رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مصر طوق النجاة لأحلام أوروبا الاستثمارية


31-10-2025 | 18:12

.

طباعة
بقلـم: د. وفاء على

فرضت قواعد الجدلية على الدول، أن تتنفس مبكراً لتحفيز اقتصادها رغم كل التحديات، وأن تُعيد تشكيل اقتصادها، فليس من العدالة أن تستسلم الحكومات لأطماع الكبار وأخطائهم فى السيطرة الاقتصادية بأشكالها الكثيرة؛ بدلاً من تحريك الجيوش أو الآليات وتصدير التضخم والإحباط وتراجع التصنيفات وضغوط المؤسسات المالية.. فالأزمات المالية فى ظل النظام الرأسمالى والدورات الاقتصادية، والتى تتعارض مع كل أدبيات السوق الكلى،

جعلت القاهرة تقدم على إعادة تشكيل اقتصادها ومصادره، وأن يكون لديها تنبؤ وقائى لتقليل الضغوط المالية والاقتصادية العالمية، وأن تبحث من خلال نظرية البدائل والاستجابة عن حلول ناجزة وسط حالة المزاحمة والضجيج الدولى وحالة الفوضى العارمة فى كافة الملفات الراهنة، والتى تُعيد تشكيل مناطق النفوذ السياسى والاقتصادي، لذلك كانت هناك هندسة لمسار ونسج العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.

وكانت اتفاقية الشراكة فى العام الماضى، نقطة الانطلاق لتجاوز الجغرافيا التقليدية بين شاطئ المتوسط، وهو ما استغلته الدولة المصرية، لما لها من ثقل سياسى واقتصادى كقوة تعد بمثابة «رمانة ميزان» المنطقة، ولا ننسى ما قالته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فوندرلاين: «إذا لم نتعاون مع القاهرة سيكون هناك فراغ سيملؤه غيرنا».

الدولة المصرية جعلت المنطق الحاكم هو توظيف الجغرافيا وتطويع القدرات، وهو ما حدث، حيث قدمت نفسها كشريك شامل يلامس المصالح الأوروبية الأكثر أهمية، لذلك كان الاتحاد الأوروبى كله على موعد مع مصر، وعبرت التمويلات المليارية الجيوسياسية البحر المتوسط إلى مصر، لتكون نقطة انطلاق لثلاثية التحفيز: الصناعة والتجارة والاستثمار والاعتماد على التمويل الإنتاجي.

وهنا نقطة انطلاق جديدة لدولة تصنع السلام وتحافظ عليه فى نفس الوقت، من خلال أجندة تنموية لدوائر اقتصادية مع الاتحاد الأوروبى فى ملفات الأمن الغذائى والاقتصادى والطاقوى خصوصاً الطاقة المتجددة، وهى عماد قضية التغيرات المناخية، وبالتالى - فمصر هى الممر الآمن لعبور الطاقة الخضراء إلى أوروبا.

وعلينا أن نذكر أن الاتحاد الأوروبى لا يجامل أحداً، فقد تغيرت النظرة المستقبلية للقارة العجوز بشأن القاهرة، من مجرد شريك إقليمى إلى حليف استراتيجى أساسى فى ملفات الأمن والطاقة والتنمية والاستقرار، وقد نجحت الدبلوماسية المصرية فى بناء سياسات متوازنة واضحة تجاه القضايا الدولية، وهنا يبرز السؤال الأهم: كيف يراك الآخرون؟!!

الإجابة، أن الآخرين يرون أن مصر تمثل ثقلا لما تملكه من دور محورى ومؤثر وداعم للاستقرار فى الشرق الأوسط خلال هذا الوقت الحساس، الذى يُعاد فيه رسم خرائط جديدة للمناطق الاقتصادية، لذا عبرت التمويلات المليارية الجيوسياسية البحر المتوسط لتستقر فى مصر، لتحقيق غايات استراتيجية مشتركة بدعم محورى ومشهد يفرض نفسه بامتياز للمنافع المتبادلة، من بينها إجمالى استثمارات تقدر بنحو 7.4 مليار يورو، منها 1.8 مليار لدعم القطاع الخاص، وهناك حزم تمويلية جديدة تمثل 5 مليارات يورو لدعم المشروعات الصغيرة، بالإضافة إلى حزم تمويلية ميسرة لدعم الاستثمار فى مصر بشكل عام.

وتجدر الإشارة فى هذا الصدد، إلى أن مصر - ليست دولة فحسب، بل أداة دبلوماسية سياسية واقتصادية قوية، تتحدث باسم القارة الإفريقية ومجموعة الدول النامية بالشرق الأوسط، باعتبارها قوة وازنة ودافعة للشراكة المصرية الأوروبية.

وهناك شأن آخر متصل، يتعلق بالانخراط فى الفضاء الانتقالي، فلا شك أن أهم بنود الشراكة المصرية الأوروبية هى الانخراط فى إعادة تشكيل منظومة اللحاق بالتكنولوجيا الغربية، وخصوصا برنامج (أفق أوروبا) (هورايزن) 21/ 27 لدعم البحث العلمى فى الجامعات، وعقد الشراكات مع المراكز البحثية الأوربية بمنحة قدرها 600 مليون يورو و 200 مليون يورو لملف الهجرة و 400 مليون يورو لملف الصحة والتعليم الفني.

لقد أتاحت الشراكة، الانضمام المصرى إلى مبادرة أفق أوروبا الواعدة للعقول المصرية، بما يسمح بالتنافسية والابتكار والاطلاع على برامج الذكاء الاصطناعى الأوروبى، بما يضمن سهولة سلاسل مفاتيح التنمية والتكنولوجيا الحديثة وضرورة تطوير منظومة ابتكار ديناميكية فى ربط أصحاب المصلحة، وهما القطاعان الحكومى والخاص فى مصر.

رئيسة المفوضية أشادت بتدويل التعليم فى مصر ووجود جامعات أوروبية، مما أتاح إطلاق المنصة الاستثمارية أو الممر الاستثمارى بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي، وذلك لدعم مصر كمركز صناعى استثمارى استغلالاً للمزايا النسبية ودورها المحورى كبوابة لعبور القارة الإفريقية كسوق كبير قوامه 1.5مليار نسمة.

واستطاعت مصر تعظيم قدراتها الاستثمارية من خلال البنية التحتية الحيوية وسلاسل القيمة المضافة الصناعية والتركيز على الصناعات كثيفة العمالة، مثل صناعة الأسمنت والأسمدة والهيدروجين الأخضر والصلب والخدمات اللوجستية، خصوصاً بعد عودة قناة السويس إلى سابق عهدها فى تحقيق طفرة بشأن إعادة تشكيل منظومة الاقتصاد المصرى والعالمي.

واستقرت التمويلات المليارية الجيوسياسية - عبوراً للبحر المتوسط، فى مصر للانخراط بالمستقبل، الذى وضعت له تضاريس اقتصادية واعدة، وقد تمت دراسة الملفات بعناية فائقة من أجل تشكيل هياكل جديدة لصنع القرار بتكتلات استثمارية لها نماذج تقدم دعما وانطلاقا لتوسيع آفاق الاستثمار ومشاركة القطاع الخاص.

ونشير هنا إلى أن القمة ستُعقد كل عامين لتقييم العمل ودعم التحفيزات فى هذا النموذج التشاركى على أرض الواقع، ولدعم مصر فى حلمها أن تكون مركزا للتجارة والطاقة العالمي، وتكتب كل يوم تاريخا جديدا لبوصلة احترافية الأداء برسائل اقتصادية، يلعب فيها المد والجزر دوره على شواطئ البحر المتوسط فى تغيير المسار نحو تمركزنا على الخريطة الدولية.

ولا ننسى أن مصر هى الشريك الضامن الوحيد فى المنطقة، الذى وقف بجانب الاتحاد الأوروبى فى أهم الملفات، وكان حائط الصد الأول والأخير فى ملفى الهجرة غير الشرعية والإرهاب العابر للحدود.

واستغلت الدولة المصرية من خلال الشراكات مع الاتحاد الأوروبي، إصلاح عمليات الإنتاج والتصنيع وتطوير منظومة التجارة وزيادة حجم التبادل التجاري، بتموضع جيوسياسى وديمجرافى لربط القارة البيضاء العجوز بالأسواق الإفريقية، لتكون مصر ليست بوابة فقط، وإنما لتصبح لاعباً فاعلاً فى الاقتصاد العالمي، وقادرة على التكيف مع المتغيرات العالمية وتوفير المناخ الصناعى المستدام، خصوصاً الملف الطاقوي، الذى يمثل نقطة قوة دافعة لعبور الطاقة المتجددة إلى هذه القارة التى تعانى بسبب الفجوة التى سببتها الحرب الروسية الأطلسية، وتكون مصر هى طوق النجاة للمستقبل.

أوروبا أدركت أن مصر لديها جاهزية لتكثيف الاستثمارات الصناعية، وقد حان الوقت لاستغلال هذه المزايا النسبية وإقامة المراكز البحثية الأوروبية والتقنيات الحديثة وتحقيق توليفة اقتصادية تلعب فيها الدبلوماسية الرئاسية والاقتصادية ودبلوماسية البنية التحتية الحيوية دورها فى تمركز مصر على الخريطة العالمية، وإيجاد عوامل الارتباط الأمثل بين ملفات الأمن الغذائى والاقتصادى والطاقة والتنمية والاستقرار.

بقى القول إن التقاطع الذهبى لمسارات الشراكة المصرية الأوروبية، قد قلب الموازين، وأدى إلى إعادة تشكيل منظومة الاقتصاد النوعى المصري؛ ليكتمل المشهد بعيداً عن مثلث الخوف الذى يهدد الاقتصاد العالمي، ممثلاً فى الديون وسوق العمالة وحركة التجارة العالمية، وأن يحدث حالة من الزخم القوي، لتأتى حسابات الاقتصاد برد الفعل من الاتحاد الأوروبى والتمويلات المليارية الجيوسياسية التى عبرت بأحلام المتوسط على شاطئ مصر، فى محاولة جادة لتنويع الجعبة الاقتصادية، ونشر الخير مع نماذج وتكتلات تدعو إلى الوحدة بدلاً من الانقسام، والتعاون بدلاً من الصدام، فى ظل محاولة بعض الدول تعظيم دورها بعيداً عن الشراكة الفاعلة؛ لتفتح مصر ذراعيها لآفاق المستقبل وعبور الاستثمارات متخطية الأمواج العاتية بالأبيض المتوسط.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة