحميد

لم يتبق الكثير، ساعات تفصلنا عن افتتاح بوابة التاريخ الإنسانى على مصراعيه. عند سفح أهرامات «منف» الملكية ، حينما يلامس الغروب وجه الحجر العتيق ، تنهض مصر من بين طبقات الزمن ، وتُعيد ترتيب ذاكرتها داخل صرحٍ عظيم اسمه المتحف المصرى الكبير. وقتها سيقف العالم أجمع أمام الهرم الذهبى المهيب الذى نجح المصريون فى بنائه على مدار أكثر من عشرين عاما. إنه أعظم متحف شيده الإنسان خلال القرن الواحد والعشرين. ليقرأ داخله كيف يمكن بناء الحضارة الإنسانية ، وكيف يمكن حمايتها وصونها، والأجمل هو كيف يمكن إعادة سردها بطريقة علمية شيقة بشكل متكامل عبر مختلف العصور.

 

بحلول شهر نوفمبر ستكون مصر محط أنظار العالم أجمع. عندما يفتح المتحف المصرى الكبير أبوابه ونرى الواجهة الزجاجية مضاءة بنور الشمس المنكسرة على صفحة أهرامات ملوك الدولة القديمة. ستعود الحياة كما عاشها المصرى القديم مرة أخرى بين أرجاء الصرح المتحفى ووسط قاعاته. ستتردد داخل البهو المهيب أنفاس الملك المعظم “رمسيس الثاني”، بينما يروى الدرج الملكى قصة الإنسان المصرى خلال رحلة ارتقائه وصعوده نحو الأبدية. إنه الخروج الأخير نحو الضوء ، وعودة الحضارة المصرية إلى مكانتها فى صدارة التاريخ كما كانت دائما.

مجلة المصور تسرد تفاصيل “قصة بناء المتحف الكبير” خاصة مع بداية العد التنازلى لافتتاح المتحف المصرى الكبير رسميا. حيث يقف العاملون فيه أمام إنجاز يتجاوز الحجر والزمن. حيث ساهم فى بناء المشروع الحلم أجيال متتابعة من المهندسين والآثاريين والمرممين المصريين ، الذين حولوا الحلم إلى حقيقة. حيث يعرض المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، منها ما يراه الزائر لأول مرة. ويستعد لاستقبال الملايين من الزوار سنويا من كل أنحاء العالم. والأهم من الأرقام هو الرسالة التى يحملها المتحف. والتى تكشف بصدق عن أن الحضارة المصرية ليست مجرد ماض لكنها روح متجددة ، كانت مهدا للإنسانية وبوابة للخلود.

داخل قاعاته وأروقته ، لم تعد المقتنيات الثمينة متراصة كما كانت داخل المتاحف القديمة. بل تتناثر بحكمة كى تسرد الحكاية كما عاشها أصحابها، من فجر الخلق حتى ضوء الحضارة. كل قطعة حجرٍ، وكل أثرٍ من نحاسٍ أو فخار، يسترد صوته وسط فراغ المكان. يتحدث عن إنسانٍ عاش هنا قبل آلاف السنين. حمل على كتفيه هموم البقاء، فصنع الجمال، وبنى الدولة، وكتب على جدران المعابد نشيد الخلود.

رحلة البناء استمرت لأكثر من عقدين من الزمان. كانت الفكرة مجرد حلم فى ذهن الحالمين. أن يكون لمصر متحف يليق بعراقتها، لا يختزن الماضى فحسب، بل يقدمه للعالم فى ثوب من العلم والفن والحداثة والتقنية. اليوم، ونحن على أعتاب افتتاحه الرسمى، يقف المتحف المصرى الكبير شامخا كأنه هرم مهيب لا من حجر هذه المرة ، بل من ضوء ومعرفة وحب لم يخب يوما.

من الحلم إلى الحقيقة

بدأت القصة فى عام 2002 حين أُعلنت وزارة الثقافة المصرية عن إقامة مسابقة عالمية لتصميم المتحف. تقدم إليها أكثر من 1500 شركة ومكتب هندسى من 80 دولة. فاز بها مكتب “هينغانن نيكولاس” الأيرلندى. وقتها وضع المعماريون تصورا لمبنى يليق بجلال المكان.على مساحة 117 فدانا عند سفح الأهرامات مباشرة. بحيث تبدو الواجهة الزجاجية وكأنها تفتح ذراعيها لاحتضان أهرامات الجيزة. ومع مرور السنوات، تتابعت مراحل التنفيذ بين تحديات اقتصادية وسياسية. حتى بات المشروع نموذجا للإصرار الوطنى والتخطيط العلمى المدروس. بلغت تكلفة المشروع الإجمالية أكثر من مليار دولار أمريكى ، بتمويل مصرى خالص فى معظمه. إلى جانب منحة يابانية من الوكالة اليابانية للتعاون الدولى (جايكا-JICA) بلغت نحو 800 مليون دولار على هيئة قروض ميسرة. توزعت الميزانية بين أعمال البناء، والترميم، والنقل، والتجهيزات التقنية، وأنظمة العرض والإضاءة، والأمن المتحفى المتطور الذى يعد الأول من نوعه فى العالم.

رحلة النقل الكبرى.

لم يكن بناء المتحف وحده إنجازا، بل كانت رحلة نقل آلاف القطع الأثرية من مخازن ومتاحف مصر كلها إلى هذا المكان معجزة لوجستية حقيقية. فمنذ عام 2010 بدأت فرق العمل التابعة لوزارة السياحة والآثار فى نقل عشرات الآلاف من القطع من مخازن سقارة، والأشمونين، وتل بسطة، ومتحف التحرير. وفى مقدمة تلك الكنوز، جاءت مجموعة الملك توت عنخ آمون كاملة لأول مرة، أكثر من خمسة آلاف قطعة ذهبية وخشبية وحجرية تم نقلها عبر رحلات دقيقة داخل صناديق مصممة خصيصا وفقاً لمعايير علمية خاصة تحميها من الاهتزازات وتغييرات البيئة المحيطة بها. كل قطعة كانت تخضع لأعمال توثيق ورقمنة وفحص بالأشعة قبل أن تبدأ رحلتها إلى الجيزة. حيث انتظرتها معامل ترميم هى الأكبر فى الشرق الأوسط، تعمل فيها أياد مصرية مدربة وفق أعلى المعايير الدولية.

متحف مراكب الملك “خوفو”

بعض من فصول الإعجاز داخل المتحف المصرى الكبير تتجسد داخل مبنى متحفى خاص جدا. تم بناؤه وفق تصميم معمارى يتلاءم بدقة مع أقدم قطعتين أثريتين خشبيتين صنعهما الإنسان عبر التاريخ. وهو المبنى الفريد من نوعه ولا يوجد مثيل له فى العالم. متحف نوعى ، أحد أبرز المتاحف النوعية فى العالم. إنه مبنى متحف مراكب الملك “خوفو” الذى يضم مراكب الشمس الطقسية الملكية، الأولى والثانية. وهما قطعتان أثريتان نادرتان. وتعتبران من أضخم القطع الأثرية العضوية التى وصلت إلينا عبر آلاف السنين.ولأول مرة فى التاريخ، سيتم عرض المركبين الملكيين جنبا إلى جنب فى موقع واحد داخل المتحف الكبير. بعد نقلهما من منطقة أهرامات الجيزة إلى داخل المتحف وخضوعهما لأعمال تأهيل وتجهيز للعرض المتحفى وفق أعلى المعايير العلمية.

وللمرة الأولى سيتمكن الزائرون من مشاهدة الأثريين المرممين خلال قيامهم بأعمال ترميم مركب الملك “خوفو” الثانية ، بعد استخراج ألواحها الخشبية وجميع أجزائها من موقعها الأصلى بجوار الهرم الأكبر بالتعاون مع الجانب اليابانى. حيث يأخذهم سيناريو العرض فى رحلة حية ليتابعوا بشكل مباشر كيف يتعامل فريق المرممين مع الألواح الخشبية ويقومون بتجميعها وتركيبها تدريجياً، فى تجربة تفاعلية فريدة غير مسبوقة داخل المتاحف.

كما يتضمن سيناريو العرض لمتحف مراكب الملك “خوفو” رحلة بصرية تبدأ من خارج المتحف. تحوى محاكاة لتدفق نهر النيل وعلاقته بالمراكب فى الفكر المصرى القديم. حيث تترأس تماثيل للإله “حابي” إله الفيضان والنيل. يقف عند مجرى مائى يرمز للنيل، محاطاً بعشرة تماثيل للإلهة “سخمت” كرمز للحماية. كما تشمل المحاكاة نموذجا مطابقا لإحدى الحفر الأصلية التى احتضنت المراكب قبل اكتشافها واستخراجها. بنفس الأبعاد والمقاييس. إلى جانب عرض 18 كتلة حجرية أثرية كانت مستخدمة كتغطية للحفرتين، وتحمل نقوشا أصلية. وتضم رسوم الجرافيتى التى سجلها العمال المصريون القدماء. مع عرض لعدد من مقاسات الأحجار وخراطيش الملوك “خوفو” و “ جدف رع “ ، لتمنح الزائر تصورا واقعيا ودقيقا لموقع الاكتشاف.

وبعد دخول مبنى المتحف، سيناريو العرض يأخذ الزائر فى رحلة شيقة تحكى أسرار اكتشاف المراكب الشمسية وقصة الملك العظيم. داخله سيجد الزائرون منطقة الاستقبال لتقديم كافة المعلومات التمهيدية حول أهمية نهر النيل، ودوره فى الحياة والمعتقدات المصرية القديمة، إلى جانب عرض لتاريخ منطقة أهرامات الجيزة، وسياق اكتشاف مركب الملك “خوفو” الأولى، وحالتها الأصلية، والتقنيات التى تم استخدامها فى نقلها وترميمها. كما يتناول العرض مراحل استخراج مركب الملك “خوفو” الثانية، وأعمال الترميم الجارية، إضافة إلى معلومات شاملة عن الملك خوفو، والمهندس الذى صمم الهرم الأكبر، والعمال الذين ساهموا فى بناء هذا الصرح التاريخى الخالد.

المسلة المعلقة

وأمام الواجهة الزجاجية الفخمة، تقف المسلة المعلقة. كفكرة هندسية غير مسبوقة فى العالم. إنها مسلة خاصة بالملك “رمسيس الثاني” قادمة من منطقة آثار “صان الحجر”. خضعت لعملية ترميم شاملة وتجميع لتقف من جديد. لكنها وقفت شامخة أمام الصرح المتحفى فوق لوح من الزجاج. موقع فريد غير مسبوق يتيح للزائر أن يقف أسفل المسلة الحجريّة الضخمة ليقرأ خرطوش الملك “رمسيس الثاني” المنقوش أسفل بدن المسلة. والذى ظل مخفيا عن الأنظار أكثر من 3500 عام. ومعها تبدأ القصة البصرية الأولى للزائر. حيث يقف على قاعدة التاريخ. وينظر بعين الحاضر إلى عظمة الماضى.

متحف الطفل

للمرة الأولى التى سيجد أطفال العالم متحفا يخصهم. يمنحهم مساحة رحبة من الخيال. تعليمية ، تفاعلية ، إبداعية فريدة. داخلها يخوض الطفل رحلة ممتعة للتعرف على تفاصيل الحضارة المصرية الإنسانية القديمة. بشكل يتناسب مع قدرات الطفل وخياله. تلك الرحلة داخل مبنى متحفى منفصل عن المبنى الكبير. يستطيع الطفل أن يجد الإجابة على كافة تساؤلاته ، كيف تأسست الحضارة ، كيف تطورت الحياة على أرض مصر، ملامح الفنون والإبداع عبر مختلف العصور. كلها عبر تجارب تعليمية مبتكرة تتناسب مع أعمارهم واهتماماتهم.

والأهم أن متحف الطفل الملحق بالمتحف الكبير يمنح الأطفال الزائرين بيئة آمنة وممتعة. يمكن خلالها أن تترك الأسرة أطفالها ليخوضوا رحلة تعليمية شيقة داخله. بينما تستمتع الأسرة بجولتها وسط أرجاء المتحف. ثم تعود لتشارك طفلها التجربة ورحلة الاكتشاف. وهو الأمر الذى يمنح الزائرين فرصة لخلق تجربة أسرية متكاملة تمزج بين المتعة والمعرفة.

الحارس الأول للبهو العظيم

بخطوات مهيبة يدخل الزائر البهو العظيم، لتستقبله عينان من الجرانيت الوردى عمرهما أكثر من ثلاثة آلاف عام. إنهما عينا الملك “رمسيس الثاني”. التمثال الضخم المهيب يبلغ ارتفاعه أكثر من 11.3 متر ووزنه 83 طناً من الجرانيت. وهو أول القطع الأثرية التى وصلت إلى المتحف. حيث تم اكتشافه عام 1820 فى منطقة ميت رهينة، ثم تم نقله بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر إلى ميدان رمسيس عام 1955 كى يصبح رمزا للقاهرة الحديثة. وبعد دراسة دقيقة، تحرك التمثال فى رحلة تاريخية جديدة إلى المتحف المصرى الكبير، وسط احتفاء شعبى وعالمى. ليقف اليوم فى مدخل التاريخ، شاهدا على عظمة مصر فى الماضى والحاضر.

وجود الملك “رمسيس الثاني” فى مقدمة البهو العظيم ليس اختيارا جماليا فحسب، بل هو تعبير عن رمزية القيادة والخلود فى الحضارة المصرية. فهو الملك الذى أسس المعابد الكبرى. وخاض معركة “قادش”. وبنى مجده على فكرة الخلود الأبدى. ليصبح الحارس الأول على بوابة المتحف المصرى الكبير.

فلسفة الخلود والعرض المتحفى.

لم يكن العرض المتحفى كغيره. بل هو قائم على فلسفة فريدة تحكى التاريخ من منظور إنسانى. ففى قلب المتحف وبين جدرانه تتحدث الآثار. فهو لم يكن مجرد مبنى لحفظ الآثار. بل تم التخطيط له منذ اللحظة الأولى ليكون شاهدا ناطقا على حياة المصرى القديم. فلسفة العرض المتحفى تنتمى إلى مدرسة جديدة باتت معتمدة داخل المتاحف العالمية. متاحف تُخاطب العقل والعاطفة معا ، وتُحول القطع الأثرية من صمت المتاحف التقليدية إلى خطاب حضارى حيّ. ولذلك جاء العرض محكوما بفلسفة تقوم على تحويل الزائر من مجرد متفرج يعبر القاعات إلى متفاعل ومشارك فى النص البصرى دون أن يعتمد على الترتيب الزمنى التقليدى. بل جاء مقسما داخل قاعات العرض على ثلاثة محاور كبرى تمثل روح الحضارة المصرية. المجتمع، الملكية، المعتقدات.

أولها المجتمع. حيث تبدأ الرحلة من عصور ما قبل التاريخ، حين بدأ المصرى القديم حياة الاستقرار والزراعة وصناعة الأدوات والأوانى الفخارية. حتى توحيد البلاد فى عصر بداية الأسرات. ثم يتناول مراحل التنظيم الاجتماعى، والابتكار، والفنون، والاقتصاد عبر العصور الوسطى والحديثة. حتى تصبح مصر مركزا للتجارة والثقافة فى العالم القديم. ثانيهما هى الملكية. منذ أن أصبحت مصر دولة موحدة تحت حكم ملك واحد. ومعها بدأت فكرة الدولة المركزية. حيث سيعرض المتحف تطور مفهوم “الملك” من الحاكم الإله فى الدولة القديمة إلى القائد السياسى فى الدولة الحديثة. وتتناول القاعات مراحل تأسيس الدولة، ملوك الأهرامات، الحرب والتحرير، صعود الإمبراطورية، فترات الضعف، ودور سيدات الأسرة الملكية. وثالثهما هى المعتقدات. والتى تأخذ الزائر إلى قلب الروح المصرية، حيث الإيمان بالحياة الأخرى. ومعها تكشف القطع الأثرية كيف تطورت طقوس الدفن من حفرة بسيطة إلى عمارة أبدية، وكيف صارت المعبودات والملوك المقدسون رمزا للحياة بعد الموت. وداخل القاعات نرى عدداً من التوابيت الملكية، وتماثيل المعبودات، والبرديات الجنائزية، وأوانى الكانوب، والتماثيل الإوشابتى، فى رحلة تأملية بين العالمين.

الدرج العظيم.. صعود الحضارة

فى قلب المتحف، يمتد الدرج العظيم، وهو من أضخم قاعات العرض الأثرى فى العالم. حيث يستعرض عبر درجاته الصاعدة مجموعة من التماثيل الملكية والقطع الضخمة التى تمثل العصور المصرية من الدولة القديمة حتى العصر الرومانى. مرتبة وفق سيناريو العرض المتحفى يُحاكى تطور فلسفة الفن والإبداع، السلطة الملكية والحكم ، الدين والمعتقدات فى مصر القديمة. كل قطعة تقف فوق عتباته ليست مجرد تمثال، بل فصل من كتاب الحضارة المصرية. منها ما يحاكى الهيئة الملكية. تستعرض تطور شكل الملك فى الفن المصرى. ومنها ما يكشف الأبعاد المقدسة فى البناء، مثل المعابد ومراكز العبادة. وبعضها يحكى تفاصيل العلاقة بين السلطة والقداسة عبر قطع نحتية لعدد من الملوك والمعبودات. وتماثيل تسرد تفصيل رحلة الحياة الأبدية ومفهوم الخلود فى المعتقد المصرى القديم. وبعد بلوغ قمته يتجلى المشهد البانورامى البديع الذى يمثل الرحلة الرمزية من الأرض إلى جنة الخلود. حيث تقف من بعيد أهرامات ملوك مصر القديمة فوق هضبة الجيزة.

خلال تلك الرحلة المقدسة، تقف كنوز مصر القديمة وجها لوجه مع الزائر، محاطة بهالة من الضوء والظل. كل تمثال يمثل حقبة فنية مختلفة ، لكن الروح واحدة ، وهى “هيبة الفرعون”. ترى تمثال “سيتى الأول” من الجرانيت الوردى، والملك “سنوسرت الثالث” أو الملك “أمنمحات الرابع” برفقة أميرتين، وتماثيل للملكة “حتشبسوت”، والملك “أمنحتب الثالث”، و”كاراكالا” الإمبراطور الرومانى. كل تمثال ليس فقط تحفة فنية ، بل توثيق لتطور ملامح السلطة فى الفن المصرى، من الواقعية إلى المثالية، من الحضور الأرضى إلى القداسة الرمزية.

الدور المقدسة: المعبد بيت للآلهة.

هناك تتجلى فكرة المعبد ليس فقط كمكان عبادة، بل كمركز للعالم، وللقوة السياسية والدينية. ترى أعمدة من معابد “ساحورع” و “سوبك إم ساف”، وناووس الملك “سنوسرت الأول”، وبوابة الملك “أمنمحات الأول، وتماثيل أبو الهول، ومسلة الملكة “حتشبسوت”، وناووس الملك “رمسيس الثاني”. إنه عرض يعيد بناء المعبد لا المعمارى فحسب، بل بناؤه الرمزى والروحى، حيث يقيم الإله فى تمثال، والملك فى طقس، والشعب فى خدمة الاثنين.

الملوك والمعبودات: التحالف الأبدى.

وفى مصر القديمة، لم يكن الملك مجرد حاكم، بل حلقة وصل بين الأرض والسماء. لذا يتم استعراض تماثيل تظهر هذه العلاقة، مثل تمثال “رمسيس الثاني” فى حماية المعبودة، أو ثالوث “رمسيس الثانى وبتاح وسخمت”، أو تمثال مزدوج للملك مع “رع حور آختي”. وتمثال أوزيرى للملك “سنوسرت الأول”، وغيرها من التماثيل التى تكشف كيف جسّد الفن المصرى العلاقة المتداخلة بين الحكم والقداسة، بين الإنسان والماوراء.

الرحلة إلى الأبدية: الحياة تبدأ بعد الموت

عندها يواجه الزائر واحدة من أهم فلسفات مصر القديمة ، وهى أن الموت ليس نهاية، بل بداية. تتجسد فى عدد من التوابيت الملكية التى تنتمى إلى عصور مختلفة، مثل تابوت الملكة “مرس عنخ” الثالثة، وتابوت الأمير “خوفو جِدف”، وتابوت “نيتوكريس”، وتوابيت ملكية أخرى. والزخارف ، والنصوص الجنائزية ، وأشكال التوابيت ، جميعها تعكس رؤية معقدة للعالم الآخر ، حيث تنتظر الروح أن تُبعث من جديد ، وتنضم إلى قافلة الشمس فى رحلتها الأبدية.

كنوز من الأعماق

إلى جوار تلك العظمة الحجرية، تستقر مجموعة من التحف النادرة التى تحكى فصولاً أخرى من التاريخ وتمثل موسوعة بصرية لتاريخ الإنسانية. منها عمود الملك “مرنبتاح”، ابن “رمسيس الثاني”، المكتشف فى المطرية عام 1970 ويحمل نصوصاً تحكى انتصاره على الليبيين. وتمثال ملك وملكة من العصر البطلمى، تم انتشاله من أعماق البحر الأبيض المتوسط فى مدينة هيراكليون الغارقة، يمثلان “بطلميوس الثاني” وزوجته “أرسينوي” الثانية، كرمز للتزاوج بين التراث المصرى والإغريقي

 

 
 
 
 

أخبار الساعة

الاكثر قراءة