بعد إعلان وزير الإعلام اللبناني، بول مرقص، أن مجلس الوزراء وافق على «إنهاء الوجود المسلح على كامل الأراضى بما فيه حزب الله»، شهدت العاصمة والمدن الجنوبية مظاهرات مستمرة تأييدًا لحزب الله، فى مواجهة الخطة التى من شأنها أن تدفع الحزب للتخلى عن جميع أسلحته بحلول نهاية هذا العام.. بينما تعهد نعيم قاسم، القائد الجديد لحزب الله، بعدم الرضوخ للضغوط، مؤكدًا مجددًا أن السلاح ضرورة للدفاع عن النفس فى وجه العدوان الإسرائيلي. لكن الحكومة اللبنانية تتمسك بموقفها، حيث قال الرئيس جوزيف عون إنه «لن يسمح لأى طرف، دون استثناء، بحمل السلاح أو طلب الدعم الخارجى»، فى إشارة مبطنة إلى «حزب الله».
وتنص المرحلة الأولى من الخطة على أن تصدر الحكومة اللبنانية، فى غضون 15 يومًا، مرسومًا تلتزم فيه بنزع سلاح حزب الله كليًا بحلول 31 ديسمبر 2025. وفى هذه المرحلة، ستتوقف إسرائيل عن العمليات العسكرية البرية والجوية والبحرية. أما المرحلة الثانية، فتتطلب من لبنان البدء بتنفيذ خطة النزع خلال 60 يومًا، مع موافقة الحكومة على «خطة مفصلة لوضع كل الأسلحة تحت سلطة الدولة».. وخلال هذه الفترة، ستبدأ إسرائيل بالانسحاب من المواقع التى تسيطر عليها فى جنوب لبنان، والإفراج عن المحتجزين اللبنانيين بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وفى المرحلة الثالثة، ستنسحب إسرائيل فى غضون 90 يومًا من آخر نقطتين من النقاط الخمس التى تحتلها، بالتزامن مع توفير التمويل لبدء إزالة الأنقاض وإعادة تأهيل البنية التحتية، تمهيدًا لإعادة الإعمار. أما المرحلة الرابعة، فتنص على أن يتم خلال 120 يومًا تفكيك ما تبقى لدى حزب الله من أسلحة ثقيلة، بما فى ذلك الصواريخ والطائرات المسيرة.
فى الوقت ذاته، واصلت إيران دعمها لحزب الله، حيث زار على لاريجاني، رئيس مجلس الأمن القومي، لبنان مؤخرا، واجتمع مع قيادات لبنانية وقادة من الحزب.. ورغم أن الدعم الإيرانى قد يقتصر فى هذه المرحلة على الدعاية والتعبئة الإعلامية، بعد أن تعرضت خطوط الإمداد عبر سوريا لضغوط وتشديد ملحوظين، يرى خبراء أن طهران ستواصل بذل كل ما فى وسعها لدعم حزب الله.
وفى هذا السياق أشار الكاتب والمحلل السياسى، توفيق شومان إلى أنه حتى الآن لا يمكن الحديث عن تحديات أمنية لبنانية داخلية مرتبطة بملف السلاح، موضحًا لـ«المصور» أن الحكومة اللبنانية - بمعزل عن وزراء حركة أمل وحزب الله - حددت مهلة زمنية لحصر السلاح حتى أواخر العام الجارى، غير أن تنفيذ القرار يحتاج إلى توافق داخلى ورؤية واضحة من قيادة الجيش. وأشار «شومان» إلى أن الجيش اللبنانى يرفض الدخول فى مواجهة مع شعبه وجمهوره، وبالتالى لن يتحرك لتنفيذ القرار ما لم يتوافر الإجماع الوطنى. وأضاف أن إيران، من جهتها، لن تعارض أى اتفاق يتوصل إليه اللبنانيون فيما بينهم، لافتًا إلى أن حزب الله أكد مرارًا أن قراره داخلى ولبنانى. «شومان» يرى أن الحكمة تقتضى أن تتحلى قرارات الحكومة بالواقعية وألا تنزلق نحو تطبيق إجراءات لا تحظى بالتوافق، معتبرًا أن الرهان فى النهاية يبقى على صوت العقل.
وذكر «شومان» أن الرئيس عون كان قد تحدث فى خطاب القسم عن ضرورة صياغة استراتيجية وطنية للأمن، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق إلا عبر حوار داخلى واسع. ويشير إلى أن هذا الطرح يتقاطع مع موقف حزب الله الذى يطالب بالحوار بوصفه المدخل الطبيعى لحصر السلاح، ما يجعله نقطة التقاء وطنية يمكن البناء عليها.
وفى حديث خاص لـ«المصور»، اعتبر الكاتب والباحث فى أكاديمية باريس للجيوبوليتيك، فيصل جلول أن فرضية إجبار حزب الله على تسليم سلاحه تبدو شبه مستحيلة فى ظل موازين القوى الداخلية.. فالحزب، رغم الضربات القاسية التى تلقاها، ما زال أقوى من الجيش اللبناني، والدولة اللبنانية تدرك أنه لو كان بوسعها نزع سلاحه لفعلت ذلك فى عهود سابقة. «جلول» يرى أن أى محاولة لإجبار الحزب على التخلى عن سلاحه لن تكون إلا بقرار سياسى محفوف بالمخاطر، إذ قد تتحول بشكل غير مباشر إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل، وهو ما قد يدفع الحزب إلى الرد من عدة جبهات، فيما يظل احتمال انقسام الجيش اللبنانى قائمًا، بما يحيل السيناريو برمته إلى مغامرة شبه مستحيلة.
أما عن دور إيران، فأوضح «جلول» أن هامش طهران فى دعم الحزب محدود، إذ يقتصر على المساندة السياسية والمالية وتحريك بعض المنظمات الدولية. ويستبعد أن تقدم إيران على تدخل عسكرى مباشر، خاصة أنها لم تفعل ذلك حتى فى ذروة الاغتيالات والضربات التى استهدفت قيادات الحزب.. ويرى «جلول» أن قدرة الدولة اللبنانية على فرض نزع السلاح دون الانزلاق إلى مواجهة داخلية ضعيفة، مستشهدًا بتجربة العام 1984، حين انقسم الجيش اللبنانى بعد محاولات ضرب المقاومة، الأمر الذى قد يتكرر اليوم ويعيد شبح الحرب الأهلية الطائفية التى تهدد كيان لبنان برمته.
وعن السيناريوهات المحتملة، يوضح «جلول» أن الخيار الأمثل من وجهة نظر حزب الله هو دمج قوته ضمن هيكل الدولة، بحيث يصبح سلاحه منظمًا وتحت غطاء رسمي. إلا أن هذا الطرح لا يلقى قبولًا لدى إسرائيل أو الولايات المتحدة. أما السيناريو الآخر فيتمثل فى مواصلة عزل الحزب ومحاولة شق الصف الشيعى من حوله، وهو ما لم ينجح حتى الآن بسبب متانة التحالف مع حركة أمل.. وفى المقابل، قد يراهن الطرفان على عامل الوقت، بحيث تستمر الدولة فى الضغط على الحزب أملًا فى خلق انقسامات داخلية، فيما يسعى الحزب إلى إعادة ترتيب صفوفه بانتظار تحولات إقليمية قد تمنحه هامش مناورة أوسع.. وأضاف «جلول» أن ثمة احتمالًا آخر يتمثل فى إبرام صفقة إقليمية كبرى تشمل الملف النووى الإيراني، لكن غياب أى مؤشرات على قرب تحقق ذلك يجعل حالة عدم الاستقرار هي السيناريو الأكثر ترجيحًا فى المرحلة المقبلة.