وسط خلاف حاد مع المؤسسة الأمنية، يتجه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى الدفع بخطة ترمي إلى احتلال كامل قطاع غزة، وذلك بعد أن حصل على ضوء أخضر من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يأسًا من أن حركة حماس قد تقبل بالشروط التعجيزية التي تطلبها "تل أبيب" في العملية التفاوضية.
احتلال القطاع
وأكد مسؤولون في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن بلادهم اتخذت قرار احتلال قطاع غزة، مضيفين أن حركة حماس "لن تُفرج عن أسرى آخرين لديها دون استسلام كامل، ولن نستسلم"، حسب ما أوردته القناة الـ12 العبرية.
وبموجب هذا القرار -وفق القناة- فإن جيش الاحتلال سيقاتل في المناطق التي تجنبت إسرائيل العمل فيها خلال الأشهر الأخيرة، بما في ذلك مخيمات وسط القطاع.
وحسب ما نقلته هيئة البث الإسرائيلية عن وزراء تحدثوا مع رئيس الوزراء، فإن الأخير قرر توسيع نطاق العملية العسكرية في غزة، رغم اختلافات الرأي مع المؤسسة الأمنية، مشيرة إلى أن نتنياهو استخدم في محادثته عبارة "احتلال القطاع" بهدف هزيمة حماس.
هذا، ويعقد نتنياهو، اليوم، اجتماعًا أمنيًا يتناول كيفية مواصلة العملية العسكرية، فضلًا عن مناقشة إمكانية توسيعها لتشمل المناطق التي يُخشى وجود المحتجزين فيها.
وفي المقابل، تعارض المؤسسة الأمنية الإسرائيلية المناورات العسكرية في هذه المناطق، خوفًا على حياة المحتجزين، حيث من المفترض أن حربًا تدور حتى هذه اللحظة من أجل استعادتهم.
وفي حال تنفيذ خطة احتلال القطاع بأكمله، فقد يستقيل رئيس الأركان إيال زامير من منصبه، وفق ما نقلته "الهيئة" عن وزراء في الحكومة، إذ يبدي مخاوف من خطورة هذا التحرك.
وفي غضون ذلك، أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن مصادر، أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، منح رئيس الوزراء الضوء الأخضر لشن عملية عسكرية ضد حماس.
وقالت الصحيفة العبرية، إن هناك تفاهمًا في واشنطن وتل أبيب على أن حماس لا تريد التوصل إلى اتفاق، وذلك بعد فشل الجولة الأخيرة من محادثات وقف إطلاق النار التي جرت في العاصمة القطرية الدوحة، الشهر الماضي.
مخطط قديم
قال الدكتور محمد اليمني، خبير العلاقات الدولية، إن ما تقوم به إسرائيل حاليًا من تحركات لاحتلال قطاع غزة بالكامل ليس خطوة مفاجئة، بل يأتي في إطار مخطط إسرائيلي تم الإعداد له منذ السابع من أكتوبر 2023.
وأوضح "اليمني"، في حديث لـ"دار الهلال"، أن هذه التحركات تأتي في سياق مشاريع إسرائيلية كبرى، وطموحات مرتبطة برؤية توراتية تُعرف بـ"أرض الميعاد"، مشيرًا إلى أن إسرائيل تعتبر غزة الحلقة الأهم في ملامح "شرق أوسط جديد"، وهي رؤية لطالما تحدث عنها بنيامين نتنياهو، ويسعى لقيادتها داخليًا وخارجيًا.
وأضاف أن الولايات المتحدة الأمريكية تُعطي الضوء الأخضر لنتنياهو للاستمرار في احتلال ما تبقى من القطاع، متسائلًا عن توقيت هذه الخطوة رغم ما تمر به إسرائيل من أزمات مستمرة، أبرزها ما يخص الجيش وجنود الاحتياط على مدار 22 شهرًا من الحرب.
وأشار إلى أن تل أبيب دأبت على ترويج فكرة أنها غير قادرة على إدارة قطاع غزة، وهو ما كان يخدم أهدافًا إعلامية، وفي الوقت ذاته يمهّد لتصفية القضية الفلسطينية.
وتابع: "ما سنشهده في الفترة المقبلة أكثر دموية وشراسة، وهو ما يتجاوز ما حدث خلال 22 شهرًا الماضية، فضلًا عن أن هناك كارثة وشيكة في المسجد الأقصى، إلى جانب خطط إسرائيلية متعلقة بتهجير الفلسطينيين وخلق أزمة جديدة مع مصر".
وفي ما يتعلق بتصريحات نتنياهو والإعلام العبري عن أن العملية العسكرية تهدف لإعادة المحتجزين والقضاء على حركة حماس، قال اليمني: "هذه نغمة تكررت منذ بدء العدوان، لكنها لم تحقق شيئًا، فـ90% من البنية التحتية في القطاع دُمرت بالكامل، ولم يتم تحرير أي رهائن أو القضاء على المقاومة".
وأشار إلى أن هذا الطرح يعكس فشلًا واضحًا، لافتًا إلى تصريح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال فيه إن "الحرب ستستمر حتى القضاء على حماس، حتى لو تم تحرير الرهائن"، وهو ما يكشف أن قضية المحتجزين ليست سوى غطاء لعدوان أوسع.
وأضاف اليمني أن كل ما يجري لا علاقة له بأي اتفاقات أو صفقات، بل هو محاولة لإعادة ترتيب الأوراق لصالح الاحتلال وحسابات نتنياهو، مشيرًا إلى أن ما تحقق حتى الآن هو سقوط نحو 60 ألف شهيد، أغلبهم من الأطفال والنساء.
وأكد أن شهر يوليو الماضي شهد تصعيدًا جديدًا، مدفوعًا بضوء أخضر أمريكي أكبر، أتاح لإسرائيل الاستمرار في الإبادة الجماعية والعدوان على غزة.
واعتبر أن كل ما يُطرح في المؤتمرات الدولية من حديث عن حل الدولتين لا يعدو كونه استجابة شكلية للضغط الشعبي والمظاهرات الأوروبية، مؤكدًا أن نتنياهو يدرك جيدًا أن هذه المبادرات "مجرد حبر على ورق"، وسيمضي في تنفيذ مخططه القائم على الأيديولوجيا التوراتية التي ترى أن لإسرائيل الحق في التوسع على حساب الدول المحيطة.
واختتم اليمني بالقول إن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي وصف فيها إسرائيل بأنها "دولة صغيرة ويجب أن تتمدد"، تُعد أوضح تعبير عن هذا التوجه، وتؤكد أن الاحتلال يسير وفق خطة ممنهجة تتجاوز غزة، وتهدد مستقبل المنطقة بأكملها.
تهجير ناعم
في تعقيبه على هذا التصعيد، أكد الدكتور عبد المهدي مطاوع، المحلل السياسي الفلسطيني، أن هناك قناعة لدى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بعدم جدوى التفاوض مع حركة حماس، إذ يعتقد الطرفان أن الحركة تماطل في إطار العملية التفاوضية.
وأشار "مطاوع"، في حديث لـ"دار الهلال"، إلى وجود تقارير إسرائيلية وأمريكية تفيد بأن حماس تلقت تعليمات من الجانب الإيراني بالاستمرار في المماطلة، حسب قوله.
وأوضح أن هذا التوجه دفع صانعي القرار في واشنطن وتل أبيب إلى إعادة النظر في مسار الصفقة، بحيث تكون إما صفقة شاملة تتضمن نزع سلاح حماس وخروجها من الحكم، أو أن تتولى إسرائيل تنفيذ هذه الشروط بالقوة، حتى وإن كلفها ذلك أرواح جنودها.
وأكمل أن "الهدف الأساسي هو إنهاء هذه الحرب بما يحقق الشروط الأمريكية والإسرائيلية، والتي تتمثل في استسلام حركة حماس".
ويؤكد مطاوع أن الأهداف المتعلقة بالقضاء على حركة حماس ليست جديدة، بل طُرحت منذ بداية الحرب.
وكان من الممكن، بحسب تقديره، تحقيق هذه الأهداف في وقت معقول، إلا أن إسرائيل تعمّدت إطالة أمد الحرب لتحقيق مكاسب استراتيجية أوسع، من بينها تدمير قطاع غزة بشكل شبه كامل، وتحويل حياة سكانه إلى جحيم لا يُطاق، تمهيدًا لمرحلة قادمة من "التهجير الناعم" تحت مسمى "التهجير الطوعي"، في ظل استحالة استمرار الحياة في القطاع.
ويرى أن مسألة الرهائن والمحتجزين لم تكن سوى "حصان طروادة" استُخدم لتحقيق تلك الأهداف الخفية.