لا غنى لأى نظام سياسى عن رضا الناس، لأنه بدون رضا الناس لا يقدر النظام السياسى على الاستمرار فى تنفيذ سياساته ومواجهة التحديات التى تعترض طريقه، خاصة التحديات الخارجية الممنهجة فى ظل عالم مضطرب يعيد تشكيل نظامه العالمى.. ولذلك أول ما تهتم به أجهزة الأمن والبحث والرصد فى أى دولة هو درجة أو مستوى رضا الناس .. فهى تدق جرس التنبيه والتحذير عندما يتراجع مستوى رضا الناس، وعندما يرتفع مستوى رضا الناس تسعى هذه الأجهزة للمحافظة عليه مرتفعا وعاليا بشكل مستدام ومستمر، لأن رضا الناس يعد مرادفا للاستقرار السياسى والقوة المجتمعية، وحماية رضا الناس فى أى بلد أو المحافظة عليه عند مستوى مرتفع يتحقق بوسائل شتى وأساليب مختلفة، يأتى فى مقدمتها دقة قياس مستوى هذا الرضا، أى تحديد درجته الحقيقية دون تهويل أو تهوين..
هذا يقتضى عدم تجاهل ما قد يؤثر سلبا على مستوى رضا الناس، أى يسهم فى تخفيض مستواه وانحساره وتراجعه يوما بعد آخر، مما يقتضى أيضا عدم الاستهانة بأية أحداث أو وقائع يشهدها المجتمع والتقليل من شأنها وتداعياتها، فالمسئول يتعين أن يتسلح باليقظة الدائمة والمستمرة والمتابعة التى لا تتوقف لتداعيات الأحداث والقرارات والتصرفات، بل وأيضاً التصريحات.
أيضا .. يجب أن يكون المسئولون على درجة كافية ومناسبة من الحس السياسى .. فهذا الحس السياسى سيجعلهم يستبقون الناس فى ردود أفعالهم النفسية والعملية .. وبالتالى يسارعون باتخاذ مواقف وتصرفات ومواقف وقائية لاحتواء ضيق أو غضب لدى بعض الناس حتى لا تنتشر عدواه ليصبح غضبا لكثير من الناس أو يتزايد حجمه وتتسع مساحته ويزداد نطاقه.. كما أن الحس السياسى للمسئول سيجعله يحسن اختيار كلامه وتصريحاته حتى لا يستفز الناس، فالكلمة الطيبة عندما تقال تعد أهم من ألف تصرف وأجدى من مليون قرار!.
كذلك.. اتخاذ المسئولين فى الوقت المناسب ما يتعين عليهم اتخاذه عندما يقتضى الأمر، دون تأخير ودون أن يطالب أحد .. أى أن يكون المسئول مبادرا دوما، خاصة أن عموم الناس فى أى بلد وإن كانوا يتسمون بالبساطة فإنهم يملكون فطنة وذكاء ووعيا يجعلهم لا يغفرون تأخر المسئول فى أداء الواجب، خاصة فى الملمات ولا يسامحون من يتجاهلهم ولا يكترث بهمومهم، أو لا يبدى اهتماما مناسبا بتلك الهموم أو يتأخر عن التجاوب معهم ومشاركتهم ملماتهم!.
وفوق ذلك فإن رضا الناس يتحقق بمسئولين يقبلون النقد لأعمالهم وقراراتهم وتصريحاتهم، ومقتنعون بأنهم بشر مثل بقية الناس وليسوا ملائكة أو معصومين من الخطاء وارتكابه أو الوقوع فيه بدون تعمد أو قصد.. بل يرحبون بهذا النقد ويستفيدون منه، وبالتالى يصححون قراراتهم وتصريحاتهم فى ضوء ما يوجه لهم من نقد من قبل عموم الناس، وليس بالطبع الموجه من جماعات المصالح وهكذا، فإن إحراز رضا الناس ليس سهلا، وإنما يحتاج فى الأساس الانحياز لهم والاقتناع بأنهم أصحاب حق وأنهم الأولى بالرعاية والاهتمام والعمل على تحقيق ما يريدونه دون أن يطلبوه، وعدم التباطؤ فى تنفيذه انتظارا لتوجيهات أو بعد إلحاح الناس عليه، والابتعاد عما يرفضونه ولا يقبلون به دون أن يفصحوا عنه ودون أن يطلبوه أو يكرروا طلبه أو يشكون من عدم تحقيقه لهم .. والمحافظة على رضا الناس بشكل مستدام أمر أصعب من إحراز هذا الرضا .. ولكن هذه ضرورة لا غنى عنها فى مجتمع يتسم بالقوة والمنعة ضد المؤامرات والاختراقات، وفى بلد يواجه تحديات خارجية جمة وعديدة، ويسعى إلى تحقيق النهوض والتقدم وتحقيق الرفاهية لأهله، والأهم الطمأنينة على مستقبلهم.
بهذا المعنى إحراز رضا الناس فى أى بلد أو مجتمع هى عملية ديناميكية مستمرة لا تتوقف .. وإذا كانت تلك العملية تحتاج لرجال أمن وبحث ورصد لقياس درجة هذا الرضا بشكل مستمر، فإنها تحتاج قبلهم لرجال سياسة لإحراز هذا الرضا.. رجال السياسة يصنعون الرضا ورجال الأمن يرصدونه وينتبهون للمحافظة عليه.