تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، وبإشراف الدكتور أشرف العزازي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، أقيمت مائدة مستديرة بعنوان "الكتابة لليافعين وتحرير الخيال عبر تقنيات الرقمنة- شهادات ورؤى".
أدار المائدة الكاتب أحمد قرني، والذي بدأ حديثه مؤكدًا كونه واحدًا من جيل واجه تغييرًا عنيفًا أثر فيه وفي كتاباته بشدة، وأضاف أنهم كانوا يكتبون الخيال النمطي البسيط؛ مثل السندباد وألف ليلة وليلة وغيرها، فكان هذا عالمهم وعالمنا، أما الآن فالأجيال تختلف تمامًا عن الأجيال السابقة، فهي أجيال اشتبكت مع الرقمنة والسوشيال ميديا والذكاء الاصطناعي، فنحن أمام جيل له عوالم متنوعة وكثيرة، تلك الأشياء أثرت في الكُتَّاب تأثيرًا بالغًا، فكان لا بد أن تكون كتاباتهم تواكب هذا التغير الملحوظ والواضح، والسؤال الذي طرحه كان: كيف يمكن التعامل مع تلك التكنولوجيا الآن؟ كذلك كيف يمكن التعامل مع ما هو سلبي منها وما هو إيجابي؟ وتابع أننا لا نستطيع أن ننكر أن كثيرًا من سلبياتها تؤثِّر بشكل واضح في الهوية الدينية والقيم المجتمعية.
وأضاف قرني أن المنع أو الحجب ليس هو الحل، ولكن الحل هو التعامل الصحيح مع كل تلك المعطيات.
وعبر مداخلة تليفونية تحدثت الدكتورة عفاف طبالة، محللةً عددًا من المفاهيم التي تضمنها عنوان المائدة -ومنها الكتابة لليافعين- وقالت عنه إنه مصطلح مستحدث مارسته عندما كتبت كتابين حمل غلافاهما جملة "قصص للشباب"، كذلك تحدثت عن تقنيات الرقمنة، وهي مفهوم مستحدث، وجزء من الواقع المعيش الآن، والشباب هم أكثر فئة اقتربت منها وتعاملت معها، ثم قامت بطرح سؤال: هل من الضروري أن نكتب الواقع عندما نتحدث عن العالم المعيش في أعمالنا؟ وهل الشباب سوف ينجذبون إلى الكتابة التي تتضمَّن جزءًا من الرقمنة؟
وأجابت أنها تفضِّل الصدق في الكتابة عن الواقعية، فالصدق هو الذي يجذب الشباب من وجهة نظرها، واختتمت بأن التطور ليس معناه أن نترك القديم نهائيًّا.
وعن مواكبة تلك الفترة بالكتابة لليافعين تحدث الدكتور محمد هندي الذي أثنى على موضوع المائدة، وقال إنها تتواكب مع الواقع الذي نعيشه، واستشهد بعدد من النماذج التي وُجِّهت إلى اليافعين، وشدَّد على ضرورة تقديمها لأن الواقع الآن دون شك أصبح مختلفًا لأنه ارتبط بالإنترنت والتكنولوجيا المختلفة في أشكالها، لذا فهي مهمة كتأريخ أدبي سوف يقارن بينها الآن وبين كتابات البدايات.
وعن الكتابة بالعامية تحدثت الكاتبة رانيا حسين، وقالت إنها عندما قرَّرت أن تكتب بالعامية كان هذا تحدِّيًا كبيرًا، وأكدت أن الكاتب لا بد أن يكتب باللغة التي يرتاح لها ويكتب بها بشكل أبسط وأقرب إلى نفسه، وأضافت أن معظم ما كتبت يدور حول الواقع البسيط والتفاعل بين الشخص ومجتمعه، وأشارت أنها كتبت 10 كتب لليافعين؛ منها كتابان خياليان والباقي كتب واقعية ثم تحدثت عن كتابها "لا لن يهاجر"، والتي حكت فيه عن علاقة طفل بالطيور وتتبُّعه لها وإدراكه بأن لها أوقاتًا تطير وترحل فيها وتبتعد ثم تعود، ونظرًا إلى أن هذا الطفل ليس لديه أصدقاء، فقد أقام علاقة صداقة بأحد الطيور التي أمسك بها لمنعها من الطيران مع أسراب الطيور المهاجرة.
وعن الكُتَّاب ومن يقرأ لهم تحدث الدكتور محمد فتحي، وقال إن القراء في هذا الزمان أصبحوا أكثر معرفة بالتكنولوجيا من الكتاب في شريحة اليافعين، وقال إن شريحة اليافعين تعتبر من سن 12 إلى 18، وهذا التصنيف عمري، ولكن اليافعين الآن غير اليافعين منذ 10 سنوات، لذا كما قال فإن هذا الجمهور أو الفئة تعد فئة متغيرة، ولا بد من مراجعة أنفسنا عند الكتابة لهم، فهو "جيل ألفا" كما أطلق عليهم، وعن سمات هذا الجيل قال إنها فئة سريعة الملل وسريعة التشتُّت تميل إلى التجربة أكثر من النصح ويريدون أن يصنعوا عالمهم الخاص بأنفسهم، لذا لا بد من أن يكون لدينا نحن الكتاب والناشرين والمبدعين وعي بتلك السمات عند تقديم كتاباتنا إليهم، فنحن الآن كمن يدخل في مدينة ملاهٍ ويريد أن يحكي لليافعين فيها قصة! ثم تحدث عن تجربته الوحيدة لليافعين، وهي قصه تحمل عنوان "أنت البطل".
ثم تحدث الكاتب أحمد طوسون عن الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني والفرق بين عدد النسخ والانتشار بينهما، وعن اليافعين قال إن اهتماماتهم وميولهم تختلف بعضها عن بعض، كذلك تحدث عن تجاربه في استخدام تقنيات وأدوات حديثة في كتاباته، ولكنه أشار أنه لا بد من وجود شخص متخصص في هذا الشأن يكمل ما يقوم به الكاتب بعد مرحلة الكتابة ليحوِّلها إلى نص إلكتروني أو نص رقمي أو يدخل بها بعض التقنيات الحديثة لأن استيعاب معظم الكتاب ما زال استيعابًا بدائيًّا لتلك الوسائل، وعن الذكاء الاصطناعي قال إنه أداة فقط، ولكن صاحب العمل أو المبدع هو بطل كل إبداع، كذلك تحدث عن الألعاب الحديثة، وقال إن هناك بعض تلك الألعاب تمتاز بأن لها سيناريو يقترب كثيرًا من القصة، يمكن أن تكون تلك هي البداية باستخدام تلك الألعاب وتحويلها إلى قصص لتصبح أكثر جذبًا لتلك الفئة.
وعن رواياتها تحدثت الكاتبة هجرة الصاوي قائلة إن القارئ اليافع له دراية بالروايات الأجنبية، وهو قارئ مطلع ويعيش عدة مسارات، وأصبحنا مطالبين بتجاوز الفروق والأبعاد للرواية ذات البعد الواحد، مضيفةً: وفى روايتي "ثعلب الديجيتال" فإن هندسة السرد لها أكثر من مستوى كأسماء العوالم وأسماء المتاحف حيث إن التراث له وجود، إذ إن السرد متنقل من خلال طاقة المشهد، مؤكدًا ارتباط الجيل بتراثه وجذوره، ومع وجود الرابطة العالمية للكتب الرقمية فإن إمكاناتنا تؤهلنا للحضور بقوة مع مزيد من الاهتمام بابتكار عوالم من الدهشة، وكذا مزيد من الاهتمام بهندسة السرد.
أما الناشر محمود عبد النبي فقد أشار إلى أهمية الكتابة لليافعين؛ بين تسع وست عشرة سنة، وهي سن لها متطلَّباتها في الكتابة، وفي ٢٠١٩ بدأنا سلسلة من النشر ولم نطلبها من كتاب الأطفال فقط، بل كتب لنا مجموعة كبيرة من الكتاب، فالأذواق مختلفة، وهناك اختلافات في تكنيك الكتابة، وهناك تقنيات حديثة كتقنية QR كود لتحسين فعاليات وجودة العمل، وعن أهمية التقنيات الرقمية في رواية اليافعين تحدثت الكاتبة الدكتورة إيمان سند عن أن تلك الأهمية تأتي في إطارات متعددة؛ منها: توسيع آفاق القراءة وتعزيز الإبداع، فلا بد أن تكون الأهداف من الكتابة أهدافًا راقية، فالقصة ليست محاولة للوصول فقط، بل بذل الجهد للوصول، فالقارئ يتعلم من خلال الرواية المبادئ والقيم؛ كذلك تحدثت الدكتورة عن بعض الأبحاث التي يمكن من خلالها زيادة فاعلية الاستيعاب، وأوصت بأهمية الرسومات ثلاثية الأبعاد.
أما الفنانة سمر صلاح الدين فقد أضافت عن أساليب وتقنيات الرسوم والوسائط من خلال الرقمنة في عرض الكتب حيث ترسم الفنانة بالعديد من الوسائل كأقلام الرصاص والألوان المائية حتى يظهر الإبداع الإنساني، وكلها من أدوات الفنان حيث يشعر بالنص لكي ينفذه لليافعين، وكذا هناك الوسائل الرقمية لتنفيذ الرسوم، وكذلك هناك الذكاء الاصطناعي الذي يعطي الفنان مزيدًا من الأفكار ويفتح باب التجريب للفنان حيث وصلت كتبنا إلى العالمية.
أما الكاتب الدكتور مصطفى غنايم فقد طرح سؤال: هل الرقمنة هي التي تحرّر الخيال أم أن الخيال هو الذي يحرر الرقمنة، ولا بد أن نتماس مع واقعنا، وعلينا أن نقترب أكثر من البرمجة، وكذا التقارب مع الشباب لغةً وأدبًا ووسيطًا.
أما الكاتب الدكتور أيمن صابر فقد اختتم حوار المائدة قائلًا إن القصة والخيال العلمي سبق لهما التنبؤ بالذكاء الاصطناعي، وتساءل: هل فكرة الرقمنة جديدة أم قديمة؟ مؤكدًا الدور الذي يقوم به الخيال العلمي ومدى أهميته.