رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«إسماعيل ياسين» فى ذكراه بسمة من زمن «الأبيض والأسود» مرسومة على وجه زمان عابث بالألوان


22-5-2025 | 19:26

.

طباعة
بقلم: حمدى رزق

من لزوميات الكاتب الصحفى، مفكرة حمراء، تُذكره بالتواريخ، والمناسبات، وفيها فيض خاطره مدوناً، وعادة ما أعود إلى أجندتى التى فى حجم الكف أطالع التواريخ، وأراجع الأفكار، وأبحث عن فكرة تصلح مقالا.

مُدوَّن فى أجندتى تاريخ حزين، وفاة إسماعيل ياسين فى 24 مايو 1972، فطرنى التاريخ مجدداً، كل ما مر بى هذا التاريخ ينتابنى حزن شفيف، تمتمت ترحماً على منْ يمنحنى ابتسامة محببة من قبره، رحل وترك لنا معيناً لا ينضب من السعادة، نغترف منه ليخفف علينا حرور الحياة.

 

توقفت ملياً أمام صورة «سُمعة» بالأبيض والأسود، وسألته عن سره، سره باتع، لم أظفر منه بإجابة، ضحك ضحكته الشهيرة ومضى إلى الجنة، نتمناها من قلوبنا، بقدر ما رسم البسمة على وجوهنا.

فكرت ملياً، تكتب إيه عن إسماعيل ياسين بعد مرور نصف قرن ونيف من السنين على رحيله، لو كتبت العمر كله ما أوفيت «سمعة» حقه.

تكتب عن إسماعيل ياسين، إذا أنت تكتب عن البهجة، عن الظُرف، بالضمة، عن اللطافة واللياقة، عن الضحكة الصافية من القلب.

إذا كنت مهموماً.. «سُمعة» يُزيل الهموم، وإذا كنت محزوناً، يمسح الأحزان، وإذا كنت فى ضيق يفرج عنك بقفشاته، ومونولوجاته، إسماعيل بسمة من زمن «الأبيض والأسود» مرسومة على وجه زمان عابث بالألوان.

تعلقت به صغيراً، فمى صغير لم أستطع تقليده، بقه يبتلع الهموم، وبعد أن شاب الشعر منى وبلغت من العمر عتيا لا يزال سُمعة يبهجنى، ويسعدنى، ينبوع السعادة، وصاحب السعادة الذى رحل وهو يغنى، كلنا عاوزين سعادة. بس إيه هيا السعادة. ولا إيه معنى السعادة. قوللى يا صاحب السعادة. قوللى.. قوللي.

وفى ذكراه أتذكر كم أسعدنى هذا الضاحك الباكى، وقبل أن آوى إلى فراش ساخن من عذابات النهار، من الألم والنكد والغم، أبحث عن «سُمعة»، أتقفى أثره فى كل قنوات المتعة الكلاسيك، إذا عثرت عليه وحبذا لو كان رفيقه عبد الفتاح القصرى حاضراً أستريح، شهيق، تغمض جفونى من طول أرق وإرهاق، أنام هانئ البال، مرتاح الفؤاد، يرسم بسمة تظل عالقة على شفتى حتى الصباح.

يتعجب وحيدى (مازن) «أنت بتضحك يا بابا وأنت نايم».. أرد وأنا فى مزاج رائق «عمك سُمعة ملوش حل».. لم يخفف عنى وعن جيل الآباء المطحونين طحناً سوى «سُمعة»، نعمة من الله أن وهبنا إسماعين ياسين، كنا ننطق اسمه ونحن صغار لا نميز الحروف، هكذا «سماعين»، وجد لنفسه من قبره مكاناً بين الأسرة، ألجأ إليه كلما استبد بى القلق، وأحنّ إلى عذوبته فى زمن الهجير، وأشتاق إلى ضحكته كلما أظلمت الدنيا فى وجهى، لم يخيب ظنى أبدا.

لا أخفيكم سراً، «سُمعة» هو صديقى الذى أئتمنه على ألمى فيحوله إلى أمل، قادر على أن يُبلسم ويطبب الجروح، ويبهج النفوس.

بابا من زمن الأبيض والأسود، من بتوع إسماعيل ياسين، هكذا يتندر بتاع توم كروز وعبده موتة على العبد لله، ابنى الوحيد من جيل لم يجرب الضحكة الرايقة، والجملة النظيفة، والعذاب على شفاه تبتسم.

إسماعيل ياسين الوحيد الذى يبكينى ويشجينى، فخراً (من الفخر) أتيه (من الافتخار) نعم أنا من بتوع سُمعة، أنا من دراويش أبو ضحكة جنان، ولا أشاهد غير سلسلة أفلام إسماعيل ياسين، من الطيران إلى الأسطول، أعيش لحظات مفعمة بالبهجة مع مغامرات ساذجة، مفرطة فى البساطة، وجمل مبهجة من فرط بساطتها أقع على ظهرى ضحكا.

أحفظ أفلام إسماعيل ياسين عن ظهر قلب، كل لقطة، كل مشهد، كل ضحكة ضحكتها مئات المرات على مدار سنوات، «سُمعة» كالجبنة الرومى كل ما يقدم يحلَو.

تمنيت أن أملك أموالا ذات يوم بعيد، فقط لأبنى بها سينما باسم إسماعيل ياسين تعرض فقط أفلام «سُمعة»، يقينا جمهورها من بيض الشعور، مثلى سيكون حاضراً، دخلت سينما فى «لندن» مخصصة فقط لعروض الأفلام القديمة «أبيض وأسود»، وكانت فرجة مدهشة من جمهور من بيض الرءوس، وكأننا فى ثلاثينيات لندن.

حضور «سُمعة» فى كل فيلم تلمسه فى كل بيت، جيل الآباء يبحث عن «سُمعة» كل ليلة، خلاصا وهروبا من أفلام الرعب الأزلى والأعضاء المتطايرة والدماء النازفة، تلك التى غزت غرف النوم، حتى رعب «سماعين» جميل، فى فيلم «متحف الشمع» كانت هناك مومياء قبيحة مخيفة، لكن مومياء على مين، على إسماعيل والقصرى، مغامرات تهلك من الضحك، حتى أفلام الرعب عند إسماعيل نوع من الرعب اللذيذ، عمركم شفتم رعب لذيذ.

وعندما يحب على نفسه، وتتجاهله الحبيبة الجميلة عادة، ويقف أمام المرآة يندب شكله، يا عينى على الحب، على الصبر، حب إسماعيل حب جميل، يأتى بأفعال عاطفية عجبا، تهلك من الضحك، تسقط المحبوبة صريعة فى حب أبو «بق» كبير، بقو، اسم لإسماعيل فى فيلم لفريد الأطرش، ضحك فشيخ، و«فشيخ» هذه من قاموس النبى حارسه وصاينه، جيل كنتاكى وماك وستاربكس، وهو يحكى عن أفلام كوميديانات هوليوود، كانت فين هوليوود وسماعين يأتى عجبا.

تهرب من فضائيات الليل وآخره وفيها عشرات من المهابيل إلى إسماعيل اللذيذ، تفر من النكد، من الألم، من الصداع، من وجع الدماغ، وغلاء الأسعار، وترندات الليل وآخره، تحول الريموت إلى إسماعيل ياسين، وكأنك انتقلت إلى عالم آخر، الضحكة، والنكتة، والمونولوج، والإفيه، والموقف، ينقلك بخفة إلى عالم مرييييييح، جميييييل، مبهج، «سُمعة» لم يُضبط قط يُوتر المشاهدين، إسماعيل علاج مضاد للاكتئاب، مثل الشيكولاته السوداء تمنحك شعوراً محبباً بالسعادة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة