رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

حكايات مزمنة.. والممرضة العنيدة

8-8-2025 | 12:44

محمد السيد

طباعة
محمد السيد

تبعثرت أعضائي بعد جلسة العلاج الأخيرة هذا طبيعي كما أخبروني، فهي أعراض معتادة، لكن لا شيء أبدًا يبدو عاديًا حين يكون الألم في جسدك.

ذهبت إلى الطوارئ، فأوصى الأطباء بالمكوث في الرعاية المركزة لإعادة ضبط بعض الأمور، الضغط، السكر، نبضات القلب، وانخفاض الصوديوم في الدم.

طلبوا مني أن أتخلى عن ملابسي، وأن أرتدي ثوب الرعاية، شعرت كأنني أخلع آخر خيوط الانتماء للعالم الخارجي.

ورغم أنني كنت داخل المستشفى، إلا إنهم قرروا نقلي بعربة إسعاف إلى الرعاية المركزة لصعوبة حالتي، وهناك استقبلتني الغرفة المجاورة كنت أسميه همسًا سرير الموتى.

هذا السرير تحديدًا لم يغادره أحد قبلي على قيد الحياة، فصار اسمه محفورًا في قلبي لا على جدران الغرفة.

قاموا بتركيب  أجهزة القلب والتنفس، وثبتوا المحاليل على جهاز يدعى «رينجرز» لتنظيم ضخ الدواء، وتبطئة ضربات القلب.

قالوا إنها أيام قليلة، لكن الأيام تمددت، وكأن الزمن ذاته دخل غيبوبة.

وقضيت شهر رمضان كاملًا داخل تلك الجدران، بعد أن كنت أقضيه بين الندوات والعزومات والمحبين.

في الرعاية لكل مريض ملاك حارس على هيئة ممرضة، يتناوبن علينا بابتسامات خفيفة، ومواساة مدفونة تحت أقنعة التعب.

جميعهم أصبحوا صديقاتي يحاولن التسرية عني، لكن واحدة منهن كانت مختلفة، لم تكن تبتسم كثيرًا، أو هكذا ظننت.

كنت أراها عنيدة متحجرة القلب، صارمة أكثر من اللازم،  تخفض سرعة "رينجرز" لأدنى حد رغم توسلاتي للخروج، وكأنها تتعمد تأخيري.

كنت أريد الهروب من الجدران، وهي كانت تحاول إنقاذي منها، لم أفهم ذلك حينها، لكنني فهمت بعد خروجي، أن تلك الممرضة التي ظننتها قاسية، كانت أكثر من تخاف علي، أكثر من التزمت حرفيًا بتعليمات الأطباء.

عنادها كان خوفاً وصمتها كان قلقًا لا يقال، الرعاية ليست كما يظن البعض، رغم ما فيها من عناية ودلال، إلا أنك لا تسمع فيها سوى صفير الأجهزة أو آهات المرضى.
مكان لا يطاق حتى وإن كان فيه ملاك يرعاك، ووسط كل هذا، كانت هناك فتاة أخرى من الطاقم لطيفة، تدخل غرفتي دون مناسبة لتطمئن علي، وتفض أي خلاف بيني وبين العنيدة.
لم تكن ممرضة فقط بل صديقة، مرت من حياتي في أكثر فصولها وجعًا، وتركت فيها دفئًا خفيفًا لا يُنسى.
خرجت من الرعاية أخيرًا، وتمنيت ألا أعود إليها أبدًا، لكنني فوجئت بعدها بزيارات من طاقمها، يدخلون غرفتي واحدًا تلو الآخر يبتسمون ويقولون بمزحة محبة "أهو أنت اللي رجعتله  الروح".

الاكثر قراءة