يقال إن علاقتك بالغناء بدأت من خلال إعلان نشر بإحدى الصحف عن تأسيس كوال الأطفال بالأوبرا؟
بالفعل كانت بدايتى مع الغناء داخل الأوبرا منذ أن تم الإعلان فى جريدة الجمهورية عن تأسيس كورال أطفال الأوبرا وكان عمرى وقتذاك ثمانى سنوات وعرض علىّ والدى هذا الإعلان لكى يلحقنى بهذا الكورال لأنه كان متحمسًا لموهبتى الغنائية بسبب غنائى لأغانى الأطفال التى تغنت بها المطربة الكبيرة عفاف راضى وأغانى الفوازير، ولم أكن قد التحقت فى هذا التوقيت بالدراسة بأكاديمية الفنون التى التحقت بها فى المرحلة الإعدادية، وعند ذهابى للأوبرا وجدت عددًا هائلًا جدًا من الأطفال» وكأن أطفال مصر كلهم» يتقدمون للاختبار مثلى من أجل الالتحاق بهذا الكورال فى عهد المايسترو سليم سحاب وتمت تصفيتهم إلى 250 طفلًا وطفلة كنواة لتكوين هذا الكورال، وبدأت أحفظ من خلال هذا الكورال مجموعة كبيرة من الموشحات الغنائية التى أصقلت موهبتى بتعلمى إجادة نطق مخارج الألفاظ لكونها كتبت باللغة العربية الفصحى، وتعلقت فى هذه الفترة بأسلوب غناء المطربة الكبيرة المعتزلة الدكتورة «سوزان عطيه» من خلال متابعتى لبرنامج الموسيقى العربية للدكتورة رتيبة الحفنى فى القناة الأولى بالتليفزيون، فكانت وما زالت سوزان عطية هى «قدوتى الفنية»، وحبى لها كان الدافع الرئيسى وراء التحاقى بمعهد الموسيقى العربية؛ لأننى كنت أستشعرأثناء غنائها بلغة الموسيقيين بأنها «تعفأ» كل نغمة تغنيها، وبعد التحاقى بالأوبرا بدأت فى غناء الموشحات والأدوار، وأتذكر أول موشح غنيته مع كورال الأطفال كان «يا شادى الألحان» وهو من الموشحات التراثية، وبعد أن أحببت هذا اللون من الغناء العربى قررت الالتحاق بالدراسة بمعهد الموسيقى العربية واجتزت اختبار الالتحاق به أمام لجنة ضمت الدكتورة رتيبةالحفنى والدكتور سعيد القصبجى عميد المعهد، وبالتزامن مع التحاقى بالمعهد أصبحت «صوليست» داخل كورال الأطفال بالأوبرا مع المايسترو سليم سحاب الذى جعلنى أغنى أول أغنية «صولو» لى وهى أغنية «صوت الوطن»بالأوبرا ثم سافرت مع كورال الأطفال إلى دولة الصين، حيث كنت أمثل مصر فى مهرجان «شنغهاى»، ثم تخرجت فى معهد الموسيقى العربية، وحاليًا أدرس بالدراسات العليا «باحثة ماجستير» فى علوم الموسيقى.
لماذا تخصصتِ فى الغناء لأم كلثوم؟
لم يوجهنى أحد إلى الغناء لكوكب الشرق ولكن مسألة غنائى لها تتعلق بطبيعة صوتى العريضة التى تؤهلنى لغناء أغانيها، كما لعب غنائى للموشحات الغنائية باللغة العربية الفصحى دورًافى ذلك، ومن ثم لم تعد تواجهنى أية صعوبة فى النطق السليم لكلمات القصائد والموشحات التى كانت تغنيها أم كلثوم، وقد لعب انضمامى لكورال بالأوبرا دورًا بارزًا فى ضرورة درايتى بمعانى الكلمات التى أغنيها من خلال هذه الموشحات، ومن أهم طقوسى فى غنائى للقصائد هى أننى لا بد أن أدرس كل قصيدة أغنيها لأم كلثوم، لأن هذه مسألة صعبة، ولا أخفيك سرًا إذا ما قلت إن شعورى بالخوف تزايد الآن عن إحساسى بالخوف، عندما كنت أغنى فى طفولتى فى كورال الأطفال، لدرجة أننى أشعر بالرعب أثناء وقوفى داخل كواليس المسرح؛ لأن مسألة غنائى الآن أصبحت تخضع لحسابات شخصية تتعلق بحرصى على الحفاظ على تاريخى الغنائى طيلة السنوات الماضية.
من وجهة نظرك ماذا يمثل لكِ مهرجان الموسيقى العربية؟ كما أن البعض يلاحظ بأنك تتميزين عن بعض المطربات اللاتى يتغنين بأغانى الست بغنائك للقصائد؟
بلا شك أن لهذا المهرجان دورًا مهمًا جدًا فى إثراء الحركة الفنية بصفة عامة والموسيقية والغنائية بصفة خاصة، ودعم الأوبرا لهذا المهرجان سنويًا ينم عن اهتمام الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة وحفاظها على إرثنا وتراثنا الغنائى، فلولا وجود مهرجان الموسيقى العربية وفرق الموسيقى العربية بالأوبرا وفرق أكاديمية الفنون، لكانت الموسيقى العربية قد اندثرت فى ظل انتشار الظواهر الغنائية المبتذلة والمسماة بأغانى المهرجانات وبعض ألوان الغناء الشعبى الحالية المتدنية، ومن الدورات التى أعتز بمشاركتى فيها بمهرجان الموسيقى العربية دورته عام 2016، حيث شاركت بفاصل غنائى لأم كلثوم داخل المسرح الكبير، وفى العام التالى قدمت أغنية «أوعدك» لسعاد محمد، كما أننى شاركت فى حفل افتتاح دورة الموسيقار الراحل على إسماعيل بالأغنية الوطنية «دع سمائى» بمصاحبة الأوركسترا وفى الدورة الحالية أقدم قصيدة «أغدًا ألقاك» التى أعشقها للشاعر السودانى الهادى آدم والتى تعد نقلة غنائية جديدة فى حياة أم كلثوم.
كما أن غناء القصائد بصفة عامة لا يعد أمرًا سهلًا؛ لأنه يتطلب من المطربة التى تغنيها أن تكون على دراية كافية باللغة العربية وبمخارج ألفاظها بشكل صحيح، إلى جانب تعبيرها الجيد عن إحساس كلمات هذه القصائد، ومن أكثر القصائد التى أحب أن أغنيها لأم كلثوم «سلو قلبى».
علمًا بأننى لا أشعر بأية صعوبة فى غناء القصائد لأننى تربيت على غنائها منذ الصغر بدءًا من غناء الموشحات وأغانى اللغة العربية الفصحى التى تعتمد على إجادة النطق السليم لتشكيل كلماتها وبناء عليه أصبحت أحب غناء القصائد وأغانى الفصحى، فعلى سبيل المثال حتى فى غناء النشيد الوطنى يستلزم ممن يغنيه أن يكون ملمًا بقواعد النطق السليم للغة العربية، ولذلك أقدم لجمهورى فى مهرجان الموسيقى العربية هذا العام قصيدة «أغدًا ألقاك».
البعض يلاحظ أن هناك ارتباطًا مابين فكرة الغناء للست لدى بعض المطربات وميولهن للغناء لوردة؟
ليس بالضرورة أن كل مَن تغنى للست لا بد أن تغنى لوردة فحسب، لكننى أغنى بجانب غنائى للست أغانى وردة وسعاد محمد وفايزة لأن هؤلاء المطربات الكبار هن الأقرب صوتيًا لأم كلثوم فى حين أن مساحة صوتى لا تتناسب مع الغناء لشادية أو نجاة أو فيروز.
كما أن أم كلثوم هى أكبر مدرسة غنائية تشمل على الغناء التطريبى والإحساس ولديها قدرات صوتية رهيبة فهى مدرسة متكاملة حتى الآن على مستوى الوطن العربى، والدليل على ذلك تواجد أم كلثوم حتى الآن داخل الساحة الغنائية، وما زال هناك أجيال متعددة تحب الاستماع إلى أغانيها.
تغنت أم كلثوم للعديد من الشعراء أمثال شوقى ورامى وإبراهيم ناجى وصالح جودت والهادى آدم فمن منهم تفضلين غناء كلماته؟
أحب أن أغنى لهم جميعًا؛ لأن هؤلاء الشعراء هم الذين أثروا الحركة الفنية والساحة الغنائية، وأرى أن كل شاعر من هؤلاء العظماء قدم الست بثوب جديد وشكل غنائى متفرد عن غيره، فعلى سبيل المثال أغنية «إسأل روحك» تختلف بشكل جوهرى فى معانيها وإحساسها عن أغنية «فات الميعاد» وغير «أمل حياتى وإنت عمرى وقصيدة أغدًا ألقاك»للهادى آدم التى جعلها تنتقل إلى منطقة حسية ووجدانية وغنائية جديدة عليها فتعددت شخصيات أم كلثوم الغنائية بتعدد كل هؤلاء الشعراء العباقرة، ولذلك أصبحت أم كلثوم مدرسة غنائية متكاملة.
البعض يرى أن تربّع أم كلثوم على عرش الساحة الغنائية حتى الآن مبعثه تعدد المدارس اللحنية لأغانيها واستعانتها بملحنين كبار، أمثال السنباطى وزكريا أحمد وسيد مكاوى وبليغ حمدى؟ هل ارتبطت ألحان هؤلاء بتجارب شخصية لك؟
بلا شك أنهم جميعا كانوا بمثابة محطات فنية مهمة فى حياة الست، منذ أول تعاملها مع الشيخ أبو العلا محمد؛ لأن أم كلثوم بدأت بقراءة القرآن الكريم، وعملت بالإنشاد الدينى، فكل ملحن تعاملت معه الست قدمها وفقًا لكل فترة زمنية مختلفة بصياغة موسيقية وغنائية تواكب جميع العصور، حتى الموسيقار بليغ حمدى قدمها بشكل مختلف عمن سبقوه من الملحنين وغير متوقع، وكانت تجربتها معه ناجحة جدًا، وأكثر ملحن أحب أغانيه ممن عملوا مع أم كلثوم، هو موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، ومنها أغانى «هذه ليلتى» و«أغدًا ألقاك» و«فكرونى»؛ لأن عبدالوهاب قدمها للجمهور بشكل راقٍ جدًا مع المقدمات الموسيقية التى كتبها لتلك الأغانى، والتى كانت تعد بطلًا أساسيًا معها.
ليس بالضرورة أن كل أغنية أغنيها للست أنها تعبر عن تجربة شخصية لى، ولكننى أجيد تقمص كل ما ترنو إليه أية أغنية لكى أعبر عن حالتها الوجدانية للجمهور، ومن أكثر الأغانى التى تمسنى هى أغنية «سلو قلبى»؛ لأن كلماتها تعبر عن واقع حياتنا، وتنوع أم كلثوم من حيث تعاملها مع الشعراء والملحنين هو من أهم أسباب تواجدها على الساحة الغنائية حتى الآن، فكل هؤلاء عبروا، بل أرخوا لتغيرات صوت أم كلثوم فى كل المراحل العمرية التى مرت بها، وجميعهم برعوا فى تقديم قدراتها الصوتية، ومن ثم فإن أم كلثوم مثلت كل العصور وكافة الحالات الغنائية.
«للصبر حدود» كانت سر نجاح إحيائك مئوية كوكب الشرق داخل باريس.. فكيف تقبل الفرنسيون غناءك لها؟ وهل كانت لديكِ مخاوف من هذه الحفلة؟
بعد فوزى فى مهرجان الأغنية العربية فى «كازا بلانكا» بالمغرب وحصولى على المركز الأول، حيث يعد هذا المهرجان من أكبر المهرجانات العربية للغناء، وقدمت لحنًا للموسيقار الكبير هانى شنودة، المعروف عن ألحانه بأنها ليست شرقية بحتة، وبالرغم من ذلك فزت بالجائزة الأولى، وقد غنيت موالًا فى بداية هذا اللحن، وبناء عليه رُشحت من قِبل من إدارة الأوبرا وقتذاك لإحياء مئوية أم كلثوم فى باريس، وأسعدنى جدًا حضور الكثيرين من الجمهور الفرنسى إلى جانب الجاليات العربية، وغنيت أمامهم أغنية «للصبر حدود» التى لاقت استحسان وإعجاب الفرنسيين والعرب، بل إنه كان لدىّ تخوف من عدم فهم الفرنسيين لما أغنيه لأم كلثوم، ولكننى فوجئت بأنهم انبهروا بأغنية «للصبر حدود» وتفاعلوا معى، ثم اشتركت بعدها فى مهرجان «أوزبكستان»، وحصلت على جائزة التميز، وغنيت قصيدة «الأطلال» وأغنية «بالسلام إحنا بادينا بالسلام».
ما أكثر أغانى أم كلثوم التى تستهويك؟
أحب أغنية «اسأل روحك»، ومن كثرة غنائى وحبى لها، بدأ الجمهور يتساءل: ما هى حكايتى مع هذه الأغنية، وما سر حبى لها؟، فهى تعبر عن حالة عاطفية بأحاسيس ومشاعر دافئة، وكل مقطع غنائى فيها يحكى قصة؛ ولذلك أرى أن أم كلثوم هى قاموس التعبير الحسى عن كافة الحالات الوجدانية من خلال أغانيها «ثورة الشك، إسأل روحك، حيرت قلبى معاك، هجرتك»، لدرجة أننى ألمس ذلك أيضًا فى غنائها الصوفى «حديث الروح»؛ ولذلك عاشت أم كلثوم فى حياة أجيال كثيرة، فأصبح الشباب أنفسهم يحبون أغانيها.
ما رأيك فى انتهاك الرقص الشرقى الآن لحرمة أغانى أم كلثوم من خلال قيام بعض الراقصات بالرقص على بعض ألحان أغانيها؟
بالفعل هذا أمر محزن ومخزٍ فى حق تاريخ كوكب الشرق؛ ولذلك أعلن رفضى استخدام بعض الراقصات أغانى الست بهذا الشكل المبتذل والفج؛ لأنها رمز من رموز هذا البلد والوطن العربى كله، ولا بد من وجود دور رقابى للدولة يمنع هذه المهزلة، لأن الرقص على بعض ألحان أم كلثوم يشوه صورة أغانيها الجميلة، ويعبر عن عدم الوعى بقيمة ما قدمته أم كلثوم من تراث غنائى وإرث فنى وثقافى يرمز إلى هويتنا الغنائية والموسيقية، ومن أشهر الأغانى التى ترقص عليها الراقصات أغنيتا «إنت عمرى»، و»ألف ليلة وليلة»؛ لأن الجمهور يحب لحنيهما، فتقوم إحدى الراقصات بالرقص على أنغامها لكى يتفاعل معها أكثر الجمهور؛ ولذلك أرى أن الرقص الشرقى انتهك حرمة ووقار أغانى أم كلثوم؛ لأن عبد الوهاب وبليغ حمدى لم يقدما هذين اللحنين لكى يصبحا مادة موسيقية تتراقص عليها الراقصات، اللاتى يسعين لتحقيق نجاحاتهن على حساب تاريخ وجهد أم كلثوم، التى وصفها عبد الوهاب نفسه بأنها صوت لا يعرف المستحيل؛ لأنه صوت عبقرى، وبه قدرات غير طبيعية، فصوت أم كلثوم معجزة غنائية، ولم تأتِ إلى الآن مطربة تماثلها فى خامة صوتها.
إحدى المطربات المستقيلات من الأوبرا تتهم مَن يغنين للست بالأوبرا بأنهن لا يُجِدن الغناء لأم كلثوم ولكنهن يقلدنها؟
لسنا مقلدات لأم كلثوم، ولكننا نتعايش مع الحالة الوجدانية التى كانت تقدمها كوكب الشرق، ولكننى أرى أن المطربة التى تحاول أن تجود وتضيف لهذه الحالة الغنائية الخاصة بأم كلثوم «عربًا غنائية» بنوع من الفذلكة، ولم تغنِّها أم كلثوم فى مقطع معين من أغانيها، فتفسد هذه الأغانى بفذلكتها المصطنعة وتصبح نشازاً.
لا أقلد أم كلثوم، ولكننى ألتزم بالأداء الغنائى واللحنى لها من خلال شخصيتى الفنية المستقلة بعيدًا تقليدى لها؛ لأن مسألة التقليد ستنحصر من وجهة نظرى فى تقديمى لأسلوب وقفتها على المسرح والإمساك بمنديلها، ولكننى أقدم أغانيها بحسى الشخصى بعيدًا عن تقليدها، وأظن أن جمهور حفلاتى يتفاعل معى لشعوره بمصداقيتى الغنائية.
لماذا خضتِ تجربة غناء تترات المسلسلات مثل تتر المسلسل التاريخى «الفرسان»؟ ولماذا توقفتِ عن الاستمرار فيها؟
خضت هذه التجربة بمحض المصادفة، حيث رشحنى الموسيقار الراحل الدكتور جمال سلامة للمخرج حسام الدين مصطفى، وغنيت تتر المسلسل وثلاثة أغانٍ أخرى بهذا المسلسل، وقمت ببطولة مسرحية «ابن حسب الله» داخل مسرح البالون أمام الفنان الراحل المنتصر بالله، وقمت بالغناء والتمثيل فى مسرحية «لحظات» للمخرج خالد جلال، كما أنه سبق لى أثناء طفولتى الغناء فى فوازير نيللى وبرنامج البرلمان الصغير للأطفال مع الدكتور جمال سلامة، بالإضافة إلى أننى غنيت تتر برنامج «جميلة يا بلدى»، وتتر برنامج إذاعى للأطفال بعنوان «مكتبة كريم وياسمين»، وكنت أقدمه مع الفنان الشاب سامح الشجيع.
هل من الممكن أن تقدمى مشروعا غنائيا عن المراحل الفنية فى حياة أم كلثوم؟
أتمنى أن أقدم مشروعا غنائيا ضخما يضم مجموعة حفلات غنائية كبيرة، أتناول من خلالها تاريخ الست الغنائى وتقديم كافة مراحلها الغنائية المختلفة؛ لأن معظم الجمهور لا يعرف إلا المرحلة الأخيرة فقط من حياتها ومشوارها الغنائى، علمًا بأن هناك أغانى تعد علامات فنية كبيرة فى بداية مشوارها الفنى، ومنها على سبيل المثال «على بلد المحبوب»، ألحان رياض السنباطى.