رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

من فكرى باشا أباظة إلى قناة السويس


13-6-2025 | 18:43

حفل افتتاح قناة السويس سنة 1869

طباعة
نُشر المقال فى 4 مارس 1938

عزيزى و«مواطني» قنال السويس:

أقبلك بكل حماسة وحرارة، قبلة أرجو ألا تكون قبلة الوداع، فقد تجنست يا أخى العزيز بالجنسية المصرية من يوم مولدك، وكنت بحق زينة وطنك، ومفخرة بلادك، وعلماً من أعلام أمتك، ولكن يا أخى ومواطني، نحن اليوم فى معرض عرض الحقائق، ولا أخفى عنك أنه بقدر حبى لك وللمأسوف عليه الخواجة «ديليسبس»، فإنى أعتبر أنك كنت – أنت وديليسبس– نكبة وكارثة على هذه الأمة المسكينة، وعلى هذا الوطن الجميل، وعلى هذا البلد الأمين!..

لا أدرى وأيم الله أحقاً حفروك، وأجروك، و«هندسوك» من أجل مصر أم من أجل الطامعين فى مصر؟ أحقاً حفروك وأجروك وهندسوك لتخدم بلادك أم لتخدم بلاد الناس؟ أحقاً حفروك وأجروك وهندسوك لتكون لمصر أم على مصر؟

التاريخ، والسياسة، يقولان إنك رغم مصريتك فلست مصرياً: المشرفون على إدارتك ليسوا بمصريين، الماخرون فى مائك ليسوا بمصريين، الحاملون لأسهمك ليسوا بمصريين، المنتفعون بجغرافيتك ليسوا بمصريين، الطامعون فى خيرك وبرك ليسوا بمصريين، المختلفون عليك ليسوا بمصريين – بل إن المدافعين عنك والذين يحمونك وا أسفاه، ليسوا بمصريين!!!

أرأيت أى وضع تاريخى وسياسى وضعك القدر فى صميم بلادك، لا نملك فيك إلا الأرض والسماء ملكية صورية خيالية «تياترية»، فنحن مالكو الهواء، وأصحاب البلاء والشقاء، وهكذا شاء القدر والقضاء، ولا مرد لمشيئة القدر والقضاء..

سل نفسك يا قنال السويس وسل الحق والمنطق، لو أنهم لم يحفروك ويجروك ويهندسوك، أكانت تلضم فينا إنجلترا هذه «اللضمة»؟ أكانت تحاول إيطاليا قضمنا هذه «القضمة»؟ أكانت تستغلنا فرنسا مالياً وإدارياً وتأكلنا لحمة وترمينا «عظمة»؟ سل نفسك وسل الحق والمنطق يا قنال السويس لو أنهم لم يحفروك ولم يجروك ويهندسوك، أما كنا اليوم أحراراً فى بلادنا، سادة فى وطننا، سعداء بخيرنا ونعيمنا، ناعمين هانئين باستقلالنا؟

أجب يا مواطنى العزيز ولا تغضب فكم من الأبناء كانوا شقاء للآباء، ويا لك من ابن شقى ويا لنا من آباء أشقياء!!!

أتدرى ما هى وظيفتك فى دنياك التى تعيش فيها؟ أنت يا أخى لا تخدم مصر، وإنما تخدم جنوب إفريقيا والهند وأستراليا..

وها هم يريدون أن تتطوع أيضاً لخدمة الحبشة، أن تتطوع أيضاً لخدمة ألمانيا والمستعمرات، وهكذا أصبحت عالة على مصر بل حق ارتفاق للدول على قلب وصدر هذا الوطن المسكين، أنت «الكابوس» الخالد الذى يكتم أنفاس وادى النيل فى اليقظة وفى المنام، وفى عالم الحقيقة وعالم الأحلام، وفى أوقات الحرب وأوقات السلام، فأنت أنت رمز الاستعباد والذل والآلام، والخطوب الجسام..

وقد يستطيع المبتلى بالبلاء أن يتخلص من الداء بالدواء، ولكن أنت مع هذا داء بلا دواء، ماذا نفعل فيك؟ لك حراس وحماة من غير أبنائك، فلا نملك أن نخنقك، ولا نملك أن نقتلك، ولا نملك أن نملكك، ولا نملك أن نردمك؟!

ألست أعجوبة من أعاجيب الدهر، وفلتة من فلتات هذا العصر، وعلام العجب وأنت فى مصر؟!

أين الموقعون على معاهدة الاستقلال، والمتعاقدون على حماية القنال، و«المتزاقلون» اليوم بالطوب والدبش والتهم للوصول إلى مقاعد الحكم وكراسى البرلمان: إلى اليمين انظروا! وإلى الأمام انظروا! هذه روما تتطلع هى الأخرى و«تشمشم»، ولئن تطلعت «روما» وشمشمت تبعتها «باريس» تطلعاً و«شمشمة»، ثم تبعتها «برلين» تطلعاً و«شمشمة»، ومن يدرى ماذا يجد ويستجد، فالوقت وقت جد وجد، والناس يتكلمون فى أرضنا ومستقبلنا ونحن نرشح! الناس يتصالحون «على قفانا» ونحن نتقاتل! الناس يبتون فى تاريخنا ونحن نلهو ونعبث!

اليوم يوم «الجبهة» ولكن وا حسرتاه، أين لنا «الجبهة» وكيف تتكون «الجبهة» وقد تهشمت وتهدمت وبددتها الأهواء والشهوات والخلافات والحزازات، ولئن كانت «الجبهة» خيالاً ومحالاً فإنى أصرخ فى وجه ولاة الأمور قائلاً: يجب أن تشترك «مصر» فى المفاوضات البريطانية الإيطالية، ويجب أن تلح فى هذا الاشتراك، فمصلحتها ظاهرة وواجبها واضح، ستدور هذه المفاوضات حتما على مشاكل البحر الأبيض المتوسط فيما يختص بالدفاع والهجوم ومصر وسط المعمعة، وستدور المفاوضات حتماً على مركز الحبشة السياسى واتصالها بالسودان ومصر وسط المعمعة، وستدور المفاوضات حتماً حول القوات والاستعدادات فى طرابلس والحدود الغربية ومصر وسط المعمعة، وستدور المفاوضات حتماً حول الجو ميدان العراك الهوائى ومصر وسط المعمعة، ولئن دارت المفاوضات حول قنال السويس فمصر وسط المعمعة بل هى كل المعمعة

كيف يقال إذن إنه لا داعى لاشتراك مصر فى المفاوضات؟ وإلى متى تظل مصر ذنباً، وذيلاً، وملحقاً من الملحقات، وسلة من سلال المهملات؟!

أى عزيزى ومواطنى القنال

عفواً فقد جر الحديث إلى غير حديثك، ولكن أنت منبع الشر، ومصب المصائب، و«بوغاز» النكبات والرزايا، وأعدى أعداء مصر لو علم المصريون..

يا إلهي، أنت قادر على كل شىء، ومعجزاتك كانت للورى سلاماً ووئاماً

اللهم اردم القنال، وسد القنال، واقفل القنال، ففيه الخير لنا وللطامعين أجمعين..

أخبار الساعة

الاكثر قراءة