شاب فى مقتبل العمر، سيدة أربعينية، طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره، اختلاف الأعمار لم يمنع تكرار مشاهد الإغماء لكل منهم وسط زحام عربات مترو الأنفاق، أو بين المارة فى الشوارع، المشهد يزداد تكراره خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة.
«من منا لم يحدث له أو لأحد أفراد عائلته ولو مرة واحدة فى حياته حالة من الإغماء، ثم عاد بعدها ليمارس حياته بصورة طبيعية كأن شيئا لم يكن؟» هكذا بدأ الدكتور محمود عكاشة، مدرس الحالات الحرجة بكلية طب قصر العينى جامعة القاهرة، حديثه، كاشفًا أن «حالات الإغماء تمثل نسبة كبيرة من حالات الطوارئ فى المستشفيات فتقدر ما بين 2 إلى 3 فى المائة من عدد الحالات اليومية، وطبقا للدراسات فإن نسبة حدوث الإغماء فى البشر عموما تمثل من 40 إلى 50 فى المائة ولو مرة واحدة فى العمر».
«د. محمود»، قال: للدقة والتمييز بين حالات «الإغماء» وغيرها من الأمراض ذات الأعراض المشابهة، فقد تم وضع تعريف عالمى لـ«الإغماء» وهو «فقدان الوعى المؤقت لفترة وجيزة ثم عودة الوعى الكامل بدون أى تدخل»، وهو من ضمن مجموعة من الأمراض التى تشترك فى صفة فقدان الوعى المؤقت الذى يكون معه فقد كامل للوعى والاستجابة مع عدم القدرة على تذكر تلك الفترة وعدم التحكم فى القوة الحركية مطلقا لفترة وجيزة، ولكن ما يميز الإغماء عن بقية الأمراض هو رجوع الوعى بصورة كاملة من دون أى تدخل.
أسباب الإغماء الحقيقى، كما نصت عليها التوصيات العالمية، بحسب «د. محمود»، ثلاثة أسباب رئيسية، أولها حدوث الإغماء كرد فعل من الجسم لبعض المؤثرات الطبيعية التى تتفاوت فى تأثيرها على البشر، ولكن فى الذين يعانون من الإغماء تنشط تلك المؤثرات الجهاز العصبى اللاإرادى فى الجسم فيحدث تمدد فى الأوعية الدموية وهبوط فى ضغط الدم وأحيانا تباطؤ فى ضربات القلب مما يؤثر على تدفق الدم للمخ، ومن المعروف أنه إذا قلّ تدفق الدم إلى المخ فترة أطول من 6 إلى 8 ثوانٍ فإن الإنسان يفقد الوعي، وعند فقدان الوعى وحدوث الإغماء فإن سقوط الجسم على الأرض يعمل على انقباض العضلات وتدفق الدم بسهولة إلى المخ مرة أخرى فيسترجع الوعى فى لحظات أخرى، ومن بين تلك المؤثرات، الإحساس بالألم، الخوف الشديد أو الضغط النفسي، وأيضا عند التواجد فى الزحام كالمترو والتجمعات وزيادة درجات الحرارة، ومنها بعض المواقف الطبيعية كالتبول والتبرز أو انتفاخات الجهاز الهضمى وبعد بذل مجهود أو بعد تناول وجبة دسمة، ومنها أيضا عند الضحك الشديد والبكاء.
كما أوضح «عكاشة»، أن «ثانى الأسباب الرئيسية هو انخفاض ضغط الدم الانتصابي، والمقصود به حدوث انخفاض شديد فى ضغط الدم عند تحرك الجسم من وضع الرقود إلى وضع الوقوف منتصبًا، هذا الانخفاض يؤدى إلى عدم تدفق الدم إلى المخ والإغماء بنفس الطريقة التى تحدث فى النوع السابق، ومن أشهر أسباب حدوث هذا النوع هو أدوية الضغط المرتفع وموسعات الأوعية الدموية، أو وجود جفاف شديد أو فقدان للدم (نزيف) أو للسوائل (إسهال شديد أو ترجيع) بدون تعويض لتلك السوائل المفقودة بصورة عاجلة، أيضا من تلك الأسباب هو مرض السكرى المتقدم أو شرب الكحوليات بكثرة».
ثالث الأسباب، بحسب «د. محمود»، يتمثل فى وجود خلل ما فى القلب، يؤثر بصورة مباشرة على ضغط الدم ووصول الدم بصورة طبيعية إلى المخ.
وتابع «عكاشة»: بعض أنواع الإغماء تنتج عن أمراض معينة، ولكنه ليس إغماء كما نصت عليه التوصيات، مثل حدوث إغماء نتيجة تشنجات أو زيادة كهرباء المخ، أو حدوث نزيف، أو جلطة حادة بالمخ، أو توقف القلب المفاجئ، أو نقص الأكسجين، أو السكر بالدم؛ لأن كل هذه الأسباب تتطلب التدخل العاجل لإصلاحها حتى يتم استرجاع الوعى والتى إذا لم يحدث التدخل قد تتفاقم المشكلة إلى فقد كامل للوعى دون عودة.
كما أشار إلى أنه «نظرا لانتشار حالات الإغماء ووجودها فى كافة الفئات العمرية من أطفال وشباب وكهول وشيوخ ووجودها فى الذكور والإناث على حد سواء؛ فإن التوصيات العالمية جعلت هناك وحدات خاصة فى الطوارئ والمستشفيات تسمى وحدات الإغماء، وحددت لحالات الإغماء مجموعة من الفحوص، فيما تسمى دراسات الإغماء، وفى التخصصات الباطنية والقلب هناك ما يسمى تخصص لدراسات الإغماء تشمل تلك الفحوص، (بعد أخذ التاريخ المرضى بصورة كاملة) عمل رسم قلب عادى وأحيانا عمل رسم قلب مستمر (هولتر) لمدة 24 أو 48 ساعة عند الشك فى حدوث ضربات للقلب خبيثة تحدث بصورة متقطعة تتسبب فى الإغماء, وقياس ضغط الدم عند الوضع راقدا ثم واقفا, وعمل موجات صوتية على القلب للوقوف على الأسباب القلبية للإغماء, وعمل تحاليل وفحوصات منها صورة الدم واختبار الحمل وقياس المعادن وعمل تحليل الغدة الدرقية».
و«لحسن الحظ أن أغلب حالات الإغماء فى السن الصغيرة تكون من الدرجة البسيطة التى يتم التعامل معها بمحاولة تجنب الأسباب إذا أمكن والحفاظ على شرب السوائل بكميات كافية وعمل بعض التمارين التى تسمى بحركات الضغط المضاد عند الشعور ببدء نوبات الإغماء أو الأعراض المصاحبة لما قبل الإغماء حتى يستعيد ضغط الدم نسبته الطبيعية، ولا يتم حجز تلك الحالات فى المستشفيات وخصوصا إذا كانت تلك أول مرة أو تلك النوبات تحدث بصورة متباعدة جدا، ولكن عند حدوث تلك النوبات فى المرضى ذوى التاريخ المرضى لقصور أو خلل فى القلب أو الصمامات أو كهربية القلب لا بد من حجز المرضى فى المستشفيات وأحيانا فى العناية المركزة، ولا بد من العلاج تحت إشراف متخصصين فى القلب وأمراضه».