وتستمر عمليات القتل المنهجية للفلسطينيين المدنيين فى قطاع غزة من قِبل جيش الاحتلال الذى لم يتورع عن استخدام تجويع الشعب الفلسطينى، وتكالبه على مراكز توزيع المساعدات عن طريق (مؤسسة غزة الإنسانية) التابعة للشركة الأمريكية وبالتنسيق مع الاحتلال، ليمارس أعماله الوحشية وينفذ خطته للإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى، حيث قام بإطلاق النار على الفلسطينيين فى محور نتساريم، حيث توجد النقطة الوحيدة للشركة الأمريكية لتوزيع المساعدات فى منطقة وسط غزة، ويقتل أكثر من عشرة مواطنين ويجرح العشرات، وفى نقطة التوزيع فى رفح جنوب القطاع يوم الأحد الماضى، أطلقت القوات الإسرائيلية النيران على الغزاويين الجوعى الذين يتكبدون عناء السير مسافات بعيدة، من أجل الوصول لمركز توزيع المعونة، وقتلت طبقًا للأرقام الفلسطينية 39 مواطنًا وجرحت حوالى 120، عن طريق القوات البرية والمسيّرات والقناصة.
فريق من المحللين السياسيين الفلسطينيين يعتقدون أن بعض هؤلاء القناصة من قوات «المستعربين»، إحدى القوات السرية التابعة للجيش الإسرائيلى، والتى تعمل داخل المناطق الفلسطينية وخارجها منذ سنوات.
من هم المستعربون؟ ومن هم العملاء؟ وما أدوارهم؟
«المستعربون» وحدة أمنية مكونة من مجموعات من الإسرائيليين، يرتدون الملابس المدنية، ويتم اختيارهم على أساس أنهم يشبهون الفلسطينيين، ويتحدثون العربية وفى الغالب يتم اختيارهم من اليهود الشرقيين يتم تدريبهم من 12 شهرا إلى 15 شهرا تدريبًا عالى المستوى، وقد أقام الجيش الإسرائيلى قرية على نموذج القرى الفلسطينية، على أحد مرتفعات القدس، ويعيش المستعربون فيها نموذج محاكاة لما يعيشه الفلسطينيون، ويتعلمون كيف يتحدثون بلهجتهم، ويعتادون على أنواع طعامهم، وكل عاداتهم وتقاليدهم فى الحياة فى الفرح والحزن، ويتعرفون على ثقافة المجتمع الفلسطينى كى لا ينكشف أمرهم عندما يندسون وسط الفلسطينيين، والمستعربون يتدربون أيضًا على استخدام السلاح، وأغلبهم قناصون وعمليات الهروب بكل ما تستلزمه مثل تدريبات سلاح الصاعقة.
وتتلخص مهام المستعربين فى تتبع المقاومين، والقيام بعمليات اغتيال لبعض من عناصرهم وقياداتهم، وهم مسلحون، ومدربون على التخفى والهروب بعد تنفيذ أى عملية مكلفين بها، ويتحركون كمجموعات للمساعدة والتغطية، ومن بين العمليات الكبيرة التى قاموا بها العام الماضى، عندما قتلوا ثلاثة من رجال المقاومة، فى مستشفى ابن سينا بالضفة الغربية، حيث كانوا يتلقون العلاج إثر إصابتهم جراء الاشتباك مع القوات الإسرائيلية فى الضفة، واستطاعوا التخفى فى ملابس التمريض والأطباء، واستخدموا مسدسات كاتمة للصوت.
كما يقوم المستعربون بعمليات اختطاف لبعض النشطاء الفلسطينيين من أجل اعتقالهم.
وتعود نشأة المستعربين، إلى ما قبل تأسيس إسرائيل، البعض يرجعهم إلى قيام البريطانيين المستعمرين لفلسطين باستغلال وجود يهود شرقيين استوطنوا فى فلسطين وتجنيدهم وزرعهم بين العرب من أجل الحصول على معلومات.
وفى عام 1941 نشأت حركة الهاجاناه الصهيونية والتى انبثقت منها «البلماح» كوحدات أمن خاصة، وتشكل منها وحدات سرية منها «الفصيلة العربية» التى أصبحت المستعربين فيما بعد، يرتدون أزياء العرب ويتحدثون لغتهم ويقومون بنقل السلاح للعصابات والقوات الصهيونية، حتى قامت إسرائيل عام 1948 حيث قرر دافيد بن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، بإلغاء هذه الوحدة لإقامة جيش واحد، تندرج تحته أى مجموعات أو ميليشيات مسلحة.
وعادت وحدة المستعربين للظهور بوضوح فى نهاية الثمانينيات بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وكان قد تقطع ظهور وحدة المستعربين خلال الخمسينيات إلى السبعينيات بشكل غير منتظم، ومنذ الانتفاضة نشأت وحدة المستعربين تحت إدارة الجيش بشكل أساسى، والآن توجد وحدة «دوفدفان» العاملة فى الضفة الغربية والتابعة للجيش والتى أسسها إيهود باراك، ووحدة «شمشون» فى قطاع غزة و«يمام» أو «ي. م. س» التابعة لحرس الحدود، والتى تنضم للجيش وقت الحروب، وتنشط بالتعاون مع جهاز الأمن العام «الشاباك»، ووحدة «جدعون» التابعة للشرطة، ووحدة «مسادا» تابعة لمصلحة السجون، ويتم استخدامها لمواجهة تمرد الأسرى فى السجون الإسرائيلية والقبض على الهاربين من السجون وتحرير الرهائن، وتستخدم أيضًا فى قمع المظاهرات فى الضفة، وهناك وحدة وسط عرب 1948 داخل الخط الأخضر، وأخرى للقدس الشرقية.
نفذ المستعربون عمليات اغتيال، ترصد تعدادها بعض الجهات البحثية بأنها تجاوزت الألف، ولكن لا توجد أرقام مدققة، منها عمليات خارج حدود فلسطين مثل عملية اغتيال أحد أبرز قيادات فتح خليل الوزير «أبو جهاد» فى منزله بتونس، كما قامت باغتيال الكاتب الفلسطينى المعروف عضو فتح «غسان كنفانى»، وكثير من قيادات المقاومة من كل الفصائل الفلسطينية من فتح والجبهة الشعبية وحماس والجهاد وغيرهم.
أما (العملاء) فهم يختلفون عن المستعربين فى كثير من النواحي، أهمها أنهم فلسطينيون بالفعل من بين العائلات الفلسطينية، ويتم تجنيدهم إما عن طريق الإغراء بالمال أو بالترهيب والابتزاز، ويتبعون المخابرات الإسرائيلية «الموساد»، ومهمتهم تنحصر فى جمع المعلومات، عن أوضاع الفلسطينيين اقتصاديا وسياسيًا واجتماعيًا، ومعلومات عن المقاومة، رجالها وأماكن تواجدها، ومراكز سلاحها وأنفاقها، وهى مجموعة غير مسلحة، ويطلق عليهم الفلسطينيون الطابور الخامس والخونة، ومَن يتم اكتشافه يتعرض لعقوبة الإعدام، حيث نفذت حركة حماس حكم الإعدام فى بعضهم بالفعل، ويعتبر موت العملاء موتا غير مشرف حيث لا يشارك أحد فى جنازته، وتعلن عائلته التبرؤ منه.
ويوجد عملاء مشهورون يرتكبون الخيانة بكل وضاعة فى وقت يموت فيه الآلاف من أهلهم فى غزة على يد الاحتلال، ويعانون من الحصار والموت جوعًا منذ 3 أشهر.
قالت مصادر فى حماس حول مجموعة العملاء التى وقعت فى كمين القسام مؤخرا فى رفح إنهم يتبعون الخائن «ياسر أبو الشباب»، حيث قامت هذه المجموعة بنهب المعونات الغذائية بتعليمات إسرائيلية من أجل أن تدعى إسرائيل أن حماس تسرق المعونات، ليكون لديها مبرر لمنع المساعدات عن الفلسطينيين، وياسر أبو الشباب من قبيلة الترابين المتواجدة فى غزة وسيناء والتى أعلنت فى بيانها تبرؤها منه، وقالت إنه كان يؤكد لها أنه يعمل على توصيل المساعدات للمدنيين فى رفح بعيدًا عن أى نشاط أمنى، وأنها اليوم تأكدت بعد مشاهدة فيديو القسام أن وصل إليها معلومات مؤكدة من مقربين منه تفيد تورطه فى أنشطة مشبوهة، وأكدت أنها ستعمل على ملاحقته ومحاسبته، وأن دمه مهدور، ودعت الشعب الفلسطينى إلى تفهم موقفها الذى جاء حفاظا على شرفها الوطني، وعلى إرثها الوطنى فى مواجهة الاحتلال.
وعلى جانب آخر، قالت وزارة الداخلية فى غزة: إن تحقيقا لها كشف أن لصوص مساعدات يقودهم عملاء يتحركون بغطاء إسرائيلى لاستهداف عناصر الشرطة.
وأضافت أن تكامل الأدوار بين اللصوص وعملاء الاحتلال هدفه إحداث الفوضى وبث الخوف فى نفوس المواطنين، مؤكدة أن الوزارة لن تتخلى عن القيام بواجبها، وستواصل حماية أرواح وممتلكات المواطنين رغم الخسائر الفادحة، وستتبع العملاء من أجل القصاص منهم.
«المستعربون» وفق القانون الدولى جماعة مخالفة لاتفاق جنيف، وما ترتكبه من اغتيالات تُصنف كجريمة حرب، ولكن كالعادة إسرائيل فوق المحاسبة فى عالم يكيل بمكيالين. أما العملاء فمصيرهم إما الموت وإما الهروب إلى إسرائيل مذلولين منبوذين من أهلهم.