رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مقام السيدة رقية.. شفاء النفس من أوجاع الحياة


4-9-2025 | 15:09

مقام السيدة رقية

طباعة
تقرير: أميرة صلاح

بمجرد أن تطأ قدماك شارع الأشراف العامر بعبق التاريخ، تجذبك رائحة البخور المتصاعدة من الدكاكين الصغيرة، وتظلّ تتبع هذا الأثر الممتزج بالسكينة حتى تجد نفسك أمام مقام ستنا رقية، حفيدة سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم، حيث تتجسد المحبة فى أبهى صورها. هنا، فى قلب حى الخليفة، تختلط مشاعر الزائرين بين التبرك والتأمل، فيشعر المرء أنه لا يسير على أرض عادية، بل على بساط من الذكريات الروحية التى حُفرت فى وجدان القاهرة منذ قرون.

ومع قدوم ذكرى المولد النبوى الشريف، تزداد الساحة حول المسجد بهجة وازدحامًا، فتتحول الأزقة الضيقة إلى نهرٍ من البشر، يحملون قلوبًا مثقلة بالدعاء وأيادى ممتدة بالابتهال. نساء يحملن أطفالهن ليتبركوا بالزيارة، وشيوخ يجلسون قرب الضريح يرددون آيات الذكر، وشباب يجدون فى المكان فرصة لاكتشاف جمال العمارة الفاطمية وما تحمله من روحانية متفردة.

إنه مشهد إنسانى خالص، يذوب فيه الفقير مع الغني، والعالم مع البسيط، والجميع يجتمع على محبة آل البيت فى أجواء تحتضنها القاهرة كجزء من هويتها الروحية. فالمولد النبوى هنا لا يقتصر على الاحتفالات والإنشاد، بل يمتد ليكون رحلة وجدانية، يجد فيها الزائر عزاءً من همومه وقربًا من سيرة النبى وأحفاده الأطهار، وكأن المكان يقول لكل منْ يقصده: «هنا تجد السكينة، وهنا يتجدد معنى المحبة فى حضرة آل البيت».

تستحوذ مساجد آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، على منزلة خاصة فى نفوس المصريين، وفى محبتهم حيث قال الإمام الشافعي: «يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله فى القرآن أنزله.. كفاكم من عظيم الفخر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له».

ولذلك حرصت الدولة المصرية على وضع برنامج» إحياء القاهرة التاريخية» الذى يعمل على ترميمها وتطويرها وصيانتها، حيث تمت إعادتها إلى سابق عهدها من حيث سلامة المبانى بتصميماتها الأصلية وتوظيف الفراغات المحيطة بها لإضافة المظاهر الجمالية والعمرانية، وقد تم إعدادها لاستقبال المصلين وإقامة الشعائر منذ افتتاحها.

ويأتى ذلك تنفيذا للتوجيهات الرئاسية بإحياء وتجديد كل مساجد آل البيت بمصر، إذ أطلقت الدولة مخططا لإحياء هذا الطريق تحت عنوان «تطوير مسار مزارات آل البيت»، ويبدأ المسار بمسجد السيدة زينب، ثم مسجد أحمد بن طولون ثم مزارات شارع الأشراف، وبتكلفة إجمالية 150 مليون جنيه. ويهدف المخطط لتحويل شارع الأشراف ليحاكى شارع المعز لدين الله الفاطمى؛ وليصبح مزارا سياحيا وتاريخيا ودينيا.

وهو ما يعد طفرة هائلة تشهدها منطقة جنوب القاهرة التاريخية حاليا لم تحدث من قبل؛ لتجعل أى زائر تطأ قدماه هذه المنطقة يعايش عصر القاهرة الفاطمية بكافة تفاصيلها، واستحضار الصورة الذهنية لجميع عناصره، ليسير وكأنه فى متحف مفتوح يعيد لها عمقها التاريخي.

وبالرغم من الشهرة الواسعة التى تحظى بها مساجد آل البيت، إلا أن للسيدة رقية محبين مخلصين تعاهدوا معها على زيارتها بشكل دائم، وقد قابلنا العديد منهم خلال جولتنا.

«مهما تحمل من هموم وضغوط، زيارتك لمسجد ستنا رقية رضى الله عنها يزيحها ويدخل السكينة لقلبك»، مقولة بدأ بترديدها محمد عبد العليم، القادم من الفيوم، وهو يتأمل معالم المسجد الذى شهد تطويراً، اعتاد محمد أن يأتى لزيارة مساجد آل البيت كل فترة.

يوضح صاحب الثامنة والثلاثين عاما أن زيارة آل البيت المدفونين فى شارع «الأشراف» من أجمل وأحب الأشياء التى يفعلها، لاسيما فى شهر رمضان؛ حيث يكون للزيارة مذاق خاص مع تزايد الزائرين وذكر الله والصلاة على النبى محمد وأهل بيته الكرام فى حضرة آل البيت، وتعالى الأصوات بالأدعية والابتهالات ورؤية الأحباب بجميع فئاتهم وأشكالهم وألوانهم تحت راية حب آل البيت.

ويضيف: «آتى لشارع الأشراف كل شهر تقريبا للبحث عن الروحانيات التى ألتمسها بحب وطمأنينة، فبينما تتجول فى الشارع المبارك تستحضر الروحانيات، وتتمنى أن يعود بك الزمن لتعيش فى حضرة آل البيت وتلقى نظرة على من أوصانا بهم رسول الله، حيث قال: «أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشرٌ يوشكُ أن يأتى رسول ربى فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى النور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به»، ثم قال: «وأهل بيتي، أُذَكركم الله فى أهل بيتي، أذكركم الله فى أهل بيتي، أذكركم الله فى أهل بيتي»، رواه مسلم.

ويوضح أنه يحرص على زيارة كافة مساجد آل البيت «سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة كذلك السيدة سكينة؛ ولنختم الزيارة بستنا رقية رضوان الله عليها»، وذلك للتزود بالحب فى رحاب آل البيت والتقرب منهم ومودتهم تنفيذاً لوصية المصطفى، عليه الصلاة والسلام، سواء بزيارتهم فى الأيام العادية أو حضور موالدهم وإحياء ذكراهم على الدوام.

أما حسين عبدالرحيم، محب أهل البيت وأحد المترددين على مسجد السيدة رقية، فيقول: «فى الساعات الأولى من صباح كل يوم تجد العشرات من محبى السيدة رقية، من مختلف دول العالم قادمين باحثين عن السكينة فى حضرة آل البيت».

ويضيف: أن الأجواء هنا فى مساجد أهل البيت جميعها تفوح منها الروحانيات والنورانيات، كما أن المكان كله صالحون، سواء كانت مشاهدهم معروفة أو مغمورة أو اندثرت، فبجوار مشهد السيدة رقية يقع مقام السيدة «عاتكة» زوجة سيدنا محمد بنت سيدنا أبو بكر»، والإمام «على بن جعفر الصادق»، فهذا المكان لا يخلو من هذه البركات، وأنتظر رمضان كل عام من أجل هذه الرحلة والصلاة فى المساجد هنا سواء مسجد السيدة نفيسة أو السيدة رقية والسيدة سكينة وغيرهن، ملاذاً لتطهير النفس وشفاء الروح من أوجاع الحياة.

فيما توضح السيدة نجوى محمد القادمة برفقة ابنتها لزيارة مساجد آل البيت، أن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بحب آل البيت، فمع ضغوط الحياة نحتاج لنغتسل من تلك الهموم، فتكون قبلتنا لمساجد أهل بيت رسول الله، التى تكون لزيارتهم أثر كبير من الروحانيات العالية، فعندما ندخل بيوت آل البيت نشعر فى رحابهم بشعور جميل لا يوصف، حيث نشعر براحة عظيمة، وبالرحمات تتنزل علينا، وكيف لا نشعر بذلك وهم آل بيت نبى الله نبى الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وتضيف: «لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة فى القربي»، هكذا ذُكر فى القرآن الكريم، فحب آل البيت شيء عظيم ودليل على الحب الشديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كما قال نبى الرحمة «أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبونى لحبّ الله، وأحبّوا أهل بيتى لحبّي»، فمن نعم الله جل جلاله أن أنعم علينا بحب آل البيت، ونسأل الله رب العرش العظيم أن يكرمنا بهم، ويمدنا بمددهم الشريف، ويبعثنا معهم ويجازيهم عنا كل خير.