«ضغوط لتحقيق أهداف أخرى».. عبارة جاءت فى واحد من أبرز خطابات الرئيس عبدالفتاح السيسى، مكاشفة ومصارحة، لا سيما وأنه يتحدث عن ملف من أخطر الملفات التى تُديرها مصر باحترافية وصبر فى آن معًا، ملف «مياه النيل وحصة مصر»، فالرئيس السيسى، الذى التزم سنوات عدة بـ«لغة الحوار» ولم يدع الاستفزازات التى تتعرض لها القاهرة بين الحين والآخر تدفعه لـ«الانزلاق فى حرب كلامية» أو السير فى طريق يريد بعضهم فرضه على مصر، هو ذاته الذى قطع على نفسه عهدًا عندما قال: «لن نسمح أبدًا أن يتم المساس بالمياه التى يعيش عليها 105 ملايين، و 10 ملايين تقريبًا من الضيوف.. فلا نُسميهم باللاجئين».
الوعد الذى قطعه الرئيس السيسى على نفسه، لم يمنعه كذلك من التأكيد على «السياسة الحكيمة» التى تُدير بها مصر ملفاتها، ليس هذا فحسب، بل جاء ليجدد ما سبق أن أكد عليه مرارًا وتكرارًا، بأن «مصر لا تستبعد أحدًا» وأن «القاهرة» ترفع شعار «الجميع» وليس «نحن وهم»، وهو ما جاء واضحًا فى كلمته التى ألقاها - ظهر الثلاثاء الماضى- أثناء المؤتمر الصحفى مع نظيره الأوغندى، يويرى كاجوتا موسيفيني.
تحدث الرئيس السيسي عن مشكلة «المياه» بشفافية، حيث قال: «وجدت فى النقاش مع فخامة الرئيس وجهة نظر يجب أن أذكرها لكم.. حيث تساءل فخامة الرئيس إن كنا جميعًا معًا.. فذكرتُ أننا جميعًا معًا بالطبع.. وأنه لا يوجد خلاف على ذلك.. وذكر الرئيس موسيفينى أن حجم المياه الذى يسقط على الحوض، سواء كان من النيل الأزرق أو النيل الأبيض، بالأسس العلمية يصل إلى 1600 مليار متر مكعب من المياه سنويًا.. وأنه يتم تقسيم هذه المياه جزء إلى الغابات والمستنقعات، وجزء يُستخدم فى الزراعة، وجزء يتبخر، وجزء إلى المياه الجوفية، والجزء اليسير هو الذى يصل إلى النيلين الأبيض والأزرق.. وهو تقريبًا 85 مليار متر مكعب من المياه الذى نتحدث عنه.. بما يمثل نحو 4 فى المائة من الـ 1600 مليار متر مكعب».
وردًا على ما يردده البعض حول أن مصر تعارض «التنمية فى دول حوض النيل»، جاء رد الرئيس «السيسى» قاطعًا، حيث أوضح أن «موقفنا منذ البداية أننا لسنا ضد التنمية، ولم نتحدث حتى عن الاقتسام العادل للمياه، حيث إن ذلك سيعنى التحدث عن الـ 1600 مليار متر مكعب من المياه.. وإنما نتحدث عن المتبقى وهو لا يزيد على 4 فى المائة أو 5 فى المائة.. وذلك أمر مهم جدًا.. فنحن لا نردد «نحن وهم».. بل نحن جميعًا.. فلا أقول مصر والسودان فقط وهم.. وإنما أقول إننا جميعًا معًا.. نعيش جميعًا، وننمو جميعًا، ونتعاون جميعًا من أجل ازدهار واستقرار بلادنا. ومن أجل ذلك، أؤكد مرة أخرى فيما يتصل بموضوع المياه بالنسبة لمصر أنه ليس هناك سبيل آخر لنا».
بالطبع لم يغب الشارع المصرى عن كلمة الرئيس «السيسى»، حيث شدد على أنه «لا أحد يمكن له التصور أن مصر ستتخلى عنها، فالتخلى عن أى جزء منها يعنى التخلى عن حياتنا.. وذلك أمر لن يحدث»، مضيفًا أن « من تتساقط لديه الأمطار لا يشعر أبدًا بإحساس مَن ليس لديه أمطار.. فمصر لا تشهد أمطارًا.. والشعب المصرى لديه حذر شديد وقلق شديد من موضوع المياه.. وأقول للمصريين إننى أُقدّر ذلك الأمر، وإننى مسئول مع أشقائى والحكماء مثل الرئيس موسيفينى على إيجاد حل لا يؤثر أبدًا على حياة المصريين».
واستكمالاً لـ«الحديث الصريح»، أزاح الرئيس «السيسى» الستار عن أمر غاية فى الخطورة، حيث أكد أن «مصر تقابل ضغوطًا كثيرة فى هذا الموضوع، وقد تكون المياه جزءًا من حملة هذه الضغوط لتحقيق أهداف أخرى، ونحن مدركون لذلك. وأؤكد مرة أخرى أننا دائمًا ضد التدخل فى شئون الآخرين، وضد التآمر على الآخرين، وضد الهدم والتدمير. فنحن مع البناء، والتعاون، والتنمية، حيث إن بلداننا فى إفريقيا قد كفاها سنوات طويلة من الاقتتال والصراع».
