تُعتبر سلطنة عمان من الدول الرائدة في مجال الحفاظ على البيئة، حيث تعكس جهودها في الحفاظ على البيئة التزامها العميق بالاستدامة البيئية والتوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية الموارد الطبيعية. من خلال استراتيجياتها الوطنية المتكاملة، إذ تشمل مبادرات عُمان إدارة فعالة للموارد المائية، حماية الحياة البرية، وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة. وتجسد هذه الجهود التزام عُمان بتحقيق التنمية المستدامة، مما يجعلها نموذجًا يحتذى به في المنطقة في تحقيق التوازن بين الحفاظ على البيئة وتعزيز النمو الاقتصادي.
تعتمد الاستراتيجية العُمانية لحماية البيئة على التنمية المستدامة من خلال تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والبيئية، وتتضمن سياسات للحفاظ على الموارد الطبيعية، وتطوير قطاعات الطاقة المتجددة، والتحكم في التلوث، وحماية التنوع البيولوجي، وتشمل هذه الاستراتيجية عدة محاور رئيسية تشمل الحفاظ على جودة الهواء والمياه والبيئة البحرية، إدارة النفايات، تعزيز الوعي البيئي، ومواجهة التغيرات المناخية.
وقطعت عُمان أشواطًا في مجال وضع القوانين والسياسات والخطط والبرامج البيئية وتطبيقها بهدف حماية البيئة والحد من التلوث، بالإضافة إلى التنبؤ بالطقس لإدارة حالات الأنواء المناخية بشكل أفضل، كما تسعى لتجنب العديد من الآثار المحتملة للتغيرات المناخية على النظم الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية وذلك بالاستعداد لإدارة مخاطر التغيرات المناخية عن طريق اتخاذ الإجراءات وإعداد الاستراتيجيات الوطنية لتخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة، وأخرى معنية بالتكيف مع تلك التأثيرات لمجابهة المخاطر المحتملة في هذا الشأن.
وتعمل هيئة البيئة على وضع استراتيجيات وخطط بيئية لحماية السواحل والبيئة البحرية، والقيام بإجراء دراسات وبحوث علمية تهدف إلى فهم التحديات البيئية التي تواجه البيئة البحرية، مثل التلوث، والصيد الجائر وتغير المناخ، بما يتوافق مع الأولويات والبرامج لاستراتيجية عُمان للبيئة ورؤية عُمان ٢٠٤٠.
وتتمثل الجهود الوطنية لهيئة البيئة في حماية البيئة البحرية وصون التنوع الاحيائي في بحار عُمان في حماية الكائنات البحرية المهددة بالانقراض من خلال تطبيق القوانين والتشريعات البيئية أهمها قانون حماية البيئة ومكافحة التلوث وقانون المحميات الطبيعية وصون الأحياء الفطرية اللذان تمت بموجبهما حماية الشواطئ والحياة البحرية والأنظمة البيئية الحساسة مثل الشعاب المرجانية وأشجار القرم وتنظيم تصريف النفايات السائلة والصلبة في البيئة البحرية والساحلية.
وتكاملاً مع دور هيئة البيئة، تقوم جمعية البيئة العُمانية بإجراء دراسات وأبحاث علمية حول المناطق البحرية ذات الأهمية الخاصة وحول الحيوانات البحرية المُهددة بالأخطار أو الانقراض، والأضرار التي تتعرض لها هذه الحيوانات وموائلها الطبيعة، كما تقوم بإعداد واقتراح ورسم الحلول المناسبة والتوصيات وتدابير الصون اللازمة، وإبلاغها إلى الجهات المعنية بغية وضعها موضع التطبيق والإجراء، كما تقوم بتنفيذ مبادرات خاصة تهدف إلى تغيير المفاهيم والسلوكات والتصرفات اليومية للأفراد بما يحقق الوصول إلى حماية المناطق البحرية ذات الأهمية العالية مثل جزيرة مصيرة ومحمية جزر الديمانيات الطبيعية.
وتأكيدا للاهتمام العُماني بالقضايا البيئية والشؤون المناخية ودعمها المستمر لتلك الجهود فقد توجت جهودها بتحقيق العديد من الإنجازات التي من أبرزها توقيع عُمان على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتغير المناخ، وأيضا صدور القرار الوزاري رقم 41/2008 الخاص بتشكيل اللجنة التوجيهية للتنسيق والإشراف على تنفيذ مشروع بناء القدرات في مجال التغيرات المناخية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بهدف إعداد ونشر تقرير البلاغ الوطني الأول للسلطنة بشأن التغيرات المناخية استنادا للدراسات الوطنية المعتمدة ووفقا لإرشادات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وذلك من خلال تجميع وتجهيز المعلومات التي سيتم تضمينها في التقرير المذكور الذي سيتم تقديمه إلى سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطاري بشأن تغير المناخ.
وهناك العديد من الجهود غير الحكومية التي تدعم جهود الحكومة في حماية البيئة، ومن بينها تأسيس الجمعيات الأهلية، مثل جمعية البيئة العمانية، وجوائز عُمان الخضراء.
وحرصا على تأدية مسؤوليتها البيئية، تبنت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات مبادرة بيئية تتمثل في خلق نظام بيئي سليم لتقنية المعلومات، مما سيسهم في الحد من التلوث، والترويج لثقافة إعادة التدوير، وإيجاد بيئة عمل صديقة للبيئة، وأُطلق على المبادرة اسم «المبادرة الخضراء»، وتتمثل مهمتها في إيجاد بيئة رقمية خضراء واستغلال كافة الموارد، وسياسة بيئية لتحقيق أهدافها، مثل عمل مبادرات أخرى حول إعادة التدوير، وتنظيم حلقات عمل توعوية، وتشجيع تبادل الخبرات عالميا ودوليا في مجال المبادرات الخضراء.
وتتلخص دعائمها الأساسية في ثلاث نقاط، هي التقليل من استهلاك المواد، وإعادة استخدام وتجديد المواد في المتناول، إضافة إلى توفير الأدوات، والمواصلات، وتدوير النفايات الإلكترونية، وتوصيل الخدمات الإلكترونية، ومتابعة ووضع معايير، وتوجيه، وإدارة النفايات الإلكترونية، وغيرها، ويهتم بتنفيذ المبادرة ثلاثة فرق تتمثل في فريق المتابعة، ويقوم بتحديد أفضل الممارسات ونشرها، والإرشاد حول كيفية إيجاد بيئة خضراء، وفريق الفعاليات المسؤول عن إقامة حلقات عمل وندوات ودورات تدريبية، وتنظيم مسابقات تروج لثقافة المبادرة الخضراء، وفريق التوعية لنشر الوعي حول المبادرة الخضراء وأهميتها، بالإضافة إلى قياس مدى فعالية المبادرات الخضراء حسب المعايير المتفق عليها. ومن ضمن الممارسات التي تنفذها المبادرة مشاركة المعارف والمعلومات إلكترونيا، وإدارة النفايات الورقية، وإدارة الطاقة والحد من انبعاثات الكربون، وضمان جودة وكفاءة الممارسات.
ومن ضمن المبادرات «الاستمطار الصناعي»، فبعد عمل دراسات مكثفة تبين إمكانية تطبيق طريقة تساهم في زيادة كميات الأمطار، ويعمل عن طريق تركيب محطات تحتوي على بواعث أيونية ترسل الأيونات السالبة لتلتحم مع ذرات الغبار العالقة في الهواء لتزيد كميات الأمطار، وتم اختيار الطريقة الأيونية كونها الأكثر أمانا. كما تم تجهيز المشروع للعمل عام 2012 في عدة مواقع منها الجبل الأخضر بسبب توفر الظروف المناسبة، مثل السحب الركامية المتوسطة والتيارات الهوائية الصاعدة والرطوبة العالية.
كما تعد أشجار القرم مهمة جدا للبيئة العمانية كونها مقاومة للملوحة، ومهمة لتوفير بيئة طبيعية وملائمة لتكاثر ونمو الأحياء البحرية. ولذا تم تنفيذ مشروع استزراع أشجار القرم في أكثر من 20 موقعا ساحليا في عُمان، تتركز معظمها في مسقط، وصور، وشمال الباطنة، وجزيرة مصيرة، وبر الحكمان، وصلالة، وتؤكد الدراسات أن استزراع هذه الأشجار هو اهتمام شامل بالبيئة العمانية وخاصة البيئة البحرية حيث تمثل هذه الأشجار مصدرا غذائيا غنيا للكائنات البحرية.
كما تم في عام 1995م تنفيذ مشروع الخطة الرئيسية لحماية المياه الجوفية من التلوث كونها أهم مصادر المياه العذبة في عُمان، وقد تطرقت الدراسة إلى تحديد وتقييم مصادر التلوث المحتملة على المياه الجوفية التي تم تصنيفها إلى عدة مصادر رئيسية أهمها خزانات الصرف الصحي، ومواقع التخلص من المخلفات الصلبة، ومحطات الصرف الصحي، وأنشطة التعدين، وأنشطة النفط، ومحطات تحلية المياه، والأنشطة الزراعية، ومحطات الوقود، والمناطق الصناعية والتجارية.
وركزت مخرجات الخطة على متابعة تنفيذ اللوائح المتخصصة في مجال حماية مصادر المياه من التلوث وتعزيز القدرات الوطنية في مجال الرقابة البيئية، كما يتواصل تنفيذ توصيات الخطة الرئيسية لحماية المياه الجوفية من خلال إجراء مسح مكثف على عدد من المواقع الرئيسية للتخلص من المخلفات الصلبة ودراسة تأثيراتها البيئية وتقييم الوضع المائي بالمنطقة المحيطة بها والتزويد بالمعدات الخاصة ببرامج المراقبة والتفتيش وتدريب المختصين في مجال إدارة تلوث المياه الجوفية.
ويهدف مشروع تحديث الخطة الوطنية لمكافحة التلوث الزيتي إلى تطوير وتحديث الخطة الوطنية لمكافحة التلوث الزيتي لتتناسب مع المتغيرات التي تشهدها عُمان حيث تم وضع هذه الخطة في عام 1985م وتم تحديثها في عامي 1993م و1995م، مع الحرص على تحديث الخطة باستمرار وذلك للازدياد المطرد للمنشآت الساحلية التي قد تؤدي إلى تسربات زيتية إلى البيئة البحرية مثل الموانئ والمناطق الصناعية وناقلات النفط التي تعبر المياه الإقليمية العُمانية.
كما يعد مشروع مسح الصقر الأدهم من أهم المبادرات، وتجذب السلطنة ما يقارب 511 نوعا من الطيور بسبب تنوع بيئاتها ومناخها، كما تجذب 10% من أعداد الصقور في العالم. ومنها الصقر الأدهم الذي يعد مهددا بالانقراض، ولذا تعمل عدد من المؤسسات المختصة بالبيئة في عُمان ومؤسسات دولية على دراسة هذا الصقر، حيث تتم مراقبة الصقور من جزر الديناميت وجزيرة الفحل لكثرة أعددا الصقور التي تعشش فيهما. وقام فريق المسح بترقيم 369 صقرا في عام 2012، وأثبتت البيانات تناقص أعداد الصقور والأعشاش بشكل تدريجي، كما يتم تطوير خطط عمل وطنية وإقليمية لصون هذا النوع من الطيور.
وتفرض عُمان عقوبات شديدة على من يهددون أمن البيئة قد تصل في بعض الحالات إلى السجن المؤبد أو غرامة لا تقل عن مائة ألف ريال عماني ولا تزيد عن مليون ريال عماني مع مطالبة المتسبب بالتلوث بإزالة آثار التلوث الذي سببه، وذلك حسب المادة (42) من قانون حماية البيئة العُمانية، مما يسهم في ردع أصحاب المشاريع والمصانع عن مخالفة القوانين خوفا من العقوبات الصارمة.
إجمالاً يمكن القول أن جهود سلطنة عمان في الحفاظ على البيئة تنبع من خلال هذه الاستراتيجيات التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، مما يعكس التزامها القوي بالاستدامة البيئية وتعزيز جودة الحياة في المجتمع العُماني.