رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

جـهــــــاد.. نيـــــوتـن


11-7-2025 | 10:31

.

طباعة
بقلم: إيمان رسلان
لأننى من فصيلة السكريات وسلالة إدمان الحلويات، لذلك فتتبع المنتجات والمحال يعتبر عملًا واجبًا وجينيًا متوارثًا وربما لا إرادى، وعندما عرفت من ولاد الحلال من المدمنين أمثالى -وهم كُثر على رأى الست أم كلثوم- بافتتاح محل جديد للحلويات، ليس بعيدا عن محل عملى بـ«المصوّر» أو بيت العائلة اسمه «لابوار»، قررت زيارته فورا، ومع الوقت أدمنته لا سيما نوعين عنده صيفا وشتاء، ولم أكن وقتها أعرف مالكه وما زلت، حتى تطورت الأمور، وعرفت الاسم والأصل والفصل أنه رجل الجهاد أو رجل الأعمال والناشر صلاح دياب، والذى أصدر مذكرته مؤخرا بعنوان «هذا أنا». 

سعيت إلى قراءة المذكرات، لأن فى الكتابة الشخصية تبرز ملامح خفية غير ظاهرة، وربما أصيلة أيضا لشخصية كاتبها، فيما يحاول تقديمها، لا سيما واسمه ملء السمع والبصر فى مهنتنا كناشر، ولا أنكر أننى تعاطفت معه للغاية بعد نشر صور وقضايا القبض عليه، فعلا مهنتنا فى النشر والكتابة أصبحت أخشى منها.

بداية لا أنكر شجاعة البوح لديه خاصة فى بعض النقاط وترك مساحات لآخرين، خاصة زوجته وأولاده للكتابة عنه، وهذا تجديد أحببته للغاية فى كتابة المذكرات، بدلا من اقتباسات الترويج والإعلان تحت لافتة «قالوا عنه»، لذلك اتسم هذا الجزء بالحميمية لى، لا سيما أن أغلبه من النساء. 

ولأنه «اللى بنى مصر فى الأصل هو الكاتب أو الكتابة والنشر»، والدليل الكتابات المصرية القديمة على كل جدران المعابد والمسلات وغيرها والتى عرفنا منها الجغرافيا والتاريخ والشخصيات والأحداث، فلولا التدوين والنشر ما عرفنا شيئا، والإنسان ابن جيناته وبيئته ومنها حياة صلاح دياب وملابساتها، فلعبت التنشئة دورا رئيسيا فى حياته، وهى تأثير الجد الصحفى المناضل توفيق دياب، ومعه جدته حميدة، الدور الأبرز فى التربية، والتربية تعنى التعليم فى جزء منها، ولأن «الزمار يموت وعقله بيلعب»، فقد كانت الروح التعليمية تبرز لى طوال قراءة المذكرات وبما فيها من «النم» أيضا، وهو شيء أعطى للكتابة بُعدها الإنسانى، لذلك ستقتصر أغلب قراءتى للنص على الزوايا أو التأثير التعليمى أو التربوى بها، وأشتبك معها أيضا تأييدا أو تحفظا.

وتبدأ من الجد الأكبر موسى دياب، فهو بالتأكيد خريج مدرسة الجهادية التى أسسها محمد على فى القرن التاسع عشر، أى أنه من الرعيل الذى استفاد بإنشاء مدارس التعليم العالى حتى لو كان ذلك من أجل تكوين الجيش كما أراد محمد على، ولذلك وصل لرتبة «أميرلاى»، وكان ذلك من آثار تمصير الرواتب الكبرى بالجيش، وبالتالى كان منطقيا أن يشترك فى ثورة عرابى بل وحكم عليه بالإعدام وأنقذ منه بتصاريف الأقدار بالصلاة فى السيد البدوى بطنطا، هذا التعليم العالى الذى تلقاه الجد الأكبر بالتأكيد أثر فى تكوينه ورؤيته، ومنها إصراره على تعليم أبنائه بالمدارس، ثم الجامعات على ندرتها، وهنا يذكر كاتب المذكرات إرسال جده توفيق دياب إلى لندن لتكملة تعليمه الجامعى، وأفتح قوسا هنا لجملة صلاح دياب فى المذاكرات -ندرة المتعلمين-، وهذا صحيح تماما، لأن التعليم العالى بل والمدارس كذلك كانت مقصورة على الأرستقراطية المصرية وقتها، وأن الاحتلال الإنجليزى، ومن قبله القوى الغربية، وقف ضد تمدد التعليم المصرى وقلص أعداده خاصة بالتجهيزية أى الثانوية العامة الآن.

ويستكمل «دياب»: فالتحق جده بمدرسة الحقوق ومنها إلى لندن وكانت وقتها بدأت بواكير الجامعة المصرية 1908 فلما عاد من لندن، وكان قد برع بالخطابة والإلقاء وحصل منها على شهادة فتم تعيينه مدرسا لها بالجامعة الوليدة -تخصص اختفى الآن، والتى ما يلبث أن تقترن الجامعة بحياته لفترة حيث عمل مديرا لإدارة الجامعة، إذن الجد الكبير ثم الجد المباشر كانا مرتبطين عضويا بالتعليم وبالتعليم العالى والجامعة، ومن الطبيعى أن عائلة مثل عائلة دياب ممن عرفوا التعليم العالى مبكرا جدا أن تسمح لبناتها بالتعليم المدرسى فيذكر أن والدته تخرجت فى مدرسة كلية البنات. 

ثم أقفز لفقرة أخرى ويتحدث عن بناء المدارس، وهو ما توقفت عند حديثه بالمساهمة لإنشاء سبع مدارس والتبرع بها لوزارة التعليم بعد ذلك، ويذكر أنه منذ سنوات قليلة مضت ذهب لزيارة إحدى هذه المدارس والتى أطلق عليها اسم جده توفيق دياب، وأحزنه وضع الفصول الدراسية وعجز المدرسين، ثم كتب أنه ندم، وأنه لو كانت معه، لكان الوضع اختلف وبمصروفات بسيطة ينصلح الأحوال ويتم توفير مدرسين، وهذه قضية بالغة الأهمية عجز المعلمين -الذى هو فى ازدياد ثم نتحدث عن تطوير قد حدث للتعليم- وهنا أتدخل بفكرة تمويل التعليم، فالأزمة ليست بالمجانية أو المصروفات، وإنما هى أزمة لوائح إدارية بالية، وقد تقدمت باقتراح منذ سنوات قليلة بالحوار الوطنى، وبعد إعداد دراسة جدوى اقتصادية، اقترحت وتساءلت: لماذا لا تحتفظ المدارس الحكومية بالمصروفات الدراسية أسوة بالمدارس الخاصة؟، ومن خلال هذه المصروفات يتم تعيين المدرسين بعقود، ويتم سد العجز، وذلك فى إطار ما هو موجود حاليا وربما دون أعباء إضافية، وإلى الآن لم أسمع ردا حكوميا على هذا الاقتراح، وبإطلاق بقية ورقتى فى اقتباس النظام الإنجليزى (مدارس النيل) لتطبيقه ولكن يأخذ اسماً تراثيًا هو البكالوريا مع وضع التاتش إياه؟، وكذلك تدريس العربى والتاريخ إجباريا على مدارس اللغات طبقا لنص الدستور، فلماذا لم يطبق اقتراحى باللامركزية فى الإدارة والمصروفات؟! وعلامات التعجب من عندى لذلك توقفت عند حديثه الصحيح حول أحوال المدارس الحكومية. فالعيب ليس فى اليافطة عام وخاص، ولكن فى حسن التفكير والتدبر والإدارة للنهوض بالتعليم الحكومى للأغلبية.

وهنا انتقل لحديثه عن التحاقة بالكلية الفنية العسكرية، درة كليات مصر ومازالت، لجذب الأوائل والنهضة العسكرية والتعليمية، ثم تركه لها بعد الرسوب بها، وكانت شجاعة منه احترمتها لذكر ذلك، وأعتقد شخصيا أن هذه الواقعة التعليمية تحديدا قد شكلت منعطفا فى تكوينه التربوى والتعليمى بعد ذلك، وربما أسباب رسوبه وأنا خارج كادر حياته تعود إلى عدة أسباب ربما منها صغر سنه وقتها، وأرى أن الالتحاق الأكاديمى وبالتحديد العسكرى يحتاج إلى تدريب وتكوين يستطيع أن يتواءم مع ذلك الانضباط الشديد والضرورى، ولا يكفى معيار التفوق العلمى فقط وهو كان مؤهلا له وربما ساهمت التنشئة والتعليم بالمدرسة كما أفسره فى عدم امتصاص عقله لضروريات للتربية العسكرية الصارمة، والضرورية وهكذا نقول إن المدرسة الأولى هى معقل التكوين والتأثير فيما بعد، وليس لى أى اعتراض، فقد تكونت، وكذلك أولادى، فى رحاب التعليم الخاص والدولى، ولكن ما أقصده هو أنه من الأرستقراطية التعليمية فى ذلك الزمان وليس المقصود الارستقراطية المالية ويبدو أنه أيضا لم يدخل الكُتاب كعادة أهل الريف وأغنيائه أيضا، وممارسة الكُتاب والتى بها بعض من الغلظة والتراتبية فى كلام مولانا وبالتالى ربما ساهم التطور وعدم دخول الكُتاب بصرامة (فلكة مولانا) فى عدم التأقلم الصارم وربما أشاركه نفس الرؤية. 

وهذا لا يمنع أنه عندما غادر الكلية المتفردة ومازالت، فقد أثرت عليه فى أسلوب الإدارة والمعاملة المتساوية للجميع والثواب والعقاب، وبعدها التحق بمجموع درجاته بالهندسة أيضا وليس بالتجارة مثلا، وهنا يجب أن نتوقف عند المعايير الواحدة والمساواة ومجموع الدرجات كشرط للتمييز الطلابى وهو شرط أراه عادلا أو أعدل الأشياء، حتى الآن عالميا طالما كان الامتحان موحدا والشهادة موحدة للجميع وهى قضية هامة بالتعليم، وهنا سنلمح الأثر التربوى للأسرة خاصة الجد والخال والأقارب، وكيف أنهم لم يتركوه منفردا فريسة للفشل والنبذ، ومن ثم الاستسلام لمرحلة التهاوى وعدم الثقة بالنفس، فها هو أحد أقاربه يأخذه معه للعمل بكسارة بالسويس، وكيف أن الفشل استثمره وحوله إلى قصة نجاح متكاملة غيّرت مساره العملى والعلمى ربما فى بقية حياته كلها، وهو ما تكرر أيضا حينما اقترب من التخرج وفى السنة النهائية بالهندسة، والمعسكر أو المساعدة العائلية له للتفرغ للمذاكرة، وهذه نقطة هامة للغاية عن علاقات المساندة والدعم وهى قضايا متوفرة فى عدد من جامعات العالم، ولكن لدينا تنحصر برامج الرعاية الطلابية إن وُجدت فى أشياء ربما بعيدة عن الرعاية النفسية والدعم التعليمى، وفى هذا الجزء كنت 
أتمنى منه أن يتحدث أكثر عن المناخ التعليمى نفسه وعلاقات الطلاب والأساتذة، كما ذكر مثلا عن صندوق الطلاب أو عن معامل هندسة عين شمس والتكدس الطلابى، والمدهش أن هندسة عين شمس تحديدا ذات سمعة علمية قوية وتشتهر بالتشدد التدريسى، مما يجعلنى أقترح عليه أو على الجامعات أن تنظم لقاءات لدعم التعليم الجامعى الحكومى من خريجى الكليات وتنظيم لقاءات معه، وليت اتحاد طلاب عين شمس يستضيفه للحوار معه باعتباره أحد خريجى الكلية وبتفوق فعُيِّن مُعيدا، وأيضا لنقل الخبرات بعيدا عن التراتبية الأكاديمية، هذا الدعم التربوى الذى وجده وأثر على مساره بعد ذلك، كرره مرة أخرى مع أبنائه لا سيما ابنه توفيق، ويبدو أن البنات كن متفوقات مثل أمهن المهندسة، ولا أخفى أننى أُعجبت بشدة بردها التليفونى القوى للغاية على صلاح دياب، بل وبخطة تعارفهما المتفق عليها بينهما وهى أيضا من خريجات هندسة القاهرة، والبنت زى الولد ويبدو أن دراسة الهندسة تكسب القوة والمنطق واحترام التفكير والعمل.

ومما ذكره وتوقفت عنده هو عن جامعة النيل وعلاقة د. زويل بالموضوع، بل سرد أن الإعلام أو الصحافة وبعض المسئولين لم يكونوا متضامنين بما يكفى مع جامعة النيل، إجابتى ربما لأن الصحفيين كانوا شهود عيان،وأنا منهم. وحضرت بنفسى وضع حجر الأساس لمشروعه فى مكان جامعة النيل الآن وكان ذلك عامى 2000 و2001 وبحضور د. عاطف عبيد شخصيا، وقبل إقامة مشروع جامعة النيل -ولست ضدها أيضا- فمشروع زويل كان أصلا فى نفس المكان الحالى، بينما كان مقر جامعة النيل فى بدايتها، وأُنشئت كجامعة خاصة تتبع وزارة الاتصالات فى القرية الذكية، وأعتقد أن د. نظيف نفسه وقتها كان وزير الاتصالات عام 1999 وقت وضع حجر أساس جامعة زويل فى المقر الذى أصبح بعد عدة سنوات -حينما أصبح د. أحمد نظيف رئيسا للوزراء- مقرًا لجامعة النيل الخاصة وقتها، وقد كتبت ذلك مرارا وتكرارا وحذرت من تحول المعركة العلمية إلى خناقة على عقار وجدران، بل كان ذلك أحد عناوين لمقالات لى، وأذكر أن الأستاذ مكرم محمد أحمد، أستاذى ورئيس تحريرى، استدعانى قبيل ثورة يناير، وكان قد ترك منصبه منذ سنوات بـ«المصور» وأصبح كاتبا لعمود يومى بـ«الأهرام» ليمدنى بمعلومات، رأى أن من واجبه حيث كان يعتقد بى بالكتابة فى ملف التعليم، ولسرد بعض الأسرار وصراع أحد الوزراء مع د. زويل وتحديدا وزير منهم أعرفه،، والمطلوب الآن أن ندعم نشر التعليم الجيد والحقيقى للأغلبية من المصريين لأن عنوان العصر هو إتاحة التعليم الجيد للجميع، وليس فقط للبعض أو لأرستقراطية تعليمية، كما وصفها صاحب المذكرات صلاح دياب، وهو وصف صحيح تماما، وأن نضع أفكارا تطبيقية لمشروع نهضة تعليمية والإلحاح عليه باستمرار، فالإلحاح يخلق الواقع، فهذا هو الجهاد، كما يتضح من اختيار اسم العالم نيوتين للكتابة وأختتم ببيت الشعر الصادق والمعبر للغاية لافتتاحية «جريدة الجهاد».

الاكثر قراءة